آخر الأخبار
The news is by your side.

مهام السلطة الانتقالية ذات الأولوية القصوى

مهام السلطة الانتقالية ذات الأولوية القصوى

بقلم: روبرت وليم اسكندر

مهام هذه السلطة سواء كانت المجلس العسكري الانتقالي، أو المجلس الانتقالي المدني العسكري، أو المجلس السيادي المدني، هي مهام تمس حياة المواطنين، وتشفي صدور الثوار، وتعيد للشعب ثرواته المنهوبة، على الأقل داخلياً. وهي بالتحديد:

محاسبة النظام البائد على الجرائم الكبرى التي ارتكبها في حق الوطن والدين. وعلى ضوء هذه المحاسبة بالعدالة الانتقالية تُجرى الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والسياسية في هيكل الدولة ونظام المجتمع.

الجرائم الكبرى العشر:
تسبب النظام بسياساته وقوانينه الإسلاموية (الإسلامية المزيفة) في أن يختار الجنوبيون خيار الانفصال دون خيار الوحدة، وسعدت الحركة الإسلاموية وواجهتها السياسية المؤتمر الوطني بهذا الخيار لأنه يتيح لها الانفراد بالشمال لممارسة قمعه بالسياسات والقوانين المنسوبة للإسلام والمشوهة للإسلام.

الإبادة الجماعية في دارفور والثابتة بالمحكمة الجنائية الدولية مما يزيل عاره عن وجه السودان بمحاكمة رؤوس الجناة داخلياً في السودان.

تدبير علي عثمان محمد طه المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في إثيوبيا على يد إرهابيين مصريين من الأخوان المسلمين ثم تصفيتهم هم أنفسهم بالسودان بعد فشل المحاولة (شهادة د. حسن عبد الله الترابي في برنامج شاهد على العصر بقناة الجزيرة).

الفساد المالي والإداري واستغلال النفوذ الذي قادته رموز النظام فأفسدت به الدولة والمجتمع، مما خرّب الاقتصاد الوطني.

تمكين رموز النظام وأقاربهم والمحسوبين عليهم من الاستحواذ على المناصب والوظائف في مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع، وشركاته ومجالس إداراته، مما أفرز اتساعاً في نسبة البطالة خاصةً بين الخريجين، وشجع على هجرة الكفاءات خارج البلاد.

قتل المتظاهرين السلميين في عام 2013م وعام 2019م، وإصابتهم واعتقالهم، بجانب اعتقال السياسيين ونشطاء المجتمع والإعلاميين الأحرار، وتعذيبهم ومحاكمتهم تعسفياً.
إرهاب المتظاهرين والمحتجين السلميين بتهديدهم بكتائب الظل والأمن الشعبي.

مصادرة الحريات بالقوانين المقيدة للحريات، وتقديم الحلول الأمنية على الحلول السياسية والاقتصادية.

ضحايا (الصالح العام) والمفصولين تعسفياً من الكفاءات بغير وجه حق.

تحويل الدولة والمجتمع إلى ملك خاص للتنظيم الحاكم يمارس عليه الإرهاب والفساد وضياع الحقوق كما يشاء.

الجرائم في حق الدين:
قابل أئمة المساجد والدعاة المجلس العسكري الانتقالي ربما يشكون له من خطر العلمانية وانزلاق البلاد إلى التفريط في (دينها). ونقول لهؤلاء: أين كنتم حينما كان النظام يقتل المتظاهرين السلميين، ليس دفاعاً عن النفس وإنما قتلاً متعمداً وذريعاً؟ ما حكم من يقتل مؤمناً متعمداً؟ أليس جزاؤه جهنم خالداً فيها؟ ألم يغضب الله عليه ويلعنه، ودونكم كتاب الله (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً). لماذا يا أئمة المساجد والدعاة لم تقولوا كلام الله في وقتها عن ذلك النظام المجرم دينياً؟ ثم ما رأيكم فيمن يأكل أموال الدولة والشعب بالباطل ويفسد مالياً وإدارياً ويستغل النفوذ؟ لماذا لم تدينوا النظام على فساده بنصوص القرآن الكريم (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) أم أنكم رضيتم بموقع الشيطان الأخرس؟

ألم يشوه هذا النظام الشريعة حينما أباح القروض الربوية الخارجية والمعاملة المشبوهة ربوياً داخلياً (المرابحة)؟ ألم يشوه الشريعة حينما أباح الترشح لرئاسة الجمهورية للنساء؟ من أين له في الشريعة الولاية الكبرى للنساء؟ نحن نعلم أن ذلك ممكن مع تطوير الشريعة الذي يرفضه أئمة المساجد والدعاة؟ أليس تشويه الشريعة والدين يعتبر صداً عن سبيل الله (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً)؟ أما المعتصمون فهؤلاء على دين ما داموا قد ثاروا على السلطان الجائر (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام. وما داموا مسالمين لم يرفعوا سلاحاً، وإنما رفعوا أصواتهم. وقد ضربوا المثل الأعلى في أخلاقيات الدين حيث لم تسجل حادثة واحدة من سرقة أو تحرش جنسي بساحة الاعتصام أمام القيادة العامة وقد بلغ المعتصمون الملايين، علاوةً على التكافل الاجتماعي ومحو الفوارق العنصرية والدينية والطبقية؟ لماذا لم تشيدوا بهذا السلوك الديني للمعتصمين.

المستقبل لدين الله تعالى لا لدين أدعياء الدين بلا دين.

إن هذا الشباب، من فتيان وفتيات، على دين، ومن بيوت دين، ولكنه دين ما قبل النظام المباد، حيث حافظ هذا الشعب على تراثه الديني الصحيح، وهو تراث صوفي عند الأغلبية الغالبة من المسلمين السودانيين، قبل أن تدخل عليه الموجات الإسلاموية من خارج الحدود، فتفسر قشرته الخارجية دون لبابه، ظل على أخلاق الصوفية الذين هم على السنة النبوية يتبعون قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) ولا يتبعون الهوس الديني الذي يشتغل بدين غيره، ويستحل أموالهم بالباطل، وتتولد منه الجماعات المتطرفة عقائدياً والإرهابية فكرياً وعملياً.

نحن كنا على دين قبل مجيء حكم الحركة الإسلامية وسنظل على دين بعد انقشاع ليلها البهيم، بل سينصلح حالنا أكثر بعد أفول شمس أدعياء الدين وعلماء السلطان الذين قال عنهم نبينا (ص): (علماؤكم شر من تحت أديم السماء منهم تخرج الفتنة وفيهم تعود)… إن كان عندكم مسكة من دين فأيدوا الثورة على نظام فاسد زيّف الدين وأكل الدنيا باسم الدين.

لا بد من محاسبة رموز النظام على هذه الجرائم الكبرى في حق الوطن والمواطن. أما الجرائم الأخرى في حق الدين فيحاسب عليها الرأي العام السوداني، الأصيل التدين، وهي معاصي كبرى لا يمكن السكوت عليها ممن له ذرة من دين:

أولاً: الفساد في الأرض (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)… أو (ولا تعثوا في الأرض مفسدين).

ثانياً: قتل النفس التي حرم الله (من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً).

ثالثاً: تشويه صورة الإسلام الناصعة في وجه المسلمين والعالمين، مما يحسب صداً عن سبيل الله (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً).
لا بد من إظهار باطل هذه الجماعة من خلال الدين نفسه، كما ظلت تضلل الناس باسم الدين، وترفع شعاراتها الكاذبة وتنسبها للدين. ولا يكفي ذلك فلا بد من تقديم الصورة الحقيقة للإسلام الذي شوهوه وسعوا لينفروا عنه. وذلك بوضع ممارساتهم الخارجة عن الشريعة والدين عند عتبة دارهم، وتبرئه الإسلام من صنائعهم وسوء فعالهم. وهذا يقتضي عملاً ثقافياً واسعاً في الإصلاح والتصحيح.

هذا النظام اختطف الدولة والمجتمع وأخذهما رهائن عنده لثلاثين عاماً، مما تعتبر الثورة عليه عملاً وطنياً في القمة ليس أقل من استقلالنا من الاستعمار الذي دام ستين عاماً، أي أننا كنا مستعمرين من أبناء جلدتنا لنصف مدة الاستعمار الأجنبي، كما هو عمل يدخل في أوثق القربات إلى الله جلّ وعلا، وهو يزيل ما علق بوجه الدين من سوءاتهم المنكرة.

أيها الشباب الثائر المعتصم في القيادة العامة، لقد ضربتم لهذه الجماعة المارقة مثلاً أعلى في الأدبيات والأخلاقيات لا يعرفونه ولا يحلمون به، فلم تُسجَّل عليكم حادثة واحدة في سرقة الأموال أو التحرش بالعروض، كما ضربتم مثلاً أعلى آخر في التكافل الاجتماعي والأمن الجماعي، ومزقتم الفوارق العنصرية والدينية والنوعية والطبقية التي غذاها النظام، فصرتم نموذجاً مصغراً للمساواة في حقوق المواطنة.

لقد صار من أولويات الفترة الانتقالية، تحت أي تشكيل سياسي كان، أن تحظر هذه الجماعة الإرهابية، كحركة وتنظيم وأذرع وواجهات لا تخفى على أحد، حظراً مؤبداً، وأن يعتبر وجودها لثلاثة عقود كالطفح الجلدي في جسم هذه الأمة، وقد عافاه الله تعالى منه بهذه الثورة الفريدة التي أخذت تعلم الشعوب، وتخيف جبابرة الأرض. وفي الأرض تتزامن معها أكثر من ثورة: في فرنسا، والجزائر، لكنها لم تنجز ما أنجزته الثورة السودانية من تحقيق المطالب بقوة الشكيمة أو صلابة التصميم التي شلت القوات المضادة وكسبت إلى صفها القوات المسلحة، المؤسسة القومية التي عرفت بانحيازها للشعب في حوالك الظروف. ولا بد أن تبرهن هذه القوات على زهدها في السلطة باكتفائها بوزارة الدفاع في السلطة الانتقالية تمارس من خلالها اختصاصها الأساسي في حماية تراب الوطن وتأمين استقرار البلاد.

أخاطب الفريق عبد الفتاح البرهان: أنت كرئيس للمجلس العسكري الانتقالي الأكثر استجابةً للمطالب الشعبية لهذه الثورة، وأمامك فرصة تاريخية للخروج من الفتنة التي يتمناها أعداء الوطن وسدنة النظام المباد. والنجاة تكمن دائماً في الحل التوافقي الوسطي الذي يُرضي كل الأطراف، وأنت تعلم هذا الحل. فكما قامت القوات المسلحة بحقن الدماء وتجنب المجزرة أمام القيادة العامة، عليها أن تكمل فضلها بحل الإشكالية الماثلة بالعبقرية السودانية الفذة المعهودة في أمثالكم.

والله المستعان ،

المرشح القومي المستقل لرئاسة الجمهورية

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.