آخر الأخبار
The news is by your side.

من درجات الإيمان: “نزع الكِبر من النفس”

من درجات الإيمان: “نزع الكِبر من النفس”

 بقلم: عمرو عبده

فمن وقى نفسه الكِبر فقد بدأ المرحلة الأولى والأساسية من درجات الإيمان… الكِبر والتكبر هما صفتان سلبيتان قد تتسللان إلى شخصية الإنسان، والتي قد تؤثر سلباً على حياته وعلاقاته… يعتبر الكِبر والتكبر من آفات النفس البشرية التي تنمو عن الغرور والإعتقاد الخاطئ في تفوق الذات على الآخرين…

الكِبر والتكبر هما مفاهيم تتردد في نصوص الأدب والفلسفة والدين ، حيث يعكسان سلوكيات وعقائد بشرية تتعلق بالتقدير الذاتي والتعامل مع الآخرين… يعتبر الكِبر هو تقدير الذات بشكل مفرط وهو التصور خاطيء للذات ، حيث يرتبط الشخص برؤية ذاته أعظم من الآخرين ويتجاهل نقاط ضعفه ويتصف بالتحدث والتصرف بطريقة مستفزة ومتعالية…

«التكبر» صفة شيطانية نهى عنها الإسلام… يمكن تعريف التكبر بأنه سلوك يتجلى في التفاخر بالإنجازات والمكتسبات بشكل يثير الإعجاب من الآخرين ، وغالباً ما يكون مصحوباً بإنكار أو إهمال لجهود الآخرين وأنه لا يمكنه عمل الأخطاء ويشعر بالغضب عند التعامل مع آخرين أقل من مستوى ذكائه أو مكانته الإجتماعية…

الكبر يمكن أن يؤدي إلى انعزال الفرد عن محيطه الإجتماعي ، حيث يتجنب التواصل والتعاون بسبب إعتقاده بأنه أفضل من الآخرين… هذا يمكن أن يؤدي إلى فقدان الفرص للتعلم والتطور من خلال تجارب الآخرين… بالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن يؤدي الكِبر إلى عدم القدرة على التعامل مع النقد البناء ، مما يعوق فرص التحسن والنمو الشخصي…

الكِبر والتكبر يتسببان في إنعزال الشخص عن الآخرين ، وتدهور علاقاته الإجتماعية والعائلية ، حيث يشعر الآخرون بالاستهانة والتجاهل من جانبه… والتكبر قد يخلق بيئة من الغيرة والتوتر وإنه يفقد فرص التعلم والنمو من خلال قبول آراء أو آفكار الآخرين… وبطبيعة الحال ، لا يستطيع الشخص المتكبر تقدير فوائد العمل الجماعي والتعاون مع الآخرين…

ومن جهة أخرى ، يتميز التكبر بالتخفي خلف قناع من الثقة الزائدة والعزة ، ولكن في الحقيقة يحاول هذا الشخص إخفاء الشعور بالعدم الأمان والحاجة إلى التأكيد والتقدير من آخرين… إنه يستمد قوته من الشعور بتفوقه ومكانته في المجتمع ، ويعتز بالمواهب والإنجازات التي حققها…

كما ثبت أن التكبر صفة شيطانية ويعتبر أول ذنب عظيم تم إرتكابه بعد خلق آدم ، حيث رفض إبليس أمر الله له بالسجود لآدم عليه السلام… قال تعالى… {قَالَ یَـٰۤإِبۡلِیسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِینَ * قَالَ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ * قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِیمࣱ * وَإِنَّ عَلَیۡكَ لَعۡنَتِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلدِّینِ}

وذكر رب العالمين {….. قَالَ فَٱهۡبِطۡ مِنۡهَا فَمَا یَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِیهَا فَٱخۡرُجۡ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِینَ} فطرد إبليس من الجنة بسبب تكبره وعدم خضوعه وإمتثاله لأمر الله ، ولذلك لن يدخل الجنة أي مخلوق من الجن والإنس إذا كان متكبراً…

وقال سبحانه وتعالى… {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} ونهى النبي صل الله عليه وسلم عن التكبر ، حيث قال… “يقول الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي”

وقال نبينا الأمين… “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل… إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً ، فقال نبينا… إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس” ، وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال… “احتجت الجنة والنار ، فقالت النار… فيّ الجبارون والمتكبرون ، وقالت الجنة… فيّ ضعفاء المسلمين ومساكينهم ، فقضى الله بينهما إنك الجنة أرحم بك من أشاء ، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ، وكليكما علي ملؤها”

قال العزيز الرحيم… {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وهذه الآيه تبين لنا أن جزاء الإستكبار في الطاعة والعبادة لله طريق لجهنم… وقال تعالى… {وَلَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا یَسۡتَحۡسِرُونَ} أي أن سبحانه له كل مَن في السموات والأرض ، والذين عنده من الملائكة لا يأنَفُون عن عبادته ولا يملُّونها ، فكيف يجوز أن يشرك به ما هو عبده وخلقه؟…

وقال رب العالمين… {إِنَّمَا یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ ۩} وهذه الآيه لاتحتاج لتفسير وتوضح أن شرط الإيمان هو عدم التكبر…

وقال مالك الملك العظيم.. {سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَایَـٰتِیَ ٱلَّذِینَ یَتَكَبَّرُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن یَرَوۡا۟ كُلَّ ءَایَةࣲ لَّا یُؤۡمِنُوا۟ بِهَا وَإِن یَرَوۡا۟ سَبِیلَ ٱلرُّشۡدِ لَا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلࣰا وَإِن یَرَوۡا۟ سَبِیلَ ٱلۡغَیِّ یَتَّخِذُوهُ سَبِیلࣰاۚ ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَكَانُوا۟ عَنۡهَا غَـٰفِلِینَ} وهذه من الآيات القوية التي توصف جزاء المتكبرين..

وعرف السلف الصالح مغبة الكبر وعواقبه الوخيمة ، فابتعدوا عنه وتمسكوا بخلق التواضع فزادهم الله عزاً ومكّن لهم في الأرض ، فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين كان قادماً إلى الشام ومعه غلامه ومعهما ناقة يتعاقبانها في الركوب أحدهما يركب ، والآخر يأخذ بزمام الناقة فلما قربا من الشام كانت نوبة الغلام فركب وأخذ عمر بزمام الناقة فخرج أبو عبيدة الجراح وكان أميراً على الشام ، فقال… يا أمير المؤمنين إن عظماء الشام يخرجون إليك ولا نحب أن يروك على هذه الحالة ، فقال العادل عمر بن الخطاب… إنما أعزنا الله بالإسلام فلا نبالي بمقالة الناس…

لحسن الحظ ، هناك بعض الطرق التي يمكن استخدامها للتغلب على الكِبر والتكبر… أولاً ، يجب على الشخص أن يتذكر أنه ليس مثالياً وأن الآخرين لديهم خبرات ومعرفة قد تكون أفضل منه… ثم عليه أن يتعلم من الآخرين ويحترم وجهات نظرهم… والتركيز على الجوانب الإيجابية في الآخرين… بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن يعمل على بناء علاقات صحية مع الناس والإهتمام بمشاعرهم وتقدير مساهماتهم…

وقد يكون من الصعب التغلب على هذه السمة السلبية في شخصية الإنسان ، ولكن من الممكن تحقيق ذلك بالتوازن والتفكير الإيجابي… يجب أن يتذكر الشخص المتكبر أن النجاح والمكانة والقوة ليست مقتصرة على شخص واحد ، بل يمكن أن تكون مشتركة بين جميع البشر… ومن يجد أن فيه تكبر لا يستطيع إزالته من نفسه عليه اللجوء لطبيب ومعالج نفسي متخصص…

يجب أن يسعى الإنسان إلى تحقيق توازن صحيح بين تقدير الذات واحترام الآخرين… الإعتراف بإنجازاتنا مهم ، ولكن يجب أن يتم ذلك بروح متواضعة وإعتراف بأن لدينا دائماً مجالات للتطور والتحسن… والإعتراف بإسهامات الآخرين وتقديرها يعزز العلاقات الإيجابية وهذا أيضاً يساهم في بناء مجتمع أكثر ترابطاً وتعاوناً…

في ختام الكلام ، تذكروا قول الرسول ﷺ… “لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ حبَّة خردلٍ من كِبر” ، وهذا وعيدٌ شديد ، لذا يجب الحذر من هذه الصفه الضاره… أعلموا أن النفس المتكبرة تعتبر غير مؤمنة ومصيرها للنار لذلك لكي يكون الإيمان صحيحاً لابد أن تكون نفس الإنسان متواضعة خاضعة لله تعالى لا يوجد فيها حتى ذرة من التكبر…

حياكم الله..

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.