آخر الأخبار
The news is by your side.

لماذا يكرهنا المصريون؟! … بقلم: زهير السراج

لماذا يكرهنا المصريون؟! … بقلم: زهير السراج

* دعوني أدخل في صلب الموضوع مباشرة وأقول بكل صراحة ووضوح بعيدا عن كلمات المجاملة والنفاق و”المصير المشترك” .. بأن ” هنالك حساسية شديدة بين السودانيين والمصريين .. أو بين المصريين والسودانيين، إن شئتم!!

وقد تصل هذه الحساسية لدى البعض، او بالأصح لدى كثيرين، إلى درجة الكراهية ..!!
نعم، “الكراهية “، وتحتها خطان كمان!

* ولحساسية السودانيين ما يبررها، وها هي بعض الأسباب:

أبدأ بالتاريخ: وتعود البداية الفعلية الى الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي عندما بعث والى مصر محمد على باشا جيوشه الى السودان بحثا عن “الذهب والعبيد” بغرض تكوين وتمويل جيوش قوية تحقق طموحاته التوسعية في المنطقة العربية!

* يحدثنا التاريخ أن هذه الجيوش ارتكبت الفظائع في السودانيين خاصة بعد مقتل اسماعيل باشا ابن محمد على باشا وكبار قادة جيشه حرقا، بمكيدة دبرها لهم ” المك نمر” والمك تعنى الملك سلطان قبيلة الجعليين السودانية عندما طلب منه اسماعيل باشا أن يتنازل له عن زوجته لتكون احدى سباياه ضمن مطالب استفزازية اخرى فأوهمه المك نمر بالقبول وأولم له وليمة ضخمة احتفاءً به ثم أشعل فيه وفى من حضر من قادته النار بعد أن لعبت الخمر برؤوسهم انتقاما لشرفه، وهى “الفعلة” التي دخل بها المك نمر قلوب جميع السودانيين ومناهج التاريخ السوداني كرمز للشرف والشجاعة والفخر يفتخر به كل سوداني حر ويضم بين جنباته الكره لإسماعيل ومن بعث به!

* غير ان محمد على باشا لم يسكت بل وجه صهره الدفتردار بك الذى كان يقود جيشا يحارب به السودانيين في غرب السودان بالانتقام لمقتل ابنه اسماعيل، فكان ان توجه الدفتردار بجيشه الى وسط السودان وارتكب من الجرائم ما يشيب له الولدان، غير انه فشل في القبض على المك نمر الذى كان قد خرج بجنده شرقا الى الحبشة واستقر به المقام هناك عزيزا مكرما الى ان توفاه الله فيما بعد!

* آلاف السودانيين، أطفالا ونساءً وعجزة ورجالا قُتلوا وحٌرقوا في تلك المعارك الانتقامية التي قادها الدفتردار … آلاف أخذوا من قراهم وبواديهم وأسرهم ليعملوا عبيدا في جيوش محمد على.. وآلاف اغتصبن وانتهك شرفهن .. ووصل عدد القتلى حسب أكثر الروايات اعتدالا الى اكثر من ثلاثين ألف معظمهم من النساء والأطفال .. ووقر ذلك فى قلوب السودانيين يتناقلونه جيلا بعد جيل!

* باختصار شديد، وبمقاييس وقوانين هذه الأيام، فان اقل وصف للجرائم التي ارتكبها ذلك الدفتردار هي الابادة الجماعية، وارتكاب جرائم حرب، وارتكاب جرائم ضد الانسانية، يستحق عليها الخزي والعار والجر زحفا على الارض من السودان الى محكمة الجنايات الدولية بلاهاى، التي كانت ستعاقبه بالسجن (ثلاثين الف عام) عن كل جريمة ارتكبها، أي السجن المؤبد، باعتبار ان قوانين المحكمة لا تجيز عقوبة الاعدام!

* وما كان السودانيون بدون ادنى شك ليرضوا بهذه العقوبة المخففة، بل كان اقل وأوجب ما يفعلونه بالدفتردار هو ان يذيقونه من نفس الكأس التي أذاقها لهم وأكثر، وليس الدفتردار وحده، وانما كل الذين كانوا معه، وربما كل الأتراك والمصريين لو وجد السودانيون الى ذلك سبيلا!

* صحيح أن محمد على وأبناءه ومعظم جنده ( في البدء) لم يكونوا من المصريين ولكنهم جاءوا الى السودان من مصر فرسخ في نفوس السودانيين على انهم مصريون خاصة وان محمد على وغزواته واعماله كانت ولا تزال محل فخر المصريين ويصفونه بأنه باني مصر الحديثة ويفتخرون به كمصري، لا كأرنؤوطى او شركسي أو ألباني، أيا كان!

* تلا تلك الحملات الانتقامية والغزوات البشعة من أجل “الذهب والعبيد” استعمار تركى مصري للسودان فيما عرف في تاريخ السودان الحديث باسم ” حقبة التركية السابقة ” التي حكمت السودان حتى ما قبل نهاية القرن التاسع عشر بخمسة عشر عاما عندما تحررت البلاد على يد أنصار الإمام محمد أحمد المهدى جد الصادق المهدى رئيس حزب الامة الحالي وآخر رئيس وزراء للسودان قبل استيلاء الاخوان المسلمين على السلطة في السودان بانقلاب عسكري على الديمقراطية في 30 يونيو 1989 !

* كانت حقبة التركية السابقة هي استعمار “مصري” حقيقي للسودان حتى لو لبس عباءة تركية، ولقد كان استعمارا شرسا أذاق السودانيين صنوفا من الأذى، إلا من بعض فترات شهدوا فيها بعض الراحة ونوعا من المشاركة في السلطة كشيوخ وعٌمد ونٌظار او ضباط برتب بسيطة وجنود في الجيوش المصرية آنذاك!

* غير ان القسوة كانت هي العنوان الأبرز لتلك الحقبة خاصة فيما يتعلق بعمليات تجنيد السودانيين بالجيوش المصرية التي كانت اشبه بالاسترقاق، او فيما يتعلق بجباية الضرائب والإتاوات على الاملاك والمحاصيل (على ندرتها) .. ولعل الكثير من المصريين لم يسمع بالطريقة التي كانت تُتبع بواسطة الجند بتعليمات من قادتهم في جبى الضرائب من السودانيين المتخلفين عن السداد لظروف الفقر المدقع التي كانوا يعيشونها!

* كان مصير الذى لا يسدد الضريبة أن توضع داخل (سرواله) بعد ان يُحكم على جسمه الهزيل قطط شرسة جائعة لتنهش في ما تبقى من لحمه بأنيابها وأظافرها من الداخل بينما ينهال عليه الجند بالسياط من الخارج، ويظل هذا الوضع قائما عدة ساعات امام أنظار اسرته وابنائه وأهله فإما السداد وإما المذلة والتعذيب والموت، وكان الخيار الثاني هو الأرجح الذى لا يملك عامة الناس الا سواه راحة لهم ولأسرهم التي تتعذب بعذابهم!

* ثم جاء الخلاص على يد الامام محمد احمد المهدى الذى حرر السودان بأكمله قتالا من حكم الأتراك أو ” الاستعمار المصري” كما يفهمه معظم أو كل السودانيين، ولو تسربل بلباس تركى او بريطاني، وذلك بحلول عام 1885 م الذى تحررت فيه العاصمة الخرطوم!

* كل ذلك منحوت في القلوب لا ينمحي ولا يزول ومسطر في مناهج التاريخ السوداني يحفظه كل طالب سوداني ويرسخ في وجدانه منذ نعومة أظفاره .. مثلما يحفظ أي تلميذ آخر في العالم تاريخ بلده عن ظهر قلب، ولا ملامة عليه في ذلك أو على واضعي تلك المناهج، بل يُلاموا إن لم يفعلوا!

* ولم تمر سوى أربعة عشر عاما على تحرير السودان حتى عادت الجيوش المصرية البريطانية بقيادة سردار الجيش المصري الجنرال البريطاني هيربرت كتشنر، وبتمويل كامل من الحكومة المصرية لتعيد استعمار السودان من جديد (1899) وما صاحب ذلك من عمليات قتل واسعة استخدم فيها الجيش الغازي المدافع الثقيلة ضد جيش سلاحه الرئيسي السيوف والرماح قاتل بشجاعة نادرة الى ان قُتل معظم أفراده ( 15000)، وكان ما كان من “استباحة” مدينة ام درمان عاصمة الحكم الوطني سبعة أيام بلياليها فعل فيها الغزاة الأفاعي، ثم ُقتل الخليفة عبدالله التعايشي خليفة المهدى في الحكم فيما بعد في معركة اخرى وقعت في منطقة تدعى “أُم دبيكرات” وهى تبعد مسيرة خمس ساعات تقريبا بالعربة جنوب ام درمان . ولقد قال كيتشنر وهو يقف على جثة الخليفة ومؤديا التحية العسكرية له: ” ما هزمناكم ولكنا قتلناكم”.

* ظل السودان يرزح تحت نير الاستعمار منذ ذلك الوقت وحتى مطلع عام 1956 م حينما حصل على استقلاله من “الحكم الثنائي الإنجليزي المصري” والذى كان في حقيقة الأمر حكما انجليزيا صرفا إذ لم يكن للمصريين وجود فعلى فى الحكم وذلك بتدبير من الانجليز!

* لم يكن لتلك الحقبة تأثير كبير في إذكاء مشاعر الحساسية في نفوس السودانيين تجاه جيرانهم المصريين .. إلا قبل الاستقلال بسنوات قليلة، بل على العكس من ذلك، فإن الحركة الوطنية المصرية التي كانت آخذة في الازدهار في سنى القرن العشرين الاولى، كان لها تأثير إيجابي في نفوس الكثير من السودانيين الذين اعتبروا المصريين قدوة لهم في النضال ضد المستعمر الإنجليزي، وسافر كثير منهم الى مصر لينهل من الثقافة المصرية بكل مكوناتها، وعاد البعض ليقود الحركة الوطنية في السودان مستلهما التجربة المصرية ومن ثم نشأ ما عُرف باسم “الحركة الاتحادية” ولاحقا ” الاحزاب الاتحادية ” التي كانت تدعو الى الوحدة مع مصر بعد خروج المستعمر الإنجليزي، وللأمانة فإن جذور هذه الحركة تعود الى حقبة العشرينيات من القرن العشرين، وليس هذا مجال السرد او الرصد او التحليل التاريخي الذى له جهابذته وأساتذته وعارفوه .. ولست واحدا منهم!

* تزامن مع نشأة “الحركة الاتحادية” ما عُرف باسم “الحركة الاستقلالية” أو الجماعات والاحزاب التي كانت تنادى بالاستقلال التام للسودان وعلى رأسها “طائفة الانصار” و “حزب الأمة” .. (الوريثان الشرعيان لدولة المهدية)، واللذان توارث قيادتهما أبناء وأحفاد الامام محمد أحمد المهدى .. وآخرهم الرئيس الحالي للحزب وإمام طائفة الانصار (الصادق الصديق عبدالرحمن محمد أحمد المهدى) !

* لا شك أن طائفة الانصار وحزب الأمة وبقية عناصر الحركة الاستقلالية قد ساهمت بشكل او بآخر في إذكاء مشاعر الحساسية ضد المصريين في سنوات ما قبل الاستقلال عندما نشطت الحركة الاتحادية والاحزاب الاتحادية بدعم من الحكومة المصرية ( خاصة بعد استيلاء ما يسمى بالضباط الأحرار على الحكم في مصر) في رفع شعار الوحدة مع مصر، ونشطت في المقابل الحركة الاستقلالية بدعم من الانجليز في رفع شعار الاستقلال التام أو الموت الزؤام!

* وعلى كل حال فقد تمخض الأمر في النهاية عن استقلال السودان باتفاق جميع الاطراف بما في ذلك الاحزاب السودانية المتضادة وحكومتا بريطانيا ومصر .. ويمكن القول هنا أن صراع السلطة المحموم الذى كان دائرا في مصر بين عبدالناصر ومجموعته والرئيس محمد نجيب آنذاك ثم عزل محمد نجيب المحبوب لدى السودانيين ( بسبب جذوره ووالدته السودانية) عن جميع مناصبه فيما بعد ( نوفمبر 1954 ) ووضعه تحت الاقامة الجبرية قد شغل الحكومة المصرية بشكل او بآخر عن الملف السوداني كما انه أثر كثيرا على حماس رافعي شعار الوحدة في السودان فتنازلوا عنه لصالح شعار الاستقلال!!

* جاءت بعد ذلك أزمة ( حلايب ) التي عمقت ازمة عدم الثقة والحساسية في نفوس السودانيين تجاه المصريين، ولقد كانت البداية في فبراير عام 1958 عندما احتلتها القوات المصرية بأوامر مباشرة من الرئيس عبدالناصر وكادت تنشب حرب بين الدولتين لولا تراجع عبدالناصر وإصداره أمرا لقواته بالانسحاب، وظلت المنطقة تابعة للسودان كما كانت منذ عام ( 1902 ) حتى احتلتها القوات المصرية فى عام ( 1995) واعلان الحكومة المصرية انضمامها بشكل رسمي الى الدولة المصرية وذلك كرد فعل مباشر لمحاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري حسنى مبارك في اديس ابابا بتخطيط من الخرطوم، ومنذ ذلك الوقت ظلت (حلايب) تحت السيطرة المصرية الكاملة بدون ان تبذل الحكومة السودانية جهدا لإعادتها الى حضن الوطن وتركتها لمصر وهو ما يثير كثيرا من الغضب في نفوس السودانيين .. خاصة وان مصر لعبت دورا كبيرا منذ استقلال السودان وحتى اليوم في دعم الانظمة الدكتاتورية التي حكمت السودان، كما تآمرت بشكل او بآخر للإطاحة بالأنظمة الديمقراطية السودانية (أو غضت البصر عن المؤامرات التي كانت تدور في الخفاء للإطاحة بها) في نوفمبر 1958 وفى مايو 1969 وفى يونيو 1989 !

* وجاءت بعد حلايب (1958) مباشرة مأساة تهجير (النوبة)من مناطقهم في شمال السودان لصالح بناء السد العالي في مصر، والتي اثارت الكثير من الغضب الشعبي ، خاصة وان السودان لم يستفد من السد شيئا سوى ملاليم (15 مليون جنيه مصري كانت تعادل حوالى 50 مليون دولار أمريكي آنذاك) كثمن بخس مقابل جزء عزيز من ارض الوطن وجراحات عميقة في نفوس أهله لم تندمل حتى اليوم !

* التاريخ ملئ بالمواقف .. غير أنني اكتفى بهذا القدر تاركا البقية للمتخصصين منتقلا الى جانب آخر أو سبب آخر لحساسية السودانيين تجاه “أشقائهم” المصريين وهو باختصار حالة الاستعلاء المزمنة التي ظل المصريون يتعاملون بها مع الشعب السوداني ( ككل ) ويتناولون بها الشأن السوداني في كل جوانبه، وهى حالة وان اختلفت في حدتها من مواطن مصري الى آخر ومن جهة مصرية الى أخرى، إلا انها تظل حالة استعلاء واضحة ومرفوضة في نظر كل السودانيين بلا استثناء حتى الذين تربطهم بمصر أوثق الصلات او أواصر النسب أو المحبة أو النفاق ، وللنفاق أقوى الأواصر لو تعلمون!

* يتجلى هذا الاستعلاء بشكل واضح في تجاهل أجهزة الاعلام والصحافة المصرية للشأن السوداني، او تناوله بشكل مخل او استفزازي بما يخدم المصالح المصرية فقط بدون مراعاة للشعور الوطني السوداني، ولنأخذ قضية (حلايب) مرة أخرى كمثال، فإن الاعلام المصري وبما له من امكانيات هائلة وتأثير كبير وانتشار واسع، يكاد يطالب بمحو السودان والسودانيين من الخريطة، دعك من مجرد الهجوم الشرس والاستفزاز المقذع، إذا تجرأ احد السودانيين وتحدث عن حلايب ولو حديثا وديا او دبلوماسيا أو “خائبا” كما يفعل قادة الحكومة السودانية الحالية ..!!
* بل تصل حالة الاستعلاء الى درجة أن أسماء أرفع المسؤولين السودانيين يكتبها أو ينطقها الاعلام المصري بشكل خاطئ عمدا او جهلا، ولم ينج من ذلك حتى الرئيس السوداني المخلوع جعفر محمد نميري الذى حكم السودان طيلة ستة عشر عاما كان صديقا حميما لرؤساء مصر بالكامل ولم يغب شهرا واحدا عن زيارة مصر، ورغم ذلك ظل الاعلام المصري يطلق عليه اسم ” محمد جعفر النميري ” .. ربما تيمنا بالرئيس محمد أنور السادات ثم محمد حسنى مبارك فيما بعد!

* مثال آخر لن ينساه أي سوداني ابدا ولا حتى مصري، وهو الهجوم الشرس والاستفزاز الهائل الذى تعرض له شعب السودان من كل اجهزة الاعلام المصري والشعب المصري بلا استثناء إثر مباراة الجزائر ومصر المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا والتي أقيمت في ام درمان وانتهت بفوز الجزائر، وذلك بسبب حالة تحرش بسيطة لبعض الصبية الجزائريين بحافلة ركاب تقل مشجعين مصريين كانت في طريقها من الاستاد الى المطار، جعل منها الاعلام المصري ( سبوبة ) للانتقاص من قدر السودان وكرامة السودان وأهل السودان بأكمله وبشكل فظيع لا يزال حتى الان يصيب كل السودانيين بالغثيان و” الأرف” والندم على قبولهم لطلب مصر باستضافة تلك المباراة الفاصلة!!

* ثم حديثا، وليس أخيرا، جريمة مقتل طبيبة سودانية على يد زوجها المصري في القاهرة الشهر الماضي (ابريل 2013 ) والتي تبنت فيها كل الصحف المصرية بلا استثناء أقوال المتهم عن الضحية والتي زعم فيها انه قتلها انتقاما لكرامته لأنها كانت تدير شبكة دعارة دولية بين القاهرة والامارات، وجعلت منها عناوينا رئيسية لقصص خيالية مثيرة عن الطبيبة السودانية صاحبة شبكة الدعارة الدولية، وذلك بدون مراعاة لأدنى درجات المهنية التي تستوجب تناول الحدث بحياد كامل أو على الأقل انتظار انتهاء التحقيقات واتضاح الحقيقة ثم الكيل للسودان بكل مكاييل السوء لو صحت مزاعم (البطل المصري) الثائر لكرامته وكرامة شعب مصر من السودانية (الداعرة). يحدث كل هذا، سادتي، لأن الضحية ( المتهمة ) مواطنة سودانية، مع أن عشرات الجرائم المماثلة تحدث كل يوم في مصر وتتناولها الصحف بطريقة فيها الكثير من الموضوعية والحياد!

* وقبل كل ذلك وبعده المثال الأقدم والأكثر وضوحا وإثارةً للغثيان والتقزز وهو الاساءة المستمرة والمزمنة في الدراما المصرية بشتى أصنافها وضروبها، وخاصة الأفلام والمسرحيات والكوميديا التلفزيونية، للمواطن السوداني وتصويره وكأنه شخص بدائي ومتخلف وهمجي وأبله وعبيط ودميم الوجه وذميم الصفات .. لا يصلح حتى لمهنة ( البواب الأبله) التي ألصقتها به الدراما المصرية منذ زمان بعيد وحتى اليوم !

* باختصار شديد .. ظل السودانيون في كافة الميادين والأزمنة والمجالات مواجهين باستعلاء مصري غريب، ولا يزال الكثير من المصريين وحتى هذه اللحظة وبعد مرور أكثر من خمسين عاما على استقلال السودان عن دولتي الحكم الثنائي ( بريطانيا ومصر) يتحسرون على ضياع السودان من مصر ويحلمون بل ويطالبون بالصوت العالي باستعادة السيطرة المصرية على السودان ولو بالقوة .. ويظهر ذلك في كتابات وأحاديث الكثيرين حتى النخبة المثقفة!

* كل ذلك وغيره مما لم يتسع المجال لذكره هو سبب مشاعر الحساسية التي يكنها الكثير من السودانيين للمصريين وكراهية البعض لهم!!

* ولكن لماذا يكرهنا المصريون؟! .. ماذا فعلنا لهم ليكرهونا ويستخفون بنا ولا يحتملون لنا كلمة واحدة وينتهزون اقل الفرص للإساءة لنا .. مشكلة بسيطة، مباراة كرة أو جريمة قتل نحن فيها الضحية، دعكم من ارض مغتصبة هي حق تاريخي لنا نتحدث بكل أدب عن حقنا فيها ؟!

* هل من مجيب أيها الاخوة المصريون .. يا من تزعمون انكم “اخوة الدم والدين والنيل والمصير المشترك والأواصر القوية والحضارة الراسخة التي تعود الى عصور ما قبل التاريخ” ؟!!

الاهرام 2013

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.