آخر الأخبار
The news is by your side.

ميدوسا الملعونة و المخارج الدستورية (3_3) بقلم: أمجد هاشم

ميدوسا الملعونة و المخارج الدستورية (3_3) بقلم: أمجد هاشم

غالباً يُقر الجميع بأن قوات الدعم السريع هي الماسورة الأكبر و القنبلة الأخطر التي تركها لنا المخلوع (لا بارك الله فيه)، مع ذلك تتباين الرؤى حول الطريقة الأمثل في التعامل مع هذه القوات فبقائها بشكلها الحالي الذي يسيطر فيه شخص منفرد بمساعدة أسرته الصغيرة على قوة عسكرية ضاربة ترتبط بعلاقات خارجية مشبوهة و تتدخل في نزاعات إقليمية مُستَعِرَة بكلٍ من اليمن و ليبيا لصالح قوى إقليمية و دولية بعينها هو وضع شاذ و غير موجود في أي مكان في العالم و إستمرار هذا الوضع هو أكبر مهدد للسلم المجتمعي و التحول الديمقراطي المستدام خصوصاً و قد أبدى قائد هذه الميليشيا في عدة مناسبات طموحاً سياسياً لا يخفى على المتابع و هو ما يجعل مقترحات العدالة الترميمية و الخروج الآمن التي طرحها بعض الفاعلين المحليين و الدوليين غير مجدية، فالرجل مُصِر على تخريب الفترة الإنتقالية و التوسع في التجنيد و التسليح بالتعاون مع الروس الطامعين في ثروات السودان المعدنية و الذين ما فتؤا يعطلون مشاريع القرارات الأممية الداعمة للتحول الديمقراطي في السودان و يلقون بكل ثقلهم الدولي لدعم و حماية محمد حمدان دقلو كي يلعب دوراً سياسياً أكبر في المرحلة القادمة، و هو المخطط الذي كشفت إدارة الفيس بوك الشِق الدعائي منه عندما أعلنت إلغائها لعدد كبير من المواقع الإلكترونية التي تستهدف الرأي العام السوداني تديرها وكالة أبحاث الإنترنت الروسية بغرض تلميع الدعم السريع و التحريض على الحكومة المدنية بنشر الأخبار الكاذبة عنها.

وهي بالمناسبة نفس الوكالة المتهمة بالتدخل في الإنتخابات الأمريكية و التأثير على الناخبين الأمريكيين لصالح ترامب في 2016، فبوتين يعمل على نهب موارد أفريقيا و تعزيز مخزوناته الإحتياطية من الذهب كهدف إستراتيجي من ناحية و تحويل القارة السمراء إلى مكب للأسلحة الروسية من ناحية أخرى عبر تثبيت أنظمة ديكتاتورية موالية لموسكو، و هو المخطط الذي نجح في أفريقيا الوسطى المجاورة للسودان، فرئيس أفريقيا الوسطى (فوستين تواديرا) بعد فوزه مؤخراً بالإنتخابات المشكوك في نزاهتها باتت تحميه حالياً الدبابات الروسية مقابل السماح لموسكو بالسيطرة على إحتياطات الماس و الذهب في واحدة من أفقر بلدان العالم.

و يبدو أن السودان بالنسبة لروسيا هو الكوريدور الوحيد إلى عدد كبير من الدول الإفريقية المغلقة جنوب الصحراء، حميدتي من ناحيته سيكون مجبراً على تسليم رقبته و رقبة السودان معه إلى روسيا في حال إستتبت له مقاليد السلطة و أصبح المتنفذ الوحيد في الدولة السودانية و هو ما سيعيد السودان إلى عهود العزلة الدولية مرة أخرى، فروسيا هي الخيار الوحيد المتاح أمام قائد الدعم السريع لتحقيق طموحاته السياسية بعد أن حاول من قبل تسويق نفسه و تحسين صورته في أمريكا بناءاً على نصائح حلفائه الخليجيين عبر شركة كندية متخصصة في هذا المجال دفع لها ملايين الدولارات مقابل وعود بأن توجَّه له دعوة رسمية لزيارة أمريكا و مقابلة ترامب في البيت الأبيض، و لكن هذه الشركة فشلت في تسويقه غربياً كما فعلت من قبل مع الجنرال خليفة حفتر في ليبيا بسبب إرتباط إسم حميدتي بميليشيات الجنجويد سيئة السمعة و هو ما جعل في حكم المستحيل أن يقبل أي سياسي في أي دولة ديمقراطية بلقاء قائد الجنجويد و المجازفة بتلويث مستقبله السياسي للأبد بسبب هذا اللقاء.

في رأيي إذا إقتنعنا أن المطامع الروسية و الخليجية في السودان مرتبطة عضوياً بِتصاعد النفوذ السياسي و الإقتصادي لحميدتي حينها سنفهم أسباب إحجام هذه الدول عن دعم المرحلة الإنتقالية و ربما عرقلتها و سندرك أن معركتنا من أجل التحول الديمقراطي المدني ليست مع قادة الجيش و الدعم السريع لوحدهم و لكنها أيضاً مع قوى إقليمية و دولية لا يُستهان بها، و هي معركة مصيرية و حتمية حتى و إن تأجلت و على قوى المجتمع المدني الحريصة على بناء سودان ديمقراطي أن تنخرط فيها بكل الوسائل المتاحة بما فيها الوسائل القانونية و الدستورية التي تشمل خيارات متعددة منها رفع دعاوى قضائية أمام المحكمة الدستورية ضد قوات الدعم السريع التي تخالف قانونها على عِلاته في عدة بنود منها مثلاً مسألة الجمع بين قيادة القوات و تقلد المناصب الدستورية، و هنا يُطرح السؤال على القانونيين هل النظام العدلي السوداني بوضعه الحالي مهيأ للتعامل مع هذا النوع من القضايا الدستورية؟

الخيار الثاني هو خيار الهيئة التشريعية فقانون قوات الدعم السريع نفسه الذي يسمح لها بممارسة سلطات الإعتقال و التحفظ يتعارض مع الوثيقة الدستورية في البنود المتعلقة بالحريات الأساسية و سيادة حكم القانون، كما أن إحتفاظ الدعم السريع بوحدة إستخباراتية يُمَّكن حميدتي من إستخدامها كأداة باطشة ضد خصومه السياسيين المحتملين في أي إنتخابات مقبلة و هو ما يتطلب تعديل قانون الدعم السريع كي يتوافق مع المبادئ الدستورية.

ان إتباع المسار القانوني و الدستوري كفيل بتقليم أظافر ميليشيات الدعم السريع إلى حين و محاصرة طموحات قائدها السياسية، و لكن نجاح هذا المسار يتطلب إحداث زخم شعبي و تفاعل دولي حوله و تخليق وعي عام يتجاوز التحيزات المناطقية التي يراهن عليها حميدتي بإدعاء تمثيله للهامش و هي فِريَة مرت على الكثيرين الذين تناسوا أن حميدتي طوال تاريخه كان أداة من أدوات المركز الباطشة و أنه في مرحلة لاحقة صار يلعب منفرداً لخدمة مصالحه و مصالح عائلته عبر أنشطته الإقتصادية الطفيلية التي تضرر منها الهامش اكثر من غيره، و أكبر مثال على ذلك هو تنسيق حميدتي مع عصابات فاغنر الروسية للهيمنة على قطاع التعدين في بعض المناطق الطرفية عبر واجهات إستثمارية منها شركة ميرو-قولد التي فُرِضَت عليها عقوبات من الإدارة الأمريكية مؤخراً بناءا على معلومات إستخباراتية، الأمر الذي يفسر لنا لهفة الروس على إنشاء قواعد عسكرية في السودان لتأمين و تسهيل نهب المعادن السودانية و في أسوأ السيناريوهات إستخدام هذه القواعد للتدخل المباشر و دعم الأطراف الموالية كما حدث في سوريا و ليبيا اللتان أَخَّلَت فيهما روسيا بموازين القوى المحلية عبر عمليات عسكرية إنطلقت من قواعدها المنتشرة في حماة و حميميم و طرطوس في سوريا، سرت و الجفرة بصفة غير رسمية في ليبيا، و هو ما يلفت إنتباهنا إلى أنه في حال نجح المخطط الروسي في تمكين حميدتي فإن القادم أسوأ فيما يلي إهدار و نهب الموارد المعدنية الناضبة و الإضرار بالبيئة في المناطق المهمشة فمرتزقة فاغنر بدأوا فعلياً في التموضع إستراتيجياً و التوافد إلى مناطق مثل أم دافوق و حفرة النحاس في معية ميليشيات الدعم السريع و بإستخدام طائرات رئاسية و مهابط تابعة للجيش السوداني بتنسيق من حميدتي شخصياً و سرعان ما ستنشط مشاريع الإحلال و الإبدال السكاني في دارفور و جنوب كردفان، فالمعروف أن هذه المناطق في غرب السودان تذخر بتسعة و تسعين نوع من المعادن من بينها اليورانيوم و بكميات قياسية و هو ما يفتح شهية الروس و الجنجويد للإستحواذ عليها.

إن ما يثير الإستغراب قليلاً في ظل هذه الحيثيات هو تنامي شعبية الدعم السريع وسط قطاعات كبيرة من مثقفي الهامش برغم كل الإنتهاكات التي إرتكبها و مازال يرتكبها الجنجويد ضد الإنسان و البيئة في دارفور و جنوب كردفان، و لكن للأمانة علينا الإعتراف أن هذه الشعبية لم تأت من فراغ فهي رد فعل مبرر و نتاج طبيعي لغياب الدولة تنموياً في هذه المناطق و تراخي الجيش السوداني بعد الثورة في اجراء الاصلاحات اللازمة لاستعادة قوميته و تغيير عقيدته القتالية كي تتحول من حماية الطغاة و تقويض النظام الدستوري إلى حماية الدستور و المواطن بغض النظر عن إنتماءه المناطقي أو الاثني و هي إصلاحات واجبة و ضرورية و التراخي في إجرائها منح حميدتي المشروعية لخلق استقطاب إثني و مناطقي أكبر حول قواته و تسويق ضرورة بقائها لإحداث توازن عسكري مع جيش (الجلابة).

و هنا يبرز سؤال المليون هل إصلاح الجيش السوداني ليصبح جيش كل السودانيين هو أمر واقعي و ممكن؟ و ما هي آليات هذا الإصلاح فالوثيقة الدستورية اشارت بإقتضاب الى إصلاح الأجهزة الامنية و لكنها لم تُشرك المدنيين في هذه العملية و تركت للجيش منفرداً مهمة الشروع فيها ذاتياً!!!!

الأخبار الجيدة هي أن الوثيقة نفسها فتحت الباب بطريقة غير مباشرة و وفرت الآليات الدستورية لإجراء هذه الإصلاحات بمشاركة المدنيين عبر المؤتمر الدستوري الذي سيشارك فيه جميع السودانيين تحت إشراف و رقابة أممية أوكلت مهامها إلى بعثة الأمم المتحدة السياسية المستحدثة تحت الفصل السادس (يونتاميس) برئاسة البروفيسور فولكر بيرثيز المدير السابق للمعهد الألماني للشؤون الدولية و الأمنية و الذي تتلخص مهامه في تقديم المساعدات الفنية و اللوجستية اللازمة لصناعة الدستور، علماً بأن تفعيل قانون الكونغرس الأمريكي لحماية الديمقراطية و الحكم المدني ضد كل من يعرقل التحول الديمقراطي في السودان سيتم بناءاً على تقارير هذه البعثة الأممية و هو ما سيشكل عامل ردع لأطماع العساكر و الجنجويد السلطوية.

إن المؤتمر الدستوري هو الفرصة الوحيدة المتبقية لمعالجة القضايا التي أخفقت الوثيقة الدستورية في حسمها بسبب منهج التسويات الذي إضطرت القوى الثورية على الدخول فيه بحكم الظروف التي أحاطت بعملية التغيير، و أهم هذه القضايا المؤجلة هي التأسيس لدولة مدنية كاملة الدسم لا مكان فيها للميليشيات المسلحة، دولة يحميها جيش واحد فقط، جيش قومي بحق و حقيقة يخضع بالكامل فيما يلي قوانينه و مهامه و ميزانياته و صناعاته الدفاعية لسلطة المؤسسات المدنية المنتخبة و المسؤولة أمام الناخب السوداني الذي سيحاسبها على تفريطها في حماية المواطن و الدستور إذا حدث، مع ضرورة الإستفادة القصوى من الفرص التي تتيحها الشراكة الإستراتيجية مع القيادة العسكرية الأمريكية في افريقيا (أفريكوم) التي أبدت إستعدادها للمساهمة في بناء و تدريب و تسليح جيش سوداني مهني و محترف، فأمريكا و مؤسساتها الداعمة للحكم المدني لديها مصالحها و هواجسها في المنطقة و السودان بموقعه الجيوإستيراتيجي المميز و بحسب التصريحات الصادرة من قادة الأفريكوم يصلح كمنصة لرصد و تحجيم الجماعات الإرهابية النشطة في غرب أفريقيا (بوكو حرام) و في الصومال (حركة الشباب الإسلامية) و تأمين الملاحة في البحر الأحمر و مضيق باب المندب من عمليات القرصنة، كما يهم الأمريكيين أن لا يتحول السودان إلى مرتع لروسيا عدوهم التقليدي الأول.

أما بالنسبة للسودان فإن مصلحته تستوجب توطيد علاقته مع أمريكا خصوصا في هذه الفترة الإنتقالية الحساسة فالولايات المتحدة هي الدولة الأقدر على حماية السودان من روسيا و أذناب روسيا في الداخل و هي الدولة الأكثر حزماً في تحييد القوى الإقليمية و تدخلاتها السالبة في المشهد السياسي السوداني و الدولة الأكثر عزماً في تأمين و ضمان التحول المدني الديمقراطي المستدام بنهاية الفترة الإنتقالية (A WIN-WIN SITUATION).

#حل_الدعم_السريع

#إصلاح_المؤسسات_الأمنية

#إعادة_تأهيل_الجيش

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.