آخر الأخبار
The news is by your side.

مصطلحات اسلامية: مفتو السلاطين

مصطلحات اسلامية: مفتو السلاطين

  بقلم : د. هاشم غرايبه

هذا المصطلح انفرد به المسلمون، ولا يوجد في ثقافات الأمم الأخرى، ويعني الفقهاء والعلماء الذين يحيط السلطان نفسه بهم ويغدق عليهم، ليقوموا بالإفتاء وفق مراده، ولإسباغ الشرعية الدينية على أفعاله.

الحقيقة أن ظاهرة الحكم بناء على المصلحة، تحكم آراء أغلب الناس، وقليل ما هم الموضوعويون، الذين يُحيّدون عواطفهم وميولهم ومصالحهم، فيحكمون بنزاهة مطلقة.

هذه الظاهرة طبيعة بشرية عامة، لكنها أكثر ما تكون سطوعا في أمتنا، وبدأت في الظهور مبكرا ومنذ انقضاء زمن الوحي، فلم يكن بوسع أحد آنذاك أن يجادل أو حتى أن يجتهد، لكن ما أن انقضت ثلاثون عاما من الخلافة الراشدة، وتوسعت المدارك بتوسع رقعة الدولة، وتعددت المصالح بسبب الإزدهار، وأخذ الفقهاء باسترجاع ما تعلموه وما فهموه من معلمهم صلى الله عليه وسلم، حتى ظهرت تباينات وخلافات انتجت انقسامات، كلها كانت دوافعها الإستحواذ على مكتسبات السلطة.

تميزت هذه الخلافات بأنها رغم أن أصلها سياسي إلا أنها ألبست لبوسا فقهيا، فأخذت الأطراف المتنازعة تلجأ الى احتكار فهم الدين وتمثيله، وتبحث عن أسانيد شرعية في القرآن، فلا تجد إلا في لي أعناق الآيات والأحاديث.

ولإحكام قبضة الحكام على السلطة، لم يجدوا وسيلة أجدى من تكفير معارضيهم، وإخراجهم من الملة، واستعانوا على ذلك بفئة من الفقهاء سمّوا شيوخ السلاطين، وأصبح هؤلاء من ملاحق السلطة يكيفون أحكام الدين ويفتون بما يريده السلطان، وانصبت جهودهم بداية على البحث عن حكم شرعي يجيز الإعدام، فلم يجدوه في كتاب الله، لأن الله تعالى يعلم قدرات البشر على تطويع النصوص الشرعية، فلم يورد أي نص في كتابه العزيز يجيز الإعدام، إلا اقتصاصا من قاتل، فبحثوا في الروايات حتى وجدوا ضالتهم، أن المرتد عن الدين يقتل، فأفتوا بتبرير إعدام السلطان لمعارضيه بتهمة الكفر.

هنا نشأت فكرة التكفير، وكانت أول خروج عن شرع الله، الذي لم يبح لأحد الحكم على إيمان الشخص أو نواياه، فبعد أن تقوّلوا على حدود الله التي حصرها بما ورد في القرآن، فأضافوا حد قتل من يُعتقد بكفره أو ارتداده عن الدين، وجعلوا معيار ذلك مخالفة رؤيتهم التي يعتبرونها أساس الشرع،

جرى استغلال ذلك، للتوسع في قطع رؤوس المخالفين بموجبها، سواء مخالفين للسلطة أو للجماعات، فعاش المسلمون طوال التاريخ المنقضي خائفين من الإجتهاد والبحث والإنطلاق الفكري، وما زلنا نرث هذا الرعب الى اليوم.

في هذا العصر الذي تُحكم فيه ديار الإسلام بأكملها من قبل أنظمة علمانية، ترفض الحكم بما أنزل الله أصلاً، لم تعد تهمة التكفير مستعملة إلا في أنظمة قليلة تدّعي أنها إسلامية، لذا ابتدعت تهمة جديدة هي الإنتماء الى خلية إرهابية، وأسقط شيوخ السلاطين عليها حكم الردة عن الدين، باعتبار أن الحاكم يمثل الدين والشرع، فمن يعارضه خارج عن الدين ويحل قتله، ولو اقتضى الأمر قتل من حوله.

لذلك فعصر الحجاج الذي كان النطع والسياف حاضرين على الدوام في مجلسه أهون شرا على الأمة، فها هم حكام المسلمين الحاليون لا يمر شهر إلا ويعلنون عن القضاء على خلية إرهابية، أليس النطع والسياف أرحم من مهاجمة البيوت ونسفها على رؤوس أهلها، أو قصف حي بكامله بذريعة وجود ارهابيين فيه!؟.

فالمفتي الذي أفتى لعبد الناصر بجواز إعدام سيد قطب بتهمة سخيفة هي تكفير المجتمعات، ألا يعتبر شريكا في الجريمة؟.

وذاك الذي أفتى بجواز الإستعانة بالكفار لتدمير العراق ومحاصرة أطفاله ثم احتلاله ..هل يمكن أن يعتبر عالما مسلما؟.

والدولة التي يرأسها مفتي، وتوالي أعداء الإسلام وتتحالف معهم لقتل المسلمين السنة تحديدا بحجة مكافحة الإرهاب.. هل تستحق مسمى “الإسلامية”؟.

علماء السلاطين أشد ضررا على الإسلام من السلاطين الطواغيت، وسيلقون عند العزيز الجبار حسابا عسيرا على جرمين: تقوّلهم على الله وشرعه، ومشاركتهم الطواغيت في الإثم على جرائمهم.

ولن ينفعهم يومئذ حفظ قرآن ولا علم بالحديث، عملوا بعكس ما دعاهم إليه.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.