آخر الأخبار
The news is by your side.

نازك الملائكة – رؤية إنسانية متجددة

نازك الملائكة – رؤية إنسانية متجددة

بقلم: سعد محمد عبدالله

كنت في العاشرة من عمري تقريباً؛ بينما أبحث ذات مساء في أغراض والدي، أبصرت مجلة قديمة تبعثرت أوراقها لعوامل الزمن ومرور السنوات، وقد وقعت عيني حينئذن علي قصيدة “الصلاة والثورة” وسط عشرات المُختارات الشعرية من بينها أشعار عمرو إبن كلثوم وجرير وغيرهم من الشعراء، إطلعت لأول مرة علي “الصلاة والثورة” من أروع كتابات نازك الملائكة في السبعينات.

ومنذ ذلك التاريخ؛ أتذكرها؛ وأبحث عن كتاباتها الشعرية مشّدُود الوجدان في جاذبية وإنسجام بين الشاعرة الملائكية وقارئ بدأ للتو تلمُس تلك القصائد الحرة ومضامينها المُبهرة مُبحراً علي خضمها ومُتبصراً مفهوم الثورة في الشعر المعاصر، وأحببت تلك القصائد، وسعدت بمطالعات أتاحها منهج التعليم بمرحلة الأساس في مدرسة إبن سيناء حيث قضيت أجمل فصول العمر.

وإبن سيناء قصة مُسّتفةً بذكريات الطُفولة، وإبن سيناء مفكر كوني نوراني أهدى البشرية رياحين فكره الخلاق محاوراً عقل الإنسان بانسانية ومتحملاً مأساة الجهلاء، وكانت الشاعرة نازك الملائكة الثائرة البغدادية من صلصال الحرية والسلام والعدالة تدافع بشعرها عن حقوق وحريات الإنسان، وأقرأ رؤيتها في شعارات جيل الثورة والتغيير الحالم بعالم جديد تتشكل صورته علي مرأةً لامعةً نُشاهد إنعكاساتها الممتدة من النيل الأزرق إلي نهر دجلة، وكأن الثُوار الآن يقولون لها بصوت عالٍ يشق عنان السماء “السلام الحلو حلم المنشدينا” فقد كان صوتها مصدر إلهام للثوار الأبطال علي طول وعرض العالم.

أكفت هذه الأيام علي الإطلاع الشعري بعد سنوات من الإنشغال باستشكالات الحياة والسياسة والثورة حتى هرب الزمن وصرت لا أتذكر أخر مرة جلست وفتحت فيها كتاب شعر للقراءة بعقل منفتح، وبعد نجاح الثورة المجيدة وتحقق السلام أخذت حقائب العمر وبدأت أعود للحياة من جديد، وطريق العودة يقود المرء للمرور بمكتبات نازك الملائكة والعبور من بوابات أبيات شعرها للتزود بمِسكها الفواح دون دفع “فاتورة” كما هو الحال في عالم بات فقيراً جداً رغم ضخامة ثرواته ولا يؤمن بمنهج الديمقراطية التشاركية التي تؤسس لمجتمع إنساني تعاوني يعيش الحياة بسلام.

ومن أجل تحرير العقول أشعلت نازك الملائكة ثورة الشعر الحر، وكانت رائدة العصر الحديث، وسطرت من وحي فكرها النير محلمات شعرية تشع كما النيازك؛ هي أنشودة أجيال متحررة وفكرة كُونية متجزرة في العقول ترجمتها شعراً ونثراً رصين فاق جماله وصف النُقاد والمحلليين، ونحن كجيل جديد يتطلع للمعرفة ينبغي أن نتوقف عند نصوص نازك الملائكة لنقرئها بعين العصر “من الألف إلي الياء” ونتعمق أكثر فأكثر في لُجّج أفكارها وعمائق بحورها ونتأمل سطوع نُجِيماتها وإنبلاج ضوئها علي سطح العالم كيما نُشّبع ذواتنا ونُنِيير عقولنا ونستبصر الكُون بعيون الثورة التي تعتبر الحُلم الذي يكسر جدار السكون ويصنع التغيير.

أول الأبواب التي صادفتني في رحلة العودة إلي عوالم الشاعرة العراقية الثائرة نازك الملائكة التي لم تفارق ذهني منذ سنوات الطفولة وبواكر أيام الإنخراط في المدرسة هي دراسة تحليلية لقصيدة “الصلاة والثور” وهذا عنوان ديوان شعر لنازك الملائكة نُشر في السبعينات، وكانت الدراسة بعنوان “بنية التفاؤل والنبوءة في قصيدة نازك الملائكة (للصلاة والثورة)؛ عبور من المسكوت إلي المُعلن” للدكتور شريف بشير أحمد بجامعة المُوصل/ كلية الأداب، وقد نشرها في مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية – المُجلد (٤)، العدد (٢) عام 2007م، وأعتقد من الضروري إهتمام كافة القراء والدارسيين والباحثيين بالإطلاع علي هذه الدراسة المهمة للتعرف علي منابع الكلمات وروائع الأفكار والإرث الثقافي الذي وضعته نازك الملائكة في المنجز الأدبي الرفيع المُصاغ بأحبار الإستنارة من أجل الإنسانية.

وتناول د. شريف أحمد جوانب مشرقة ومثيرة للإنتباه والتأمل والتساؤل في آن واحد؛ وينبغي أن تؤخذ وتدرج هذه الدراسة القيمة والمفيدة في المناهج التعليمية لتسهيل شرح الأدب “الملائكي” من زاوية تحليل الكاتب ونظرته للمادة موضع الحديث، وفي إعتقادي أن الكاتب قد أصاب الهدف بتصويب تحليلي صحيح، ويجب إخراج هذه الدراسة من أدراج المكاتب ونشرها علي أوسع نطاق لأنها تتحدث عن قصيدة مهلمة وعابرة للقارات ولا تعرف التواري خلف حدود الجغرافيا بيد انها لوحة صلاح وفلاح معلقة علي قلوب الناس تحمل رؤية إنسانية متجددة تشرئب إلي فضاءاتها العقول وتنساب بها الرياحين في شريان العالم وتصلح الحياة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.