آخر الأخبار
The news is by your side.

من ذاكرة الفكر … مقدمة ديودان نحن والردى “3”

من ذاكرة الفكر … مقدمة ديودان نحن والردى “3”

اعداد: شهاب الدين عبدالرازق

مقدمة ديوان نحن والردى لـ صلاح احمد ابراهيم، والتي كتبها البروفيسير عبدالله الطيب عليهما الرحمة، نقدمها لكم في حلقات.

وكلمة ضوع في قوله “مثلما ضوع في فى الأهوال صبرا” قد تلمس فيها فتجده معنى ضَوَّع الذى للطيب وللبخور ومعنى ضَوَّأ بتشديد الواو الذى من الضوء بقلب الهمزة عينا على اللهجة  الشائعة في كثير من كلام أهلنا.

الافتتان في قوله :

فلئن كنت كما أنت عَبِقْ

فاحتَرِقْ

قمَّة في حسن التعبير وإصابة عين الثور Bull’s eye كما يقال بالإنجليزية من أساليب الطفرة التعبيرية. وتوضيح ذلك أن البخور تزكو رائحته بالاحتراق كما هو معلوم، وكما أشار إليه حبيب بن أوس (أبو تمام) في قولته المشهورة:

وإذا أراد الله نشْر فَضِيلة

طُوِيَتْ أتَاحَ لَهَا لِسَانُ حَسُّودِ

لَوْلا اشْتِعَالُ النارِ فِيْمَا جَاوَرَتْ

ما كَانَ يُعْرَف طِيبُ عَرْفِ العُودِ

فالشاعر هنا يقول للمجاهد المناضل الصابر المخلص الحسن الأعمال ” أنت عطر فائح الطيب بعملك الطيب ولكن ذكاء عطرك يفوح حقّاً حين يحترق. لذلك فاحترق يا أيها الطيب العبق الرائحة لكى تفوح وينتشر طيبك “.

ولئن كُنْتَ كما أنت عبق ،

فاحترق.

وفي النغم انبهار ومفاجأة. ولذلك يجوز الوجهان ـ فاصل بعد عَبِـقْ، وتكتب “فاحترق” في نفس السطر. أو تكتب في السطر الذى يلى ـ فإنها بيت شعر كامل. لأن الوقفة عند آخر الشطر الفائت طويلة تعادل أكثر من نصف شطر. وتكون بقوله ” فاحترق” شطراً تاما.

وتأمّل بعد قوله:

ـ مثلما ضوع في الأهوال صبرا آل ياسر ـ هنا إشارة ثقافية إسلامية شديدة الوغول في بحبوحة الإسلام. آل ياسر مثل عالٍ في الصبر والاستشهاد. حتَّى عمَّار المجاهد التوَّاب المهاجر، ( وقد ولاه عمر ) لم يسلم من الأذى. وقد قتل شهيداً في صفين. وفطن شوقي إلى هذا في قوله :

وأوقع الأنجاد بالأنجاد *** وخر عمَّار من النجـاد

وممن فطن من قبل زمان شوقى، الوزير الأندلسى ابن عبدون حيث قال في رائيته المشهورة :

وما رعت لأبى اليقظان صُحْبَتَهُ

ولم تُزَوِّدْهُ غير الضَّيْح في الغُمرِ

والضمير يعود على الليالى وعلى صروف الزمان وأحواله وأبو اليقظان هو عمار ابن ياسر. والضيح بالضاد المشددة المفتوحة بعدها ياء ساكنة ( يا مُثَـنَّاة تحتيّة ) أى اللبن اخر الكلمة حاء مهملة. الغمر بالغين المعجمة المضمومة بعدها ميم وراء بوزن عُمَر أى القدح الصغير.

في شعر صلاح إشارات إسلامية السّنخ قوية منبثقة بلا تكلف من أصول معانيه وعواطفه وانفعالاته ـ كقوله :

حُزْننا ونحن الصامتونْ

فابْطشى ما شئت فينا يا مَنُونْ

كم فتىً في مكّـة يشبه حَمْزَةْ

ولم يفجع الرسول صلّى الله عليه وسلَّم بأوجع من مقتل حمزة وقال الكلمة المشهورة لما رأى نساء الأنصار يندبن من قُتِل في أُحد من رجالهن :” ولكن حمزة لا بواكى له ” فأقبلن يبكين حمزة وقال شاعرهم

صفية قومى ولا تعجزى *** وبَكِّـى النساء على حمزة

والإشارة الإسلامية غير ما قدمنا كثيرة في شعر صلاح رحمه الله ـ مثلاً

وضمير لم يذق والشعب في السبى اغتماضه

وبقلب كحجيج محرم عند الإفاضة

ومثلاً :

ونزوع للذى خلف الحجاب

برهة من سرمد الدهر أقمنا

ما عرفنا بم أو فيم أتينا وانتهينا

الشاهد هنا ( نزوع للذى خلق الحجاب أى الغيب كما في سورة الشورى ) نَظَرُه إلى قول زياد: ” في الزمن السرمدى الذى لا يزول ـ وأصل هذا قرآنى من سورة القصص. ومثلاً

وآل عَلِـىٍّ حُـفَاةٌ ظماء

وآل زياد عليهم نعيم

وآل زياد فيهم سفاح وفيهم فجور وظلم وذكر المؤرخون أن غناهم استمر إلى الزمان العباسى فتأمل.

وفى هذه الكلمة نفسها :

ويا فارساً وحده في الطريق

على الرمح متكئاً نازف الجرح مات

َبْعَد أن أمّن الخائف.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.