آخر الأخبار
The news is by your side.

مصطلحات اسلامية: أهل الذمة

مصطلحات اسلامية: أهل الذمة

  بقلم : د. هاشم غرايبه

هذا مصطلح اسلامي بحت، ولم يكن معروفا للبشر قبله، ويطلق على أتباع الرسالات التي سبقته الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية، واختاروا أن يبقوا على عقيدتهم.

لقد أنزل الله رسالاته على البشر تترى، كل رسالة تصدق بما قبلها، لكنها تأتي بتشريعات مُحدّثة للسابقة بما اقتضته حكمة الله في التعامل مع تطور معارف البشر ومقتضيات معيشتهم.

ولما أنزل الرسالة المحمدية شاء أن تحتوي على كل ما يلزم البشر للحاضر والحقب الآتية، لأنها الخاتمة ولا رسالات بعدها، لذلك أنزلها على العرب بلغتهم ليؤمنوا بها ويبلغوها لباقي الأمم، وليتبعها الجميع بصفتها الدين الكامل المكتمل.

كان الأولى باتباع الرسالات السابقة أن يكونوا أول من يؤمن بها ، كونها امتدادا وتطويرا للعقائد التي آمنوا بها، لكن أغلبهم كفروا بها، حسدا من أنفسهم أن نزلت الرسالة التي كان أنبياؤهم يبشرون بها، إذ نزلت على العرب (النسل الإسماعيلي)، وليس على (النسل اليعقوبي) من ذرية إبراهيم عليه السلام.

لكن قلة من أهل الكتاب الذين اتبعوا عقيدتهم الحقة دخلوا الاسلام، وبيّن الله تعالى في كتابه العزيز الفارق بين هؤلاء وهؤلاء: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ” [المائدة:83].

لقد أنزل الله القرآن فيه تبيان كل شيء، ومن ذلك حكم أهل الكتب السابقة، وبيّن أنه لا يغني إيمانهم بكتبهم عن الإيمان بالقرآن: “وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” [آل عمران:110]، وتعني نفي صفة الإيمان عن من يُكذب بالقرآن”، كما أشار الى أن شرط نوالهم رحمة الله لا يقتصر على العمل بالتوراة والإنجيل، بل بما أنزل اليهم من ربهم (القرآن): “وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ” [المائدة:66].

وقد بيّن تاريخ الدعوة الإسلامية أن من استجاب من أهل الكتاب لدعوة الله قلة، هم من سماهم (الْمُؤْمِنُونَ) وأكثرهم رفضها بل وتحالف مع المشركين لمحاربتها، وهؤلاء هم الأغلبية (الْفَاسِقُونَ).

من هؤلاء القلة الذين ذكرهم تعالى في كتابه العزيز بالتقدير: “وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ” [المائدة:83]، كان عدي بن حاتم، وتميم الدارى، والجارود بن المعلى، وبحيرا الراهب، وحجار بن أبجر وغيرهم من الذين قالوا انا نصارى.

كما كان من بني إسرائيل: الحبر عبد الله بن سلام، والحبر زيد بن سعنة، والحبرعبدالله بن صوريا

وذكوان بن يامين، وغيرهم.

هؤلاء وأقوامهم أصبحوا من المؤمنين بالله وبرسوله، ولم يعد لهم انتماء لغير الأمة الاسلامية، بل وأصبح بعضهم من علماء الأمة وفقهائها.

من استنكفوا عن ذلك، لم يجز الله تعالى معاقبتهم على كفرهم برسالته، فدعى المؤمنين الى إحسان التعامل معهم، بل حتى حدد لهم الأسس والضوابط في دعوتهم: “وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” [العنكبوت:46]، انسجاما مع المبدأ الأساس في الإسلام بالدعوة بالإقناع العقلي، وليس بالضغط: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” [البقرة:256]، واحترام حق الإنسان في اتباع معتقده: “لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ” [الكافرون:].

لقد كان أهل الكتاب أصلا قلة قليلة في المجتمع العربي، ولهذا التسامح فقد بقي أغلبهم على عقيدته، وعاشوا في كنف الأمة كأقلية، يمارسون شعائرهم وحياتهم آمنين.

هؤلاء سموا أهل الذمة، أي أنهم في ذمة المسلمين ورعايتهم، معفيين من أداء العبادات الشعائرية كالصلاة والصيام، والعبادات المالية كالزكاة والكفارات، ومن العبادة العليا (الجهاد)، وذلك لأن الجهاد هدفه حماية العقيدة والدفاع عنها، فلا يعقل أن يكلف من لا يؤمن بها بالدفاع عنها.

لكن لإحقاق العدالة بين كافة مواطني الدولة فقد شرعت الجزية لتعويض كلف الحماية والرعاية الاجتماعية، التي هي مساهمة مالية كضريبة الدخل في مفهوم الدول الحديثة، لأنه لا ضرائب في الدولة الإسلامية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.