آخر الأخبار
The news is by your side.

من ذاكرة الفكر … مقدمة ديودان نحن والردى “4”

من ذاكرة الفكر … مقدمة ديودان نحن والردى “4”

اعداد: شهاب الدين عبدالرازق
مقدمة ديوان نحن والردى لـ صلاح احمد ابراهيم، والتي كتبها البروفيسير عبدالله الطيب عليهما الرحمة، نقدمها لكم في حلقات.

هذا الفارس هو أحد الصناديد الأربعة المذكورين المشهود لهم بالتفوُّق في الشجاعة هو ربيعة بن مكدَّم حامى الظعن. رموه بسهم فاتكأ على رمحه والفرسان يتحاشونه حتّى سلمت النساء من السباء. والخبر مذكور مشهور. من بنى كنانة من بنى فراس بن غنم الذين تمنى سيدنا على أن لو كان معه منهم مائة فارس مكان العصاة المتمردين الذين كانوا حوله.

لا عجب من استكثار صلاح من الشواهد والإشارات الدالة على تأثره بثقافة السيرة والدين ونوادر الأدب العربى. فقد نشأ في دار ثقافة إسلامية. وكان أبوه رحمه الله من أساتذة العربية والدين معلماً شديد التقوى غضيض الطرف معروفاً بذلك مشهوداً له فيه.

وقال صلاح يفتخر ببعض ذلك في قريضه :

نترك الدنيا وفى ذاكرة الدنيا لنا ذكر وذكرى

من فعالٍ وخُلُقِْ

ولنا إرث من الحكمة والحلم وحب الآخرين

وولاء حينما يكذب أهليه الأمين

ويكذب أهليه أخذها بلا ريب من الحديث ” إنّ الرائد لا يكذب أهله ” ولا أحسب      صلاحاً خرج عن مجال الإسلام والعربية في إشاراته إلا في موضع أشار فيه إلى الصليب. وحمل الصليب، دلالة على احتمال التعذيب والمشقات في مواجهة النهاية والمأساة كثير في أشعار العصر المتأثرة بأساليب الإفرنج. كان المستر تشرشل يعبر عن تبرمه وضيقه بالجنرال ديجول بقوله إن أثقل صليب كان يحمله هو صليب اللورين وهو شعار دى جول أصله من مأساة جان دارك التى حررت فرنسا وخذلها الملك شارل السابع فلم يحاول نجدتها لمّا حُرِّقت في روان.

وأصل معنى حمل الصليب من أساليب جبروت الروم القدماء. فانهم كانوا حين يحكمون بإعدام امرئ صلْباً يجعلون الصليب من خشبتين، خشبة قائمة عمودية يحفرون لها حفرة ويثبتونها فيها قائمة. ويكلفون المحكوم عليه بحمل الخشبة الثانية التى تُجْعَلُ معترضة فوق الخشبة القائمة. ثم بعد ذلك يُسَمِّرون يديه على الخشبة المعترضة التى جاء وهو يحملها يجعلونها على رأس العمود كحرف “تى” الأفرنجى. ويدخلون المسامير بين عظمى اليد عند الرسغ ويخترقون عظام القدمين بجعل المسامير بين العظيمات الصغيرة التى في القدم، وقد وضعوا قدماً فوق الأخر وسمروهما معاً على الخشبة القائمة .

وزعم النصارى أن الروم صلبوا المسيح بتدبير اليهود. وفي القرآن: ” وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم ” . وينسب إلى بعض المسلمين المتأولين أنهم قالوا هذا كمثل قوله تعالى ” وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ” فالمعنى هنا ان الله هو الذى قتله وصلبه لا هم. وهذا خطأ آية الأنفال (17) ” وما رميت إذ رميت ” لا تنفى أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رمى حين قذف حفنة التراب وقال شاهت الوجوه، ولكن تدل على أن رمية رسول الله كانت معها سطوة الله. وهذا كمثل قوله تعالى : ” إنَّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يدُ اللهِ فوق أيديهم ” أى قوة الله وعونه مع اخلاصهم والعهد الذى عاهدوه. ولم يقل الله عزَّ وجلَّ ” وما قتلوه إذ قتلوه وما صلبوه إذ صلبوه ولكن شبه لهم” كما قال عزَّ وجلَّ: ” وما رميت إذ رميت ولكن اللهَ رمى ” فالآية دالة دلالة قاطعة على أن عيسى عليه السلام لم يُقْتَلْ ولم يُصْلَبْ، والذى تأوله المتأول على تمثيل آية النساء (157) ” وما قتلـــــــوه ” بآية الأنفال “وما رميت” تمثيل خاطئ بلا شك بلا أدنى شك.

وما أرى أن صلاحاً قصد إليه ولكن سار على المألوف من عبارات أهل العصر مسايرين لعبارات الإفرنج في هذا المجال، وبين يدىَّ عشرات من دواوين أهل العصر تَرِدْ فيها عبارة حمل الصليب كما ترد عبارة ” كودتا” في اللغة الإنجليزية و”ويكند” في اللغة الفرنسية وهذا تقريب للفكرة على بعدها.

مصدر مهم من مصادر الإشارة والمجاز في بيان صلاح رحمه الله هو عادات أهل بلدنا وتقاليدهم. وهذا واضح في القصيدة التى أعجبت صديقه على المك رحمه الله. وبعض هذه القصيدة ينظر نظراً شديداً إلى منظومات الموت التى ينشدها المُدَّاح مثل :

زايلة الدنيا دى الما بِدْوُمْ لى خيرا

ولَّت وأدْبَرت وبِقَتْ عصيرا

ويذكروننا أن مصير الإنسان إلى حفرةٍ عرضها شبر.

ما الذى أقسى من الموت ؟

فهذا قد كشفنا سرَّهُ وخبرنا مُرّهُ

ما جزعنا إن تشهَانا ولم يرض الرحيل

( أحسبها ولم نرض لا ولم يرض بالنون لا بالياء كما في النص المطبوع )

فله فينا اغتباق واصطباح ومقيل

آخر العمر قصيراً أم طويلْ

كفنٌ من طرفِ السوق وشِـبْرٌ في المقابر

هذا موضع استشهادنا على الأخذ من تقاليد البلد وعاداته. ولنا في الدفن أسلوب بعضه مأخوذ من السنة التى كان عليها عمل أهل المدينة وبها دفن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبعضه مأخوذ من عادات وطننا القديم في أيام ما قبل الميلاد حسب تاريخ علماء الآثار إلى عصر طويل بعده ـ من ذلك الحمل على العنقريب والتغطية بالسُّرَّتى. وأول من دُفِنَ على عنقريب ( نعش ) من أهل الإسلام سيدتنا أم المؤمنين زينب بنت جحش. أشارت بحملها عليه سيدتنا أُم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها قالت رأت النعش بأرض الحبشة التى هاجر إليها الصحابة سيدنا جعفر وسيدنا عثمان ومن معهم هى هذه البلاد لا بلاد أكسوم وقندار لأنهم لا يحملون الميت على العنقريب.

شاهد آخر قصيدة صلاح في رثاء على المك رحمهما الله وقوله اغتباق واصطباح ومقيل مأخوذ من اصطلاحات العرب الأوائل لشراب الصبح والليل والقيلولة ـ واستعمل صلاح كلمة المقيل للدلالة على القَيْل. فقد جاء بها مناحة واستعمل فيها عبارات البكاء التى نبكى بها ـ

عليّ شريك النضال على رفيقى

ويا خندقى في الحصار ويا فرجى وقت ضيقى

ويا صُرَّةَ الزاد تمسكنى في اغتماض الطريق

ويا رَكْوَتى كعكعت في لهاتى وقد جفَّ ريقي

نواصل

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.