آخر الأخبار
The news is by your side.

مناظير … بقلم: زهير السراج .. إلى الدكتور حمدوك !

مناظير … بقلم: زهير السراج .. إلى الدكتور حمدوك !

* ورد في مقال امس اشارة الى حديث الدكتور حمدوك بانه “إذا وقع السلام فمن المؤكد أن كلفة انفاذ الاتفاقية عالية في ما يتعلق بإعادة الحياة وتسوية ملفات النازحين واللاجئين وتحقيق التنمية المتوازنة، وهو ما ستقوم به البعثة الاممية تحت اشراف ومساعدة الحكومة السودانية”، وشبه هذا العمل بـ(مشروع مارشال) لإعادة إعمار أوروبا من الخراب الذي أحدثته بها الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين 1937 و1945 من القرن الماضي، ولقد نجح المشروع بالفعل في زمن وجيز في النهوض اقتصاديا بالقارة الأوروبية من قارة مدمرة تماما بفعل الحرب ومفلسة وغارقة في البطالة والامراض الى مركز للتطور الاقتصادي والاشعاع العلميوالثقافي” !

* اثارت انتباهي نهاية الفقرة الاخيرة ” مرحبا بمارشال في السودان!” والتي انتهت بعلامة التعجب. وهي بالفعل تدعو للتعجب. وهنا لا أريد أن أبدو وكأني ضد التفاؤل أو أريد أم “أكسر المجاديف”، وفي الواقع أريد التاكيد على ضرورة الالتزام بالواقعية التي اتسم بها اسلوب رئيس الوزراء، دكتور حمدوك، في تناوله للقضايا العامة، وهي سمة تحسب له، على عكس ما كان يبشر به السياسيون في العهد الانقاذي.

* أتمنى أن يكون هناك مشروع مارشال للسودان، ولكن نظرة للخلفية التي تم فيها المشروع صاحب الاسم في النصف الثاني من اربعينيات القرن الماضى حتى خمسينياته، تشىء بأن الحديث عن “مشروع مارشال” لدولة في العالم الثالث في الألفية الثالثة أقرب الى الحلم منه الى التفكير الواقعي. دعني اشير هنا الى الخلفية التي دعت الولايات المتحدة الى تبني مشروع مارشال واترك المقارنة بما جرى ذاك الوقت وما يجري حالياً عندنا هنا لفطنة القارىء.

* بعد الحرب العالمية الثانية اصبحت الولايات المتحدة أقوى دولة اقتصادياً وعسكرياً : بنسبة سكان 6% من سكان العالم، واصبحت تتحكم في 70% من الذهب والعملات الأجنبية في العالم وأكثر من 40% من الإنتاج الصناعي ويحتاج اقتصادها لما يقارب 45% من المواد الخام لتشغيل هذه الالة الصناعية الضخمة. رأت دول الحلفاء إنشاء مجموعة من المؤسسات الدولية لتنظيم الأمور الاقتصادية المشتركة بحيث يتجاوز العالم حالة الحرب ويدخل في اقتصاد يتصف بالتجارة الحرة، والانفتاح والتكامل. وجاءت منظومة مؤسسات بريتون وودذ (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولى ومنظمة التجارة الدولية) لتعكس هذا التفاهم الذي غلب عليه المنطق الامريكي الذي اصر على مبدأ التجارة الحرة وان سمح ببعض التنازل في البنك الدولي – واسمه الكامل البنك الدولي للإنشاء والتعمير. وكانت الحجة المقبولة نظريا ان اوروبا ستكسب من التبادل التجارى الحر، وصادرات أوروبا ستنافس في الاسواق الامريكية. لكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما، فمال الميزان التجارى بين اوروبا وامريكا للأخيرة خلال عامي 1946، و1947 بحوالي 20 بليون دولار.

* تململت أوروبا خاصة مع وجود حزب العمال البريطاني في الحكم، وفى فرنسا الحزب الشيوعييشارك في الحكم في حكومة فيشى، والمانيا تحت نفوذ نقابات العمال القوية. لكن الأهم هو الحرب الباردة وشبح النموذج الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي يطرق ابواب الدول الاوروبية. هذا العامل السياسي – الاستراتيجي هو الذي قلب حسابات الولايات المتحدة وخوفها من اكتساح المعسكر الاشتراكي غرب اوروبا بعد شرقها، وتوسع الصين في اسيا وبالتالى فقدان مصادر المواد الخام التي يحتاجها اقتصادها، هذا هو أهم الاسباب التي دفعت الولايات لتطويق الاتحاد السوفيتي بسلسلة من القواعد العسكرية واتفاقيات دفاعية، بالإضافة الى انقاذ اوروبا واليابان بتعجيل اعادة البناء الاقتصادي بما يقلص من نفوذ القوى السياسية والاجتماعية ذات الميول الاشتراكية. ولك ان تعرف ان صندوق النقد الدولى تخلى عن “مبادئه” مشجعا الدول الاوربية بالتدخل الحكومي في التحكم فى اقتصادياتها بعيدا عن “مذهبية السوق الحر” واغرقت الولايات المتحدة هذه الدول بالمساعدات – وبالطبع استفادت الصناعات الصناعية – العسكرية الامريكية من ذلك. النقطة الاساسية، هي أن ما وراء مشروع مارشال في ذلك الوقت التقديرات السياسية – الاستراتيجية هى التى دفعت الولايات المتحدة لتبنى مشروع مارشال لانقاذ اقتصاديات دول حليفة لها في اوروبا واليابان.

* لا أعتقد اننا نحتاج للتذكير بما يواجهه العالم – غربه و شرقه – من جائحات حتى يجد الوقت ليلتفت “للاهمية السياسية – الاستراتيجية” لنا، ونحن بالكاد نحاول الوصول لاتفاقية سلام تضع حدا للنزاع المسلح، مع محاولاتنا المتعثرة للخروج من الوهدة التي أوقعنا فيها النظام الانقاذ الكارثي!
د. عطا البطحاني
أستاذ العلوم السياسية، جامعة الخرطوم
تعقيب:
كل الشكر للبروفيسور عطا البطحاني على هذا التنوير عن مشروع مارشال، وصعوبة أو استحالة تطبيق ما يماثله في السودان بوضعه الراهن، وهي فرصة نفتح فيها النقاش لكل من يود أن يساهم أو يعلق، مع جزيل الشكر.

الجريدة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.