آخر الأخبار
The news is by your side.

نازك الملائكة – رؤية إنسانية متجددة (8)

نازك الملائكة – رؤية إنسانية متجددة (8)

بقلم: سعد محمد عبدالله

شهدت الستينات تصاعد حدة النقد وتزمت النقاد مع غليان جدلية الثورة الشعرية التجديدية وسط ثورة مضادة من قبل تيارات الشعر التقليدي بعد إعلان ميلاد كتاب “قضايا الشعر المعاصر” للشاعرة نازك الملائكة.

وكانت صفحات الصحف والمجلات تضج آنذاك بمئات المقالات؛ ناقدة وناغمة علي التغيير؛ متشدقة بعروض الشعر القديمة، وإستمد النمط الجديد مناعته من قوة رؤية الشاعرة نازك الملائكة ورفاق الحركة الشعرية التجديدية وتفاعل العقل الجمعي مع الثورة الشعرية المعاصرة من كافة ألوان المجتمع، وباتت التيارات التقليدية تصارع اللونية الجديدة المتصاعدة بين الفينة والآخرى وتحاول إعادة إنتاج ذاتها بخطاب إحتجاج مضاد للثورة وتلك منازلة وجودية مع البدائل المطروحة أو المفروضة عليها بغية التموضع علي تماس الخط العمومي الموغل في التغيير.

وقد توفرت العوامل الزمكانية المساعدة علي تمدد وصمدانية حركة الشعر الحر في الفضاء الثقافي، ومضت حركة التجديد في توسع سريع أبهر العالم بأثره، وأضحت التيارات المناوئة في عزلة كونية تعتصرها الحيرة والحسرة جراء تمدد ضوء ثورة الشعر الحر المُسندة برؤية تجديدية آخذة في التبلور والإنفتاح والإنبلاج علي فضاءات إجتماعية وثقافية عميقة المدى، وهنا نقرأ فقرات مختارة من الحوار الصريح والشيق والممتع الذي أجراه الأستاذ اللبيب والعبقري حمد القاضي مع الشاعرة المجددة نازك الملائكة، وقد نُشر ذلك الحوار في مجلة العربية المشهورة؛ بتاريخ يناير – 1981م، العدد رقم (10)، وجرى الحديث حول مجريات ثورة التجديد والنقد في الحركة الشعرية المعاصرة، ونقتبس الفقرة الآتية.

الفقرة الأولى – حوار حمد القاضي ونازك الملائكة:

حمد القاضي: ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻧﺎﺯﻙ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻣﻦ ﺭﺍﺋﺪﺍﺕ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ. ﻣﺎ ﻫﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻟﺪﻳﻬﺎ؟
نازك الملائكة: ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻫﻮ ﻓﺮﺽ ﺃﺑﻌﺎﺩ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻨﻪ ﺭﺅﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻠﻌﺼﺮ ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺻﺪﺭﺕ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﺎﺷﻘﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺟﻮﺍً ﺭﻭﻣﺎﻧﺴﻴﺎً ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻲ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺭﻭﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺎ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺇﻻ ﺃﻧﻨﻲ ﺣﺎﻭﻟﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺃﺟﻌﻞ ﻟﻠﻘﺼﻴﺪﺓ ﻛﻴﺎﻧﺎً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻬﺎ ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﻋﻨﺼﺮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ.

ﻭﻛﻨﺖ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺫﻟﻚ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺃﻋﺒﺮ ﺑﻠﻐﺔ ﺫﺍﺗﻴﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ ﻃﺎﻗﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻏﻴﺮﻱ ﻭﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻻﺡ ﺗﻄﻮﺭ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮﻱ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺃﺅﻣﻦ ﺑﻘﻮﻝ ﻧﻴﺘﺸﻪ : «ﻣﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻀﻴﻠﺘﻲ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻲ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎً ﻋﺎﻃﻔﻴﺎً؟‏» ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﺪﻡ ﻃﻮﻳﻼً ﻭﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺩﺧﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺴﺮﻳﺎﻟﻲ – ﺍﻟﻤﻌﺘﺪﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻇﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﻭﺍﺿﺤﺎً ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ‏«ﺷﻈﺎﻳﺎ ﻭﺭﻣﺎﺩ‏» ﻭﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺘﻴﻦ ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺩﻋﻮﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﺃﻭﻝ ﻣﺮﺓ، ﻭﻗﺪ ﺻﺪﺭﺕ ﺳﻨﺔ 1949م – ﻫﻞ ﺗﻌﺘﺒﺮﻳﻦ «ﻋﺎﺷﻘﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ‏» ﻣﻤﺜﻼً ﻷﻓﻜﺎﺭﻙ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ؟ ﻻ .. ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗﻤﺜﻠﻨﻲ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻴﺎﻻﺕ ﺭﻭﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﻭﻓﻲ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ ﺟﺎﻧﺤﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ، ﻭ‏»ﺷﻈﺎﻳﺎ ﻭﺭﻣﺎﺩ» ﻳﻤﺜﻠﻨﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﺜﻠﻨﻲ ‏«ﻋﺎﺷﻘﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ»، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻷﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﻫﻲ ‏«ﻗﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﻮﺟﺔ» ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﺑﺒﻴﺮﻭﺕ ﺳﻨﺔ 1957،
ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻧﻲ ﻗﺪ ﺗﻄﻮﺭﺕ ﺗﻄﻮﺭﺍً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻣﻨﺬ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻲ «ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻘﻤﺮ‏» ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻲ «ﻳﻐﻴﺮ ﺃﻟﻮﺍﻧﻪ ﺍﻟﺒﺤﺮ‏» ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﺳﻨﺔ 1977م ﺑﺒﻐﺪﺍﺩ.

إن ظهور كتاب “قضايا الشعر المعاصر” يعتبر إشراقة جديدة للحركة الأدبية وتحول كبير في مسيرة الشاعرة نازك الملائكة، وقد أعاد الكتاب فتح مسارح حوار شعري واسع بين كبار الشعراء التجدديين والتقليديين مع سن النُقاد أقلامهم والدخول في نزال جدلي صاخب، وعادة الساحات الثقافية بِكرة خصبتها أفكار إنسانية نيرة جعلتها تنبت الإبداع من لدن ثورة الشعر الحر، ويترجم الحوار الذي أجراه الأستاذ الذكي واللماح حمد القاضي مع الشاعرة الكونية المبدعة نازك الملائكة درجات تصاعد ثورة الشعر الحر وثقة الشاعرة في صلابة منطلقاتها الفكرية وإمكانياتها الذهنية العالية في تحرير صراع العروض والقواعد الشعرية وإستيعابها للنقد المثار وإبتثاث رؤية التجديد بعقل منفتح ومدرك لكافة التحديات المحيطة بالحركة الشعرية المعاصرة وإنزال تعابيير موضوعية تمتاز بالصراحة والصرامة وتهدف لتُفسيير حالات النقد النقضي والنقد التنويري وتمهيد دروب ثورة التجديد الشعري وعبور تلك العقبات باستقامة، ونجحت الشاعرة المتمكنة نازك في تحويل قطار الحوار مع الأستاذ حمد من مسار السياحة الكلامية إلي عمائق جدلية التجديد وحركة الشعر الحر في العالم المعاصر وربط مفهوم التجديد بروح العصر وروائح الإنسانية ما جعل النفاذ إلي قلوب وعقول الجماهير من نافذة الحوار المباشر إبداع من نوع آخر، ونواصل مد مطالعة الفقرات المختارة من حوار الأستاذ حمد القاضي والشاعرة نازك الملائكة.

الفقرة الثانية – حوار حمد القاضي ونازك الملائكة:

حمد القاضي: ﻧﺎﺯﻙ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻣﻤﻦ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻷﺻﺎﻟﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ، ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺗﻨﺪﻓﻊ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻭﺣﺴﺐ ﻣﻌﺘﻘﺪﺓ ﺃﻥ ﻧﺎﺯﻙ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺟﻴﻠﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺘﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﻫﻢ ﻳﻘﺪﻣﻮﻥ ﻇﻮﺍﻫﺮﻫﻢ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻣﺎﺫﺍ ﺗﻘﻮﻝ ﺇﺣﺪﻯ ﺭﺍﺋﺪﺍﺕ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﻟﻬﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﺠﺪﺩﻳﻦ؟.

نازك الملائكة: ﺇﻥ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺃﻱ ﺷﺎﻋﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺘﺠﻪ ﺍﺗﺠﺎﻫﻪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻀﻐﻂ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻔﻲ ﺳﻨﺔ 1949م ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﻐﻤﺴﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﻢ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻲ «ﺷﻈﺎﻳﺎ ﻭﺭﻣﺎﺩ»، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻭﻥ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﻳﻘﺮﺃﻭﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﻳﺴﺘﺄﺛﺮﻭﻧﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻨﻈﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ.

ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺟﺪ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺷﻲﺀ ﻳﺬﻛﺮ – ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ – ﻭﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺍﻧﺪﻓﺎﻋﻲ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﺃﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﻴﻼً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻱ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﺃﺟﻮﺍﺀ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺗﻠﻬﻤﻨﻲ ﻭﺗﻠﻬﺐ ﺷﺎﻋﺮﻳﺘﻲ ﻟﺼﻮﺭ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﺠﺪﺓ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺃﻫﺘﻢ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻏﻴﺮﻱ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺘﺄﺛﺮﻭﻥ ﺑﻪ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺣﺐ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﻔﺮﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﺃﺣﺴﺐ ﺃﻥ ﺍﻟﺰﻣﻴﻠﻴﻦ ﺑﺪﺭ ﺷﺎﻛﺮ ﻳﺮﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻋﺒﺪﺍﻟﻮﻫﺎﺏ ﺍﻟﺒﻴﺎﺗﻲ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺤﺴﺎﻥ ﺑﻤﺜﻞ ﺇﺣﺴﺎﺳﻲ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﺗﺠﺎﻫﻨﺎ ﻛﻠﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻱ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺒﺪﻭ ﻟﻲ ﺃﻧﻨﺎ ﺣﻘﺎً ﻟﻢ ﻧﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻳﻌﺸﺶ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ‏«ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﻋﻲ» ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﺪﺭ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺇﻧﺘﺎﺟﻪ ﻓﻼ ﺧﻼﺹ ﻟﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺘﺠﻪ ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻋﻨﻪ.

كانت الشاعرة نازك الملائكة؛ ذلك الصوت الفريد الذي أسمع العالم شعراً بلحون الحياة الجديدة المليئة برياحين مشاعر إنسانية تهب من شواطئ دجلة والفرات حيث تزدهر بساتين الشعر والفكر وترانيم السلام والمحبة، ومرة آخرى تواصل الشاعرة المجددة إجاباتها الذكية وتحرك أصابع الثورة مشيرة لضرورة إحداث نقلة شعرية جديدة وجزرية عبر التغيير الذي يعتبر صفة ملازمة للإنسان ومصدر تطور الكون؛ فلا يستطيع شاعر آخر قليل القدرات إستدراك رؤيته الأصلية ومحاورة عقول المجتمعات بهذه الطريقة الشيقة والموضوعية من خلال الأسئلة التي طرهها بكل ثقة وبلاغة وعمق فكري الأستاذ حمد القاضي للشاعرة نازك الملائكة.

وأعتقد أن هذا الحوار المشحون بالمعلومات يصلح لإجرء بحوث تحليلية حول الشعر الحر ورؤية التجديد الشعري ومكنون الإنسانية من منظور الشاعرة نازك الملائكة في حقبة تاريخية إمتاز المسرح الثقافي والإجتماعي فيها حالة صخب مجادلة المجايلة وصخت تناقد التناقض الفكري وتوسع محاور حوار معادلة العدالة وأنسنة الحياة ورسالة الشعر المُرسل وتحديات المثقف العضوي التنويري ومعمودية مشروع ثقافي وإجتماعي كوني ممتد يخاطب فكر وروح الإنسان في العصر الجديد في ظِل مخاوف وجمود القوى التقليدية والخطاب الثقافي الإنكفائي الذي يحاول تدجين العقل الجمعي ومنع الإنفتاح والتجديد والتطور، ونجد أن هذا الحوار الصريح قد بعث رسالة تطمأن الشعراء بأن ثورة الشعر الحر تهدف للتجديد الشعري وليس إلقاء الموروثات الشعرية.

وأن التجديد سمة ملازمة للحياة الإنسانية، ويتوجب علي المثقف المعاصر والناقد التنويري إيجاد رافعة لإجراء حوار حول قضايا العصر كما فعلت الشاعرة نازك الملائكة حين ناقشت مسألة الشعر الحر في كتابها “قضايا الشعر المعاصر”، وعبرت عن تطلعات أشواق الجماهير بشعرها الراقي الرصين مع عدد من رفاقها وشعراء عصرها؛ تمجيداً لرايات السلام والعدالة الإجتماعية، ونعود لمواصلة الإطلاع علي الفقرات المختارة من حوار الأستاذ حمد القاضي والشاعرة نازك الملائكة.

الفقرة الثالثة – حوار حمد القاضي ونازك الملائكة:

حمد القاضي: ﻗﻴﻞ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ ﺳﺆﺍﻟﻲ ﺃﻭﻻً: ﻫﻞ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻧﺎﺯﻙ ﺗﺒﺸﺮ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ؟
ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫﺓ ﺃﻧﻪ ﺃﺧﺮ ﺑﻤﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺣﻴﻦ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً ﻟﻠﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﺘﺸﺎﻋﺮﻳﻦ؟
نازك الملائكة: ﺃﻭﻻً ﺃﺗﻨﺎﻭﻝ الشق ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺳﺆﺍﻟﻚ ﻭﺟﻮﺍﺑﻪ ﻧﻌﻢ، ﻟﻢ ﺃﺯﻝ ﺃﺩﻋﻮ ﺑﺤﺮﺍﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﻭﻗﺪ ﺻﺪﺭﺕ ﻟﻲ ﻣﻨﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﺎﻥ ﺷﻌﺮﻳﺘﺎﻥ ﺟﺪﻳﺪﺗﺎﻥ، ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ‏«ﻟﻠﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ‏» ﺍﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ ﺑﺒﻴﺮﻭﺕ ﺳﻨﺔ 1978م، ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ‏«ﻳﻐﻴﺮ ﺃﻟﻮﺍﻧﻪ ﺍﻟﺒﺤﺮ‏» ﺍﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ ﺑﺒﻐﺪﺍﺩ ﺳﻨﺔ 1977م، ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻫﻲ «ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺎﻫﺔ»، ﻭﻗﺪ ﻧﻈﻤﺘﻬﺎ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻔﻜﺮﺓ ﺯﻭﺟﻲ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﺒﺪﺍﻟﻬﺎﺩﻱ ﻣﺤﺒﻮﺑﺔ، ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺎﻳﻘﻪ ﺃﻥ ﺷﻌﺮﻱ ﻛﻠﻪ ﺣﺮ، ﻓﺮﻏﺐ ﺇﻟﻲ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺃﻧﻈﻢ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺍﻟﺸﻄﺮﻳﻦ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺟﺪ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﻳﻄﺎﻭﻉ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﻳﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.

ﺛﻢ ﺃﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﺸﻖ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺳﺆﺍﻟﻚ ﺣﻮﻝ ﻣﺎ ﻳﻠﻮﺡ ﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﻗﺪ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻟﻠﻤﺘﺸﺎﻋﺮﻳﻦ، ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺭﺍﻩ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﺃﺻﻌﺐ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺍﻟﺸﻄﺮﻳﻦ ﺍﻟﺨﻠﻴﻠﻲ، ﻷﻥ ﺍﻷﺷﻄﺮ ﺍﻟﻤﺘﺴﺎﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﺴﻬﻞ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ، ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺘﺎﺩ ﺃﺫﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﺯﻥ ﻓﻴﻼﺯﻣﻬﺎ ﻭﻳﺮﺗﺎﺡ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺄ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﺘﻔﻌﻴﻼﺕ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻄﺮ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺮﺽ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻄﺄ ﻭﺯﻟﻞ ﻭﺳﻘﻮﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ ﻭﺍﻻﺑﺘﺬﺍﻝ، ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﻋﺮﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻗﺪ ﺍﺭﺗﺎﺣﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﻨﺎﻫﻢ ﺇﻳﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺘﺒﺎﺩﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﻫﻦ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻘﻠﺔ ﺍﻟﻌﺎﺭﻓﻴﻦ ﺑﺎﻟﻌﺮﻭﺽ ﻭﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻮﺯﻥ ﻭﺍﻟﺘﻘﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ.

ﺇﻥ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﻋﺮﻳﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﻸﻭﺍ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﻻ ﻳﺠﺪﻭﻥ ﺍﻟﻨﺎﻗﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﻬﻢ ﻭﻳﻨﺒﻬﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ، ﻭﻟﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻘﺎﺩ ﺣﺎﺳﺒﻮﺍ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﻭﺽ ﻟﺨﺎﻑ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺍﺿﻄﺮﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﻭﺗﺤﺎﺷﻲ ﺍﻟﺨﻄﺄ، ﻭﻻﺑﺪ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻷﺻﻴﻠﻴﻦ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﺷﻌﺮﻫﻢ ﺍﻟﺤﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻠﻂ ﻭﻛﻞ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻨﺎﻗﺪ ﺍﻟﻜﻒﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻨﻲ ﻻ ﺃﺣﺐ ﺃﻥ «ﺃﻃﻠﻖ‏» ﺍﻟﺘﻌﻤﻴﻢ ﻷﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻘﺎﺩﺍً ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﻌﺮﻭﺽ ﻭﻫﻢ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺳﺎﻛﺘﻮﻥ ﺳﻜﻮﺗﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﻋﻤﺎ ﻧﺰﻝ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﺷﻨﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻧﻨﻲ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻨﺎﻗﺪﺓ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻪ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﻭﺽ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺛﺎﺭﺕ ﻋﻠﻲ ﺛﺎﺋﺮﺗﻬﻢ ﻭﻫﺎﺟﻤﻮﻧﻲ ﺑﻌﺪ ﺻﺪﻭﺭ ﻛﺘﺎﺑﻲ «ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ‏» ﻋﺎﻡ 1962م.

أعتقد أن سكون وسكوت وتحفظ بعض النُقاد في ذلك العهد يعود بشكل أو بأخر لحالة الصدمة التي أحدثتها ثورة التجديد الشعري التي إعتبرها البعض “إبحار خارج محيط المألوف” خاصة مع تصاعد الغبار الكثيف المثار علي المسرح العام بشكل يحجب الرؤية ويبعث الريبة، وعليه فان اليقين النسبي تناقص عند البعض وأصبح كقطعة نقدية سحرية ملفوفة في ورق الشك، والحقيقة باتت مغلفة ببعض الظن، ورحاب الحيرة يتسع ويتمدد ويسيطر علي المدى، وفي مثل هذه الحالة الشائكة والمعقدة جداً يكون نقد قاعدة وقالب النص الشعري الجديد أمر تكتنفه الضبابية، وقد يتخذ البعض موقف الحياد أو الصمت حيال ظاهرة إجتماعية وثقافية معينة؛ حال تكاثف الضباب حولها؛ خوفاً من التورط في مأزق النص نفسه وكذلك الوقوف أمام محكمة التاريخ؛ وقد لا يجد المرء حينئذن إجابات منطقية لكل ما سبق، وهذا الصمت لا يمكن أن يكون درب مؤدي لسجر التجديد ولا يشبه المثقف الحركي التنويري والناقد المتبصر المناط به توصيف وتحليل الظواهر الثقافية والإجتماعية وإنتاج الروئ الواقعية للمجتمع؛ فهو خيار الضعفاء.

كما أن النقد النقضي الذي يحاول الإرتداد بعجلة الزمن إلي الوراء وإعاقة ثورة التجديد ومنعها من بلوغ قمة غاياتها ولا ينطلق أساساً من واقع الإنسان والكون ولا يخاطب روح العصر، لا ينتج إلا إظلام فكر وفراغ ثقافي، لكن ثمة إنسانة شاعرة ثائرة تحدثنا عن النقد التنويري والثورة التجديدية وثبة إلي فضاءا هذا الكون الفسيح؛ فقد عبرت الشاعرة نازك الملائكة في حوار التنوير مع الأستاذ حمد القاضي عن مسار مختلف وفكر ناصع التحرر يحاور العقول بمنطق، وثبات الشاعرة نازك الملائكة كان بمثابة الضغط علي محرك ماكينة مركبة الحركة الشعرية الجديدة والعبور السريع نحو العالمية، وفي هذا العصر نشاهد كيف أصبح للشعر الحر مكانة رفيعة تماثل الثورة التكنلوجية التي إجتاح صداها العالم أجمع، ونستطيع القول أن الشاعرة نازك الملائكة تحمل رسالة كونية مكتملة أودئتها المكتبات والمنابر الثقافية والإعلامية، وتلك رؤية إنسانية ممتدة ومتجددة ستبقى منارة للأجيال.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.