آخر الأخبار
The news is by your side.

 نحن والردى: صلاح أحمد إبراهيم

 نحن والردى: صلاح أحمد إبراهيم

 نحن والردى 

 يا زكيَّ العُودِ بالمِطرقة الصَّمَّاءِ والفأسِ تَشظَّى

وبنيران لها ألفُ لسانٍ قد تَلظَّى

ضُعْ على ضوئِك في الناسِ اصطبارًا ومآثر

مثلما ضوَّعَ في الأهوالِ صبرًا آلُ ياسر

فلئن كنتَ كما أنتَ عَبِقْ

فاحترقْ.

***

يا منايَا حَوِّمِي حول الحِمَى واستعرضِينا واصْطفِي

كلَّ سمحِ النفس بسَّامِ العشيات الوفي

الحليم العِفِّ كالأنسام روحًا وسَجَايا

أريحي الوجه والكف افترارًا وعطايا

فإذا لاقاك بالباب بشوشا وحفي

بضميرٍ ككتاب الله طاهر

اُنشبي الأظفارَ في أكتافه واختطفي

وأمانُ الله منا يا منايا

كلما اشتقتِ لميمونِ المُحيَّا ذي البشائر .. شرّفِي

تجدِينَا مثلًا في الناس سائرْ

نقهرُ الموتَ حياةً ومصائرْ

***

هذه أجنَابُنا مكشوفة فليرمِ رامي

هذه أكبادُنا لُكْهَا وزغردْ يا حقود

هذه أضلاعُنا مثلومةٌ وهي دوامي

وعلى النَّطع الرؤوس

فاستبدِّي يا فؤوس

وادخُلِي أبياتَنا واحتطبِي

وأَدِيري يا منايانا كؤوسًا في كُؤوس

من دِمَانَا واشْربِي.

***

ما الذي أقسى من الموت؟ فهذا قد كشفنا سرَّه

واستسغنا مُرَّه

صدِئتْ آلاتُه فينا ولا زلنا نُعافِر

ما جزعنا إن تشهَّانا ولم يرضَ الرحيلْ

فله فينا اغتباقٌ واصطباح ومَقِيلْ

آخرُ العمرِ، قصيرًا أم طويلْ

كفنٌ من طرف السوق وشبرٌ في المقابرْ

ما علينا

إن يَكُنْ حزنًا فللحزن ذُبالاتٌ مُضيئة

أو يكن قصدًا بلا معنى،

فإن للمرء ذهابًا بعد جيئة

أو يكن خيفةَ مجهولٍ

فللخوف وقاءٌ ودريئة

من يقينٍ ومشيئة

فهلمِّي يا منايانا جحافل

تجدينا لك أندادَ المحافل

القِرَى منَّا وفينا لك والديوان حافل

ولنا صبرٌ على المكروه – إن دام – جميل.

***

هذه أعمالُنا مرقُومةٌ بالنور في ظهر مطايا

عبرت دنيا لأخرى تستبق

نفذ الرملُ على أعمارنا إلا بقايا

تنتهي عمرًا فعمرًا وهي نِدٌّ يحترق

ما انحنت قاماتُنا من حمل أثقال الرزايا

فلنا في حَلَكِ الأهوالِ مسرى وطُرق

فإذا جاء الرَّدى كشَّر وجهًا مكفهرا

عارضًا فينا بسيفٍ دموي ودرق

ومُغيرا

بيدٍ تحصدُنا، لم نُبدِ للموتِ ارتعادًا أو فَرَقْ

نتركُ الدنيا وفي ذاكرةِ الدنيا لنا ذكرٌ وذِكرًى

من فِعالٍ وخُلُقْ

ولنا إرثٌ من الحكمةِ والحلمِ وحبِّ الكادحين

وولاءٌ، حينما يكذبُ أهليه الأمين

ولنا في خدمة الشعب عرق.

***

هكذا نحن ففاخرنا وقد كان لنا أيضا سؤال وجواب

ونزوع للذي خلف الحجاب

برهةً من سرمد الدهر أقمْنَا ومشيْنَا

ما عرفنا بم أو فيم أتينا وانتهينا

وخبرنا تفه الدنيا وما من بهرجٍ فيها حقير

عرَضًا فانٍ لفانينَ فما نملكُه يفلت من بين يدينا

أو ذهبْنا دُونه حين بقي

فكما كان لدينا، صار مِلكًا لسوانا، وغرور

لغريرٍ غافلٍ يختال في الوهم الهوينى

في حبور.

***

رُبَّ من ينهلُ من بحر الغوايات

ظَمِئَ والذي يملك عينين ولا لُبَّ ..عَمِي

والذي تفتنه الدنيا ولم يَدرِ المصير

أبلهُ يمرحُ في القيد وفي الحلم يسير

ريثما تُوقظُه السَّقطةُ في القاعِ ولا يعرف أينَا.

***

كلُّ جيل بعدَه جيل، ويأتي بعدَ جيل

بليتْ جِدَّتُه، مُرتقبًا في غبطةٍ أو غفلةٍ أو قلق

فَقْعَةَ الآمالِ في جِيلٍ بديل

طالِعٍ أو طامِعٍ مُستبق

***

أمسِ قد كنا سُقاةَ القومِ بالكأس المرير

وغدًا يحملنا أبناؤُنا كي نستقي

فالذي تُخلَى له مَضْيَفَةُ الحي سيُدعَى للرحيل

حين يبدو قادمٌ في الأفق

وكلا القائمِ والقادمِ في دفترِها ابنُ سبيل.

***

كل طفلٍ جاء للدنيا – أخي- من عدم

مُشرقَ الوجنةِ ضحَّاكَ الثَّنايَا والفم

يُسرِجُ السَّاعاتِ مُهرًا لاقتحام القِمم

سابحًا في نشوةٍ للهرم

فإذا صاحَ به الموتُ أقدمْ

كان فَوْتُ الموتِ بعضَ المستحيلْ.

***

عجَبِي من رِمة ترفلُ بين الرِّمم نسيت سوء مآل الأمم

وسعتْ في باطلٍ عُقباه غير الألم ومطيف الندم والسأم..

غُصَّةُ الموتِ، وإن مُدَّ لها في فسحة العمر قليل

فالذي يعقُبُه الرَّمسُ وإن طال مدًى ليس طويل

والسؤال الحقُّ ماذا بعدُ؟ ماذا بعدُ؟ ماذا بعدُ في هذا السبيل

يرتجيه الآدمِي؟

أإذا متنا انتهينا للأبد؟ غير ما أسماه دهري طبيعة؟

أم بدأنا من جديد .. كيف أو أين سؤال هائل لن نستطيعَه

أفمن يذهب عنا سيعود مثلما تزعم شيعة…ثم هل عاد أحد؟

أم له في داره الأخرى خلود

بعد أن يسترجع الله الوديعة

بكتاب وأمَدْ؟

***

ضلَّ من يبحثُ في سرِّ الوجود بالذي أنكر بالبارئ أو فيه اعتقد

فاجْعلِ الموتَ طريقًا للبقاء

وابتغِ الحقَّ شريعةً

واسْلُكْ الفضلَ وقُلْ يَا هؤلاء

خابَ قومٌ جحدوا الفضلَ صنيعَه

إن للفضل وإن مات ذووه لَضِيَاءٌ ليس يخبو

فاسألوا أهلَ النُّهَى

رُبَّ ضوءٍ لامع من كوكب حيث انتهى ..

 

ذلك الكوكبُ آلافا وآلافاً سنينَا.

***

يا رياحَ الموتِ هُبِّي إن قدرتِ اقتلعينا

أعمِلِي أسيافَك الحمراء في الحيِّ شمالًا ويمينا

قطِّعي منا الذُّؤاباتِ ففي الأرض لنا غاصت جذور

شتِّتِينا فلكم عاصفةٍ مرت ولم تنسَ أياديها البُذور

زَمجرِي حتى يَبُحَّ الصوتُ، حتى يعقبَ الصمتُ الهدير

اسحقينا وامحقينا تجدينا .. نحن أقوى منك بأسًا ما حَيِينَا

و إذا مِتنا سنحيا في بنينَا

بالذي يبعثُ فيهم كل ما يبرقُ فينا

فلنا فيهم نُشُور.

***

طفلنا حدق في الموت ملِيًّا ومِرارَا

ألِف الأحزانَ تأتينا صغارًا وكبارَا

ومرى الدمعَ غزيرًا ورعَى النومَ غِرارَا

ورأى والدَه يخطرُ للموتِ ونعشًا يتوارَى

لن يراه مرةً ثانية قطُّ إلى يوم الحساب

ذاكرًا عنه حنانًا وحديثًا وابتساماتٍ عِذَابْ

كشُموسٍ لا يني، يأملُ أن تُشرقَ من باب لباب.

***

كل يومٍ ولنا في البيت مأتم

وصغيرٌ ذبحت ضِحكتُه يومَ تيتَّم

كلَّما مرت بنا داهيةُ تسأل عيناه عن الشرِّ المُغير

ويرى من حوله أمرًا مريبًا وغريبًا ورهيبًا فيثُور

أمُّه في جَلَدٍ تدعوهُ أن يسكتَ لكن صوتَها فيه اضطرابٌ

واكتئابٌ وهو يدري، فعُيون الأم للابن كتاب

وهو بالمحنة والموتِ الذي جَنْدَلَنَا جدُّ بصير

حلمُه صار حكيمًا وهو طفلٌ في سرير

فهو يزدادُ بما حاقَ بنا حزنًا وحزمًا و وقارا

وانفعالا كلما عاث بنا دهرٌ وجارا

هكذا يُطرَقُ فولاذُ البُطولاتِ ويُسقى بالعذاب

فله في غده يومٌ كبير يوم أن يدلجَ في وادِي طُوًى

يقبسُ نارَا

والجًا هولًا مهولًا، خائضًا نقعًا مثارَا

وغِمارَا

ضاحكًا في حنَكِ الموتِ على الموتِ عُتوًّا واقتدارا

وقد استلَّ كسيفٍ وامضٍ جرحًا عميقًا في الضمير

خبِّرانِي – لهف نفسي – كيف يخشى الموتَ من خاشَنه الموتُ صغيرْ؟؟

***

في غدٍ يعرفُ عنا القادمون

أيَّ حب قد حملناه لهم

في غدٍ يحسبُ فيهم حاسبون

كم أيادٍ أسلفت منا لهم

في غدٍ يحكون عن أنَّاتنا

وعن الآلام في أبياتنا

وعن الجرح الذي غنى لهم

كل جرحٍ في حنايانا يهون حين يغدو مُلهما يُوحي لهم

جرحُنا دامٍ ونحن الصامتون حزننا جمٌّ ونحن الصابرون

فابطشي ما شئتِ فينا يا مَنون

كم فتًى في مكة يشبه حمزة؟

***

بالخشوع المحض والتقديس والحبِّ المُقيم

واتِّضاعٍ كامل في حضرة الروح السَّماوي الكريم

التحياتُ لها

وبشوقٍ أبدي عارم ينزفُ من جُرحٍ أليم

وامتنان لا يفيه قدرَهُ قولٌ لا ولا فعلٌ حديث أو قديم

التحياتُ لها

ليتَ لي في الجمر والنيران وقفة

وأنا أشدو بأشعاري لها

ليتَ لي في الشوك والأحجار والظلمة زحفة

وأنا أسعى بأشواقي لها

ليتَ لي في زمهريرِ الموتِ رجْفة

وأنا ألفظُ أنفاسي لها

ليت من ألمٍ طاغٍ مَحفَّة

وأنا أُحْمَلُ قُربانًا لها .. وهديَّة

فأنادي باسمها الحلو بلهفة

لك يا أمَّ السلامِ وهي ترنو لي وتصفو للتحية .. بابتسام

وجبيني في الرِّغام

التحياتُ الزكيات لها ، نفسٌ زكية

رسْمُها في القلب كالروض الوسيم

صنعتْنا من معانيها السَّنيه

وستبقى منبعَ النور العظيم

يا قبورًا في عراء الله حسْبُ البشريةِ

إنكم من ذوقها العالي صميم

سنواتٍ عشتموها أينعت .. حفلا بالخير والبِرِّ الحقيقي

ومضيتم فتركتم أثرًا.. نبشَ إسماعيلِ في القفر السَّحيق

يا أحبائي و يا نبضَ عُروقِي

كنتم القدوة بالحب الورِيق

فاهنأُوا أنتم كما نحن على ذاك الطريق.

***

رُبَّ شمسٍ غرُبت والبدرُ عنها يُخبر

وزهورٍ قد تلاشت وهي في العطر تعيش

نحن أكفاءٌ لما حَلَّ بنا بل أكبر

تاجُنا الأبقى وتَنْدَكُّ العُرُوشْ

ولِمن ولَّى جميلٌ يُؤْثَرْ

ولِمن ولَّى حديثٌ يُذكَرْ.

 

 

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.