آخر الأخبار
The news is by your side.

ما المغزى وراء رثاء فرانسيس دينق لـ إدوارد لينو؟

ما المغزى وراء رثاء فرانسيس دينق لـ إدوارد لينو؟

بقلم: آرثر غابرييل

للإسم، اسم الإنسان ألّذي يورثه أو يُسمى به في أسرته، دلالات قد تكون ثقافيّة، أو دينيّة، أو اجتماعيّة أو تاريخيّة. وأنّ الفرد في المجتمع هو من يخبر النّاس بالاسم ألّذي سُمي به. بيد أنّ البعض، يحاول في عنتٍ، كما كان يفعل نظام المؤتمر الوطني مع اعضاءه المسيحيين، اظهار اسم اسلامي للعضو يوم مماته، ويصرون بأنّه كان قد اشهر اسلامه، وأنّ دفنه لا بد أن يتم على الطريقة الاسلاميّة، من صلاةٍ بواسطة امامٍ أو شيخٍ ومن ثم دفنه، مما يجعل اسرة المتوفي المسيحية في حيرةٍ من امرها، تُلطم خدها وهي عاجزة عن مقاومة سلطة الدولة أو مجرد تكذيبها!

اذكر جيّدًا، حين كنتُ طالبًا جامعيًّا بمصر، أنّ طالبًا من جنوب السّودان، كان غير دينه الاسلاميّ، واسمه العربي، ولم يكتفِ بذلك، بل قام بوضع اعلان مكتوب في نادي الطلبة، مُعلنًا عن اسمه الجديد، ومحذّرًا الكل من تحمل تبعات ما يحدث لهم، إن الّح أو حاول احدهم تجاهل هذا الاعلان الرسمي، ومناداته بالاسم القديم ألّذي لا يخلو من دلالات دينه القديم. وقد أخذ الجميع تحذيره على محمل الجد، والتزم بالاسم الجديد.

اذكر، أيضًا، أنّ صحافة الإنتباهة الصفراء ألّتي كانت تتاجر باسم الدّين في سودان ماقبل الإنفصال، وفي عمود احد كتابه- اسحق فضل الله- ألّذي يقطر قلمه سمًا، ومقتًا، وعنصريّة لكل ما هو جنوبيّ، قد أورد في عموده، وهو يتحدث عن وزير خارجية السّودان السابق، السيّد دينق ألّور، قائلًا بكل إستهتار: كان اسمه أحمد، في إشارةٍ صريحة للقول بأنّه كان شماليًّا، ومسلمًا، وهذا يؤكد شمالية منطقة أبيي ألّتي هي بيت القصيد المقصود هنا، وليس دينق ألّور في شخصه، وألّذي وُلِد في الشمال. لم يتوقف مثل هذه الأقلام عند حد إسحق فضل الله، ألّذي حكى لي عنه ادوارد لينو يومًا، بأنّه الصحافي السّوداني الوحيد ألّذي رفض الراحل المقيم دكتور قرنق مقابلته في نيفاشا.

لم يتوقف الأمر عند فضل الله، فها هوذا كاتب آخر يدعى مجاهد بشير، يكتب في صحيفة الراكوبة الالكترونية، مقالة بتاريخ 24 يوليو 2011، يحاول فيه تثبيث شماليّة أبيي، بأحمد دينق ألّور المولود في الشمال، كما لو كان دينق ألّور هو أبيي، وأبيي هي دينق ألّور، جاهلًا في أنّ ولادة المرء في بقعةٍ جغرافيةٍ معينة، لا يمنع انتمائه إلى بقعةٍ مختلفةٍ عن ألّتي وُلد فيها، وكاتب هذا المقال، المولود في سنار، خير مثال لذلك.

فهمنا ممَا ذُكِر أعلاه المقصد من كتابات فضل الله وبشير، في محاولةٍ تعيسة منهما لتأكيد شماليّة أبيي، بيد أنّ المغزى ألّذي اخفقنا في معرفته، وراء رثاء الدكتور فرانسيس مدينق دينق، في التعمد على إظهار واقحام “مصطفى” بين اسم ادوارد لينو، في معرض كتابته العزائية للسياسي البارز، والمثقف العضويّ، والشّاعر الفذّ، والكاتب الباسل إدوارد لينو أبيي، ألّذي لا يصوّب سهام نقده إلّا بمنطقٍ يصعب دحضه، وشجاعة تُرغم الخصوم، قبل المعجبون، على تقديره واحترامه.

يقول فرانسيس :”أوردتُ الاسم كاملًا: إدوارد مصطفى دوت لينو وور أبيي.. كما اعرفه، لأنّ الأسماء في نظامنا التقليديّ مهمة، إذ تُمثل جوهرًا مجازيًا لخلفية الشخص وهُويته. ويعكس اسم إدوارد الكامل، عناصر التنوع السّوداني، وبالتالي هو صورة مصغّرة للدولة ألّتي كافح كثيرًا من اجل تحريرها..” (من مقال ترجمه الكاتب الصحافي دينقديت أيوك).

لا نُريد أن نقول أنّ فرانسيس، قد ذهب على خُطى كلٍ من فضل الله وبشير، بمحاولة تأكيد شماليّة أبيي بـ مصطفى إدوارد لينو. ورغم أنّ فرانسيس هو أكثر من كتب عن الهُوية في السّودان، إلّا أنّه لم يُقنعنا كيف يكون تعدد اسماء شخص واحد، هو نموذج مصغّر للدولة، ويعكس عناصر التنوع؟ ولماذا ايراد هذا الاسم في هذا الوقت بالتحديد، وبعد موت إدوارد لينو، ألّذي كان يؤمن بجنوبية أبيي؟ لا يختلف اثنان في أنّ فرانسيس، وحدويًا وهذا مكان احترام وتقدير، وقد كُنّا كذلك نؤمن بوحدة السّودان وقد تراجعنا عن ذلك ليس ليأسٍ أو احباطٍ بل لوجود بدائل أخرى أقر!ته اتفاقية نيفاشا، طالما أنّ المؤتمر الوطني كان قد وضع خطًا أحمر أمام مناقشة مسألة الدّين، وعدم المساس بها. نعم، كان إدوارد وحدويًا حتّى النّخاع، حسبما تشرب من مبادئ وأفكار السّودان الجديد، لا علاقة لها بالمنطقة ألّتي وُلِدَ فيها، أو لونه أو قبيلته أو اسمه سواء أن كان أحمدًا، أو مصطفى، أو سمه ما تشاء. ولا يمكن القول بأنّ الدكتور جون قرنق كان غير وحدويًا لأنّه يحمل اسم النصارى، وهو بذلك ليس نموذجًا مصغرًا للسودان طالما أنّنا لم نرَ اسم حسن أو بشير محشورًا بين اسمه ليؤكد ذلك وحدويته، ويصبح هو نموذج مصغّر للسّودان. كما لا يمكن انكار حقيقة أنّ احد أقاربي، ويُدعى محمد (وقد يعرفه البعض منكم)، هو مسيحي كاثوليكيّ، وجنوبي حتّى النخاع، وليس انفصاليًا لأنّ اسمه محمد!

الأفكار والمبادئ ألّتي يؤمن بها الفرد، وليست الأسماء، هي ألّتي تجعل الإنسان بين أن يكون وحدوي أو انفصالي، رغم انتهاء صلاحية مثل هذا النّقاش في 2011.

ما زلنا نبحث عن المغزى وراء ايراد هذا الاسم ألّذي لم نسمع به من قبل، ولماذا ذُكِر الآن، بعد موت إدوارد؟

أخشى أن أقول، أنّ ندب، أو عزاء، أو رثاء فرانسيس يُشبه في ملامحه، رثاء ابن المهدي للدكتور منصور خالد، وهو يُعيبه بعد موته، بعد أن أيقن تمامًا أنّ قلم منصور ألّذي أبدع في وصفه، قد مات معه، ولا يمكن أن يطاله، متجاهلًا أنّ الرثاء، هو تعبير عن مشاعر حزينة يصف فيه الراثي، الفقيد بمناقبه، ومحاسنه، وصفاته الجميلة، وليس القاء اللّوم. لكن يبدو أنّ روح الإنتقام والإقتصاص من منصور، قد عميت بصيرة السيّد في ألّا يفوّت هذه الفرصة الثمينة، في أن يشفي غليله، وينسف كل جميل قيل في رثاء منصور. وبالطبع، لا يمكن القول أنّ ذلك، أيضًا، مجرد محاولة لنسف كل جميل قيل في عزاء وتأبين إدوارد ألّذي من شدة تأثرنا بموته عجزنا عن كتابة رثاء له.

إن كان إدوارد، هو مصطفى، ودينق هو أحمد، فلا بد لنا أن نعرف ماهو اسم الدكتور فرانسيس مدينق دينق، كي لا يهب كل من تسوّل له نفسه في يومٍ ما، ليُفاجئنا بغير ما نعرفه الآن؟

ليس من الأمانة والأخلاق، ذكر أشياء لا تمت إلى الفقيد بصلةٍ، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتاريخ وهوية شخصية بارزة لا يمكن تعويضها مثل إدوارد لينو، رغم أنّ أسرته، بحسب علمي، لم تذكر في كلمتها في عزاء ابنها، وسيرته الذاتية، اسم “مصطفى” كجزء من تاريخه، طالما أنّ الأسرة، هي ألّتي تعرف السيرة الشخصية لفلذة كبدها.

رغم ذلك، سيظل السؤال قائمًا: ما المغزى وراء رثاء فرانسيس للراحل المقيم، إدوارد لينو؟ إدوارد ألّذي يمكن أن نقول فيه ما قاله لينين في رثاء كارل ماركس عند ضريحه في لندن: إنّ الثغرة ألّتي نَجَمَت عن رحيل هذه الروح العظيمة، ستبرز بجلاء قريبًا.

——————————————————-
بورتريه للقائد إدوار لينو بريشة الفنان أكوت سوليب

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.