آخر الأخبار
The news is by your side.

نازك الملائكة – رؤية إنسانية متجددة (٢)

نازك الملائكة – رؤية إنسانية متجددة (٢)

بقلم: سعد محمد عبدالله

ولدت الشاعرة نازك صادق الملائكة في العام 1923م بمدينة بغداد التي تعتبر “قلعة الأدباء والناس الأنقياء” من والدان مبدعان لهما مساهمات واسعة وموثقة زانت رفوف المكتبات البغدادية وأبهجت عواصم الإستنارة حول العالم.

ومن هذا المناخ الأسري الثري بكنوز الشعر والعلوم الكونية خرجت نازك الملائكة للكُون إنسانة مكتملة الصورة وكانت نجمة في أبهى توهجها ترمق الأرض بنظرة ضوئية من سقف السماء، وقد سارت نازك علي درب الشعر تحيطها أكاليل وجواهر شعراء كبار خرجوا من عمائق شوارع بغداد كواكبً تمشي علي سطح الثرى باتزان وتتخير الأزهار لتهديها للنفوس النقية والعقول النيرة؛ وهم من أوائل بناة أعمدة الحركة الأدبية العراقية الممتدة عبر العصور علي سبيل المثال لا الحصر أذكر منهم من إذا ذكرت أسمائهم ذكر الجمال في أنقى تجلياته “أبو الطيب المتنبي وأحمد مطر ومحمود الرصافي” وكانت ملاك عصرنا نازك من سلالة هؤلاء الشعراء النافذيين والأفذاذ الذين طبعوا بصماتهم علي قلوب الملايين وصاروا رموزاً في تاريخ الشعر العراقي الراقي والرصين الذي ملاء الكون جمالاً.

درست نازك الملائكة عدد من اللغات الإنسانية المعروفة عالمياً كـ”العربية والإنجليزية واللاتينية والفرنسية”، ثم فتحت عقلها المبدع المتشبع بوميض العلوم في عصر النورانية باسطة نبضها المشحون بالجمال لتطرق أبواب بيوت الشعوب المحزونة؛ تحمل خبز الكلمة للجوعى وعلي زندها زهور السلام والمحبة تهديها لعيون الفقراء والكادحيين والمثقفيين المقهوريين في العالم وجميع الحالميين بعوالم جديدة تتحقق فيها قيم حرية الفكر والرأي وتُبسط العدالة لحماية حقوق وحريات وحياة الإنسان ويكون المسرح ينبوع الثقافة ومشكاة الإنسانية وجاش حلم السلام بخاطرها ومار بمشاعرها النبيلة وشد خيول كلماتها النيرة عبر السنوات لخوض صراع تحرير الكلمات وعقول المجتمعات.

وقد أخذت نازك الملائكة أقلامها لتخط شعرها الإنساني الحر علي أمواج “دجلة والفرات” وتنشد للسلام الحلو وتزيل قلق البشرية في عالم مضطرب تعمل مع رفاقها شعراء عصرها لتحسينه بكفاح كلمات تزرع الأمل وتبعث رياح التفاؤل في نفوس الناس، والكلمة سلاح الشعرء أسن من السيف، وكم من دكتاتور سقط بأبيات شعرية، وكم من فكرة نيرة صاغها الشعراء بقصائدهم وغيرت العالم.

كتبت نازك الملائكة مجموعة كبيرة من الجواهر الشعرية منها “عاشقة الليل، وشظايا ورماد، شجرة القمر، ومأساة الحياة وأغنية للإنسان، والصلاة والثورة”؛ هذا إضافة لسلسلة مؤلفات تحمل في طياتها أرجوان الفكر البديع والرائع من بينها علي سبيل المثال “قضايا الشعر الحديث، وسايكلوجية الشعر، والصومعة والشرفة الحمراء”.

وكانت لنازك الملائكة مشاركات تثاقفية وتنويرية عبر عدة ندوات ومحاضرات ومنتديات بعدد من الجامعات والمراكز الثقافية حول الشعر الحديث وقضايا المرأة والتحرر الفكري، وعرفتها الكثير من عواصم العالم خاصة بغداد والقاهرة وغيرها، وكانت منجزاتها الشعرية مصدر إلهام للثوار الذين واجهوا الإستبداد في بلدانهم بقلوب تشتاق للسلام والديمقراطية والمساواة.

وأصبح شعر نازك الملائكة منتشراً لمخاطبته روح العصر وأشواق جيل جديد آخذ في الخروج من ظلمات عصره ناهضاً من نكبات التاريخ وعابراً حدود الزمكان مصمماً علي تحدي صروف الظروف ومصوباً أنظاره نحو المستقبل الذاهي والباهي والمزدهر الذي تبلور في أذهانهم المشرئبة إلي فضاءات الأدب الراقي والموسيقى والمعارف الإنسانية المشرقة وجميعهم وجدوا ما يتطلعون إليه في بحور طيف واسع من الشعراء خاصة الشاعرة نازك الملائكية التي عبر شعرها خلايا القلوب.

توفيت الشاعرة المبدعة، والإنسانة الإنسانية نازك الملائكة في العام 2007م بعد عمر طويل حافل بالعطاء ناهز الــ(83)، وقد رافقتها بكائيات رفاقها ودموع نثرها المخلصيين للإنسانية وكان الجميع واقفاً؛ لا جلوس أبداً في ساعة وداعها، فجموع الجماهير والمثقفيين والثوار الأحرار من كافة دول العالم أصيبوا بالصدمة وساد الحزن علي تلك العواصم، وما زلت أذكر ذلك اليوم الحزين الذي قضيته بين شوارع الخرطوم ومقاهيها أتجاذب الأحاديث مع الأصحاب تارة وآخرى أطالع أخبار العالم من الصحف وشاشات التلفاز متحسراً علي فقد العالم والإنسانية جمعاً.

وأذكر أن ذلك اليوم كان من أطول أيام حياتي، وتطابق المشهد مع صورة يوم رحيل الرفيق جون قرنق في العام 2005م، وهو رائد التنظير لرؤية السودان الجديد، وكان القلق يساورني ويدق سؤال جدوى الحياة أبواب عقلي دون أن أدرك منطلقاته داخلي رغم إداركي أن الفقيدة تحمل رسالة إنسانية خالدة تمجد الحياة وتدعو للعقلانية وسلام النفس وتحرير القلوب من محابس الخوف؛ كنت أسأل نفسي ذات السؤال لفترة طويلة، ومؤخراً حاولت إيجاد إجابة؛ ربما تكون منطقية لحدً ما، وأعتقد أن الموت حالة إنتقال للروح من مكان لآخر، ولا يعني ذلك بأي حال إنت

ال رؤية الراحل؛ فالجسد فان والفكر باقٍ، ونازك واحدة من النيازك الباقية في فضاءات عقول الناس، وعليه فان الذكريات الجميلة آنذاك طغت علي تفكيري وغيرت نظرتي للحياة والكون، وبت أتذكر شعر نازك الملائكة باستمرار وأستبصر الحياة بعين قصيدة حرة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.