آخر الأخبار
The news is by your side.

ميم راء حقيقي وليس اسطورة … بقلم: جعفر عباس

ميم راء حقيقي وليس اسطورة … بقلم: جعفر عباس

ظل طلاب جامعة الخرطوم يتداولون سيرة م. ر. على مدى سنوات طويلة وينسبون اليه أشياء بعضها حقيقي وبعضها مفبرك، وكان ميم راء هذا طالبا عجيبا بوهيميا يعيش بلا فرامل أي يفعل ما يحلو له، ففي زمان لم يكن فيه تعاطي حشيش البنقو معروفا في أوساط الطلاب كان ميم راء حشاشا محترفا.

وهو الذي أشان الى سمعتي حين غضبت عليه عندما رسب في الامتحان نصف السنوي، وهجمت على خزانة ملابسه وصادرت كل ما فيها من بنقو وعندما عاد الى غرفته في ساعة متأخرة من الليل واخبره زملاؤه في السكن انني صادرت البنقو وقف في نحو الـ3 فجرا تحت نافذة غرفتي التي كانت في الطابق العلوي وصار يصيح: جعفر وين البنقو؟

كنت أعرفه جيدا وأحبه كثيرا واعتبر نفسي وصيا عليه، وكان يحترمني كثيرا ولكنه وبسلوكه الفالت كان يحرجني كثيرا، ورغم انه كان في معظم الامسيات سكرانا او مسطولا إلا أنه كان حلو الحديث مع الطلاب عموما ولكن كانت بينه وبين الكيزان عداوة شديدة- لا يطيقهم ولا يطيقونه، مع انه كان بلا مبدأ او انتماء سياسي.

ومع هذا كان يخطرف بأقوال مثل: لازم الانسان يكون عنده موقف سياسي، يا مع الشمال يا مع الجنوب (يقصد اليمين واليسار)، في ذات عام كان زميلي في السكن طالبا هادئا ومهذبا من أبناء جبال النوبة، كان يقضي الكثير من الوقت في مكان المصلى قرب داخلية القاش، التي كانت مركزا للكيزان، وبالتالي كان الكثيرون، وأنا منهم نحسب انه كوز، وذات مساء جاء ميم راء الى غرفتي وهو سكران طينة وزميلي ذاك نائم، وصار يصيح بأعلى صوته: كيف تخلي كوز يسكن معاك؟ الزول دا يطلع من هنا فورا .. ولما ارتفع صراخه رفع زميلي رأسه وقال: والله أنا ما كوز، فعفا عنه ميم راء قائلا: لو كدا نوم مطمئن.

وكان سبهلليا جدا في كل شيء، فقد نشأ في اسرة هي الفقر بعينه ولم يكن والده يعرف شيئا عن مسيرته التعليمية، ولكنه ورغم استهتاره الاكاديمي كان حاد الذكاء، ويستوعب دروسا يقضي غيره خمس ساعات لاستيعابها في ساعتين مثلا، وأخفق في سنتة الأولى في كلية الآداب بالرسوب في جميع المواد ولجأت الى العميد عبد الله الطيب وشرحت له ظروفه فسمح له بإعادة السنة مقيما في السكن الجامعي، ولم يرسب بعدها قط.

وهو في مدرسة (*****) الثانوية كان عائدا الى السكن الداخلي ليلا عبر حي عشوائي جميع بيوته من القش، عندما رأى تجمعا يشي بأن هناك فرحا فقد كان المكان مضاء بالرتينة، وبدون سابق خطة قال لبعض الصبية: امشو قولوا لأهل العرس الفنان وصل، وخلال دقائق كانوا قد اجلسوه في قطية حيث قال لهم انه لا يغني الا بعد ان يتناول العشاء فأتوه بأكل دسم كثير اللحم، وبعد ضغوط كثيرة كي يبدأ الغناء وهو يتعلل بأن “الفرقة” قادمة، جلس في واجهة جمهور الحفل وطلب طبلا “دلوكة” وجلس ينقر عليها وهو يفكر في طريقة للمخارجة، ثم رأى بطرف عينيه سيارة تاكسي تتوقف قرب مكان الحفل وينزل منها شباب يحملون آلات موسيقية، وبلا تردد رمى الدلوكة على الرتينة التي انفجرت وعلا الصراخ، وانسل هاربا بين بيوت القش حتى (وهو من حكى لي التفاصيل) وجد نفسه داخل قطية مضاءة بلمبة جاز صغيرة وفيها رجل وزوجته وكلاهما متقدم في السن وقال لهما: اسكتوا وإلا … وجلس معهما قرابة ساعة حتى اختفت أصوات من كانوا يطاردونه ثم تسلل عائدا الى المدرسة حيث مسكنه.

ما جعل الناس يصدقون انه المطرب انه كان دائما في كامل اناقته، وخلال المرحلة الجامعية كانت تلك الاناقة على حساب زملائه: يدخل غرفتك ويختار قميصا جميلا وبعد يوم او اثنين يخلع القميص في غرفة طالب آخر يتناول منه قميصا آخر (غالبا دون إذن من أحد)، ويبرر ذلك بأنه “اشتراكي”، ونال البكالريوس وفاز بوظيفة طيبة وحسبت انه سيصبح “مسؤولا وناضجا” بعد الوظيفة الموكلة اليه خارج العاصمة.

وبعدها بنحو سنة سمعت انه في الخرطوم وانه يعتزم الزواج بامرأة تبيع الخمور البلدية (العرقي) تكبره سنا، وبحثت عنه حتى التقيته وسألته عن حقيقة الأمر، فلم ينكره بل برره بأنها ست مبسوطة عندها بيت ملك في المنطقة الفلانية وشاحنة لوري تعمل بين الخرطوم والأقاليم، واستدرجته حتى عرفت منه اين تقيم تلك السيدة، وذهبت اليها وقلت لها ان فلان الذي يريد الزواج منها “داخل على طمع” فهاجت وانقلبت الى وحش واتهمتني بأنني اريد فركشة الزيجة، فتمالكت وحدثتها عن بيتها الذي في المنطقة الفلانية وعن اللوري، وعندها فقط صدقتني وشكرتني وانصرفت.

وفي مساء نفس اليوم جاءني ميم راء في بيتي في الشعبية- بحري وعلى وجهه كدمات وقال ان الوصف الذي قدمته عروس الغفلة عن الشخص الذي كشف أوراقه ينطبق علي، فلم أنكر ذلك، فغضب وقال انها اعتدت عليه بالضرب عندما استدرجته لمقابلتها، ثم سألني: كيف تنحاز لست عرقي وتتخلى عن صديقك؟ فقلت له: لأنها أشرف منك بعض الشيء، وبعدها لم أره قط ولكنني ما زلت أحبه.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.