آخر الأخبار
The news is by your side.

كلمة وغطايتها… بقلم: صلاح الباشا

في الذكري العشرين لرحيله
غادر عمر الدوش الدنيا …. والساقية لسه مدورة

يظل تاريخ 10/10/1998م يحمل في طياته حزناً دفيناً يحمل في جوفه رحيل أجمل مبدعي بلادنا المعطاءة في كافة المجالات وأجناس الإبداع ، ففي هذا التاريخ غادر الدنيا إلي دارالخلود الشاعر الفلسفي والمؤلف المسرحي ومربي الأجيال الأستاذ عمر الطيب الدوش ، غادر وقد كان يتوكأ علي عكازة بسبب الكسر الذي اصيب به في مفصل الفخذ ، غادر بعد أن أعطي الوطن الكثير ، حيث تم إعفائه للصالح العام إبان هوجة الفصل من الخدمة لكل صاحب رأي متقدم وبلا وازع من دين أو أخلاق ، فكان قطع الأرزاق قد طال رقاب كثيرة بلا سبب جنوه ، مما أعطي ومنذ البداية نهجاً سيئا لحركة الإسلام السياسي الظالمة .. نعم ، فصلوه من وظيفته الأكاديمية كأستاذ بكلية الموسيقي والمسرح ( قسم المسرح ) والذي أبلي فيه بلاءً حسناً يشهد له فيه طلابه وزملاؤه حتي اللحظة .
ونحن إذ نتذكره الآن في ذكري رحيله العشرين فإننا نظل نعيش أجمل مفردات قصائده الفلسفية التي ضمها ديوان شعره الوحيد ( ليل المغنين ) والذي صدر عقب وفاته بقليل . وقد سبق له حين كان معلماً بالمرحلة المتوسطة في حقبة ستينيات القرن الماضي أنه قد أشتهر بتلك الأغنية التي أداها الموسيقار الراحل وإمبراطور الغناء السوداني والأفريقي ( محمد وردي ) بذلك اللحن المتعدد النغمات ( الود ) حيث سبق أن طبعت بالقاهرة في أسطوانة وقد أشرف علي توزيع موسيقاه خبير الموسيقي الإيطالي بالقاهرة والذي كان يعمل بالمعهد العالي للموسيقي العربية ( كونسيرت فتوار) وإسمه ( اندريه رايدر ). وبعدها لم يغن له وردي قصيدة إلا بعد مرور عدة سنوات ، فجاءت ( بناديها ) تتبختر في خيلاء وترسل رسائل فلسفية عديدة في تلك الحقبة التي كان الضغط فيها عاليا من نظام مايو الحاكم علي رقاب مجمل القوي التقدمية بمختلف ألوانها السياسية:
ولما تغيب عن الميعاد
بفتش ليها في التاريخ
وأسأل عنها الأجداد
وأسأل عنها المستقبل
اللسه سنينو بعاد
بفتش ليها في اللوحات
محل الخاطر الماعاد
وفي الأعياد
وفي أحزان عيون الناس
وفي الضل الوقف
مازاد …. بناديها
****
وجدت تلك القصيدة رواجا كبيرا حين تغني بها الراحل وردي ، ثم لم تمض سنوات طويلة إلا وتأتي القصيدة الأخري لعمر الدوش ، ليغرد بها وردي ، حيث ظل وردي يعتبر أن هذا النوع من الغناء يعتبر ولوجاً إلي ما كان يسميه وردي شخصيا ( بالقصائد الفلسفية ) والتي لايعرف مضامينها إلا الشاعر نفسه أو إجتهاد المستمعين لفن وردي، والقصيدة هي ( الحزن القديم ) والتي سبق أن حكي موقف معين حولها الأخ الأستاذ الشاعر والمسرحي الكبير والصحفي ايضا ( يحيي فضل الله ) المقيم بكندا حيث ذكر في مقال قديم له أن عمر الدوش لايطيق سماع تلك الأغنية ، وقد حكي فيها يحيي أنه حين كان يعتلي مع الدوش تاكسي اجرة ذات مساء من ندوة بجامعة الخرطوم إلي أم درمان حيث يقيمان ، كيف أن الدوش قد أغلق مؤشر راديو العربة التاكسي حين كان يبث أغنية ( الحزن القديم ) فإحتك الدوش مع سائق التاكسي وأوقفه ونزل منه ، إلي أن قام يحيي بشرح الأمر لسائق التاكسي وأنه هذا هو عمر الدوش شاعر الأغنية ، وتم التصافي وركب الدوش السيارة وأغلق سائقها الراديو.
ولكن ، للدوش قصيدة قوية جدا ومعبرة وذات مضامين فيها العديد من الحكاوي ، وقام بإعطائها للأستاذ حمد الريح حيث قام بتأليف لحنها المتعدد الألوان الموسيقية ذلك الملحن الأسطورة السوداني واليمني الأصل ( ناجي القدس ) وهي التي إخترناها لتكون عنوانا لهذا المقال ( الساقية لسه مدورة ) … هذه القصيدة فسرها الجمهور بأنها ذات مضامين سياسية بحتة إبان سنوات الضغط المايوي في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي ، حتي أن وزير الإعلام وقتها الأديب الأريب الراحل العميد عمر الحاج موسي قد أوقف بثها عبر الأجهزة بعد أن تغني بها حمد الريح في سهرة مشهورة علي الهواء من التلفزيون. ولكن كان للدوش رأيا آخر حيث ذكر للصحف وقتها أن القصيدة تحكي قصة حياته منذ كان طفلا في شندي يكابد مع أسرته مشاق الحياة وليس لها علاقة بالسياسة او بالنظام القائم وقتها ، غير أن الجماهير كانت تعتبرها متنفساً ضد النظام وأنها من أشعار المقاومة.
وهنا نود القول أن أستاذنا الكابلي ومن فرط إعجابه بقصائد عمر الدوش قد تغني له بأغنية ( سعاد ) والتي كانت تأخذ إيقاع السيرة (العرضة ) فتمددت ايضا وسط الناس.
وفي مجال الأعمال المسرحية ، فإن الراحل عمر الدوش قد قام بكتابة مسرحية مشهورة تم تقديمها علي خشبة المسرح القومي بام درمان وأخذت حظها من القبول في عدة عروض وقد كانت بعنوان ( ياعبدو.. روق ) .ومن بعدها غادر الدوش الدنيا الفانية في بيته بامبدة بتاريخ العاشر من اكتوبر 1998م .
وسيظل إسم عمر الطيب الدوش رحمه الله وأجسن إليه ، راسخا في السجل الإبداعي لمبدعي أهل السودان ومثقفيه وعماله وزراعه وطلابه …
رحل الدوش وقد ترك خلفه (الساقية لسه مدورة ).
والي اللقاء ….

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.