آخر الأخبار
The news is by your side.

نحن طيبين أوي يا خال … بقلم: أمجد هاشم

نحن طيبين أوي يا خال … بقلم: أمجد هاشم

في عالم السوشيال ميديا الذي أتاح فرصة الإحتكاك الإفتراضي بين الشعوب، كان دائماً ما يلفتني تساؤل أشقائنا في شمال الوادي بعد أي إشتباك فيسبوكي (هٌمَّ السودانيين بيكرهونا ليه؟؟).

و البعض منهم وصل بهم الشطط إلى درجة تفسير ردات فعل السودانيين الحادة تجاههم بالحقد و الحسد غير المبررين و لكن بعد البحث و التمحيص في تاريخ العلاقة بين البلدين أعتقد أن الصيغة الصحيحة للسؤال هي (هٌمَّ السودانيين ما بيثقوش فينا ليه؟؟؟).

و للإجابة على هذا السؤال علينا العودة إلى العام 1924 يظن الكثيرون أن ثورة اللواء الأبيض التي إندلعت في 1924 هي ثورة سودانية خالصة و لا يعلم معظم السودانيين أن جمعية اللواء الأبيض كانت مٌخترقة بواسطة إستخبارات الجيش المصري، فعلي عبداللطيف مؤسس الجمعية الذي كان يتحدث بلهجة مصرية صِرفة هو في الأصل خريج المدرسة الحربية المصرية التي إلتحق بها في 1912 قبل أن ينضم لكتائب المشاة السودانية التابعة للجيش المصري قبل تأسيس قوة دفاع السودان في 1925.

و أسفرت التحقيقات التي أجراها الإنجليز بعد إخماد الثورة أن ضابط مصري برتبة رفيعة كان على إتصال دائم و لصيق مع منسوبي الجناح العسكري للجمعية الممولة مصرياً و هو ما يفسر إقحام الأجندة المصرية ضمن مطالب ثورة اللواء الأبيض التي كان يتصدرها مقاومة التوجه الإنجليزي لإدارة شؤون السودان بمعزل عن مصر عقب إغتيال السير لي ستاك و وضع العراقيل أمام المشاريع التنموية التي باشر الإنجليز تدشينها في السودان و أهمها تشييد خطوط السكة حديد و بناء خزان سنار و إنشاء مشروع الجزيرة اللذان إعترض المعاون المصري للحاكم العام البريطاني عليهما.

و رفضت مصر المشاركة في تمويلهما بحجة أن خزان سنار سيتيح للسودان السيطرة على تدفقات المياه المنسابة إلى مصر و أن مشروع الجزيرة سيؤثر على الريادة المصرية في أسواق القطن العالمية، و بهذا الرفض أخلَّت مصر بإلتزاماتها المالية تجاه السودان وفقاً للنصوص الواردة في إتفاقية الحكم الثنائي و هو ما إستدعى أن يلجأ الحاكم العام إلى حكومة المملكة المتحدة التي طلب منها قرضاً لإنشاء هذه المشروعات بتمويل بريطاني.

لذلك كانت الدوافع و الأجندات المصرية واضحة وضوح الشمس وراء مطالبة ثوار اللواء الأبيض بإعادة النظر في إنشاء مشروع الجزيرة و تقييم آثاره السلبية على المجتمعات المحلية!!!

قد يصف البعض ما قام به ثوار اللواء الأبيض من تمرير للأجندة المصرية على حساب المصلحة السودانية بالعمالة و الإرتزاق لطرف خارجي و لكن في ظني يمكن تفسير موقفهم هذا بأنهم كانوا مغيبين و تمت السيطرة عليهم و التحكم فيهم بدغدغة أحلامهم و أمانيهم بتحقيق وحدة وادي النيل و لكن سرعان ما تكشفت الحقائق أمامهم جلية و واضحة عندما تخاذلت الأورطة المصرية في الخرطوم و لم تحرك ساكناً للدفاع عن عبد الفضيل الماظ و رفاقه الذين كانوا يتعرضون للقصف بالمدفعية الثقيلة عقاباً لهم على إشعالهم لثورة ضد الإنجليز كان شعارها الأهم للمفارقة هو وحدة وادي النيل و مطلبها الأساسي هو رفض إخلاء و ترحيل الجيش المصري من السودان (نحن طيبين أوي يا خال)!!!!

هذه الحادثة شكلت نقطة فارقة لدى الكثير من الشباب السودانيين في ذلك الوقت بما فيهم بعض قيادات جمعية اللواء الأبيض الذين إتجهوا إلى تشكيل التيار الإستقلالي فقد أدركوا بوعيهم المتقدم أن تقاعس الأورطة المصرية و عدم تدخلها لمساندة ثوار اللواء الأبيض هو إشارة للمستقبل المظلم الذي ينتظر السودان في حال تمت الوحدة مع مصر.

بخلاف ما حدث في 1924 و الذي تسبب في إشعال الحساسية و العداء بين الشعبين السوداني و المصري، هناك أحداث كثيرة لاحقة عززت أزمة الثقة لدى السودانيين تجاه مصر الرسمية و مؤسساتها الأمنية و المخابراتية التي ما فتئت تتدخل سلباً في الشأن السوداني لتمرير المصالح المصرية على حساب السودان.

و سأتناول هذه الأحداث واحدة تلو الأخرى بالتفصيل في مقالات لاحقة سأحلل فيها المآلات الكارثية للتغلغل المصري في الطبقة السياسية السودانية خصوصاً في فترة جمال عبدالناصر الذي كان يؤسس في مصر بالتزامن مع إستقلال السودان لدولة بوليسية عميقة تآمرت على التجربة الديمقراطية السودانية الواعدة و ما زالت تتآمر حتى الآن و ساهمت هذه الدولة ضمن عوامل أخرى في إجهاض الديمقراطية الأولى و تقويضها مع سابق الإصرار و الترصد.

#لا_لإتفاقية_59

#نعم_لتعديل_حصص_مياه_النيل

#الكنترول_المصري

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.