آخر الأخبار
The news is by your side.

قصة .. وأما الأرض فتحب المطر !

وأما الأرض فتحب المطر !

بقلم: د. سيد شعبان

المعول يزدهي حين يلامس خد الارض ، يمسك به ، صفحة الكتاب الذي يطالعه كل يوم ، لايمل من قراءته ، حين كان صغيرا ،الحكايات التى ينصت جيدا إلى جدته وهي تسردها شتاء ، يذهب بعيدا حيث موطن الأحلام ، يشاهد الجنيات وهن يغتسلن في النهر ، نعم كن جميلات ، يتوارى حياء ، الخجل يمنعه من أن ينزل خلفهن ، الجمال الفطري كم كن فاتنات !هكذا يتخيل الصورة من حكايات الجدة ، حين أتاه النوم ذات ليلة تمثلت له واحدة منهن ، لم يفزع مثلما حدث له من قبل ، ثمة خدر جميل بدا يسري في جسده ، أحقا هي؟

تلك التى أمسك ببقايا الماء التي خرجت من النهر ، وجد لها عطرا ، شعر بأنها تخصه ببعض حديث، لم يتململ بل كان يستعيد ما فاته، استعاد بعض السر ، أخبرته به الطيبة الوقور ، إنه أحد أشراف بني فاطمة ، لم يعلم به أحد ، كانت تخفيه في ردهات المنزل الطيني ، أي غول يتربص به ؟

بظهره وشم كانت تضعه ؛ ليدل عليه ؛ كلمات معطوفة بالحبر الأزرق ، المسافات تتقارب والشخوص تتماهى ، النهر يخرج جنياته ، يتراقصن حوله مثل فراشات تحوم حول النار ، طوى سره مثلما شاعر الصعلكة ، غامت عينه أعشى يلتمس هدب النور وحيدا ، الأيام تبعده عن عالمه ، القهر يسكت الفصحاء ، يميت المشاعر ، يرهن القمر مثلما غجرية تأتي في ظلمة الليل ، البلاد منافي ، والطيور أسرى لدى وكر الغربان ، في تلك الليلة ارتدت ذلك الثوب الموشى بالعدم ، لم تفتنه ، بل حين رأها ارتعد ، الحكايات تغيب وتنزوى مثل حلم جيل يقهره الجلاد !

استجمع قواه حاول أن يمسك بالقلم ، ما الداعي لهذا الحكي ؟

الحائط يشي به ، العقارب تختبيء دائما داخل الثقوب ، تخادع ، تسحب فريستها ، الشدو والغنج ، الكلمات التى تربك المشاعر ، الوحدة وحش يفترس الأماني مثل ذئب ينطوي على غدر ، لا ذنب له غير ذلك الأمان الذي يعيش به ، تقترب الساعة من منتصف الليل ، الصمت يرخي سدوله ، الصدى يتردد ، تبعث الحيات فحيحها ، للشباك حديث الفزع ، السماء ترسل رعدها وبرقها ظلمات بعضها فوق بعض، الجدة أخبرته بأن الإبل تتعارك في السماء ” جمالات صفر ” !

به حنين إلى صدر أمه ، لم تستطع الجدة أن تنسيه ، بل به خدر لتلك الجنية ذات الشعر الذهبي ، الخيال عالم يبحث فيه عن ذاته المنطوية على جراحها ، جالت في ذهنه أفكار الثورة ، أن يلعن الخيبة التى أرضعته الوهم ، لم جبن يوم كان الجلاد قريبا منه ؟

هل كتب عليه الخوف سطور الذل ؟

طار النوم من عينيه ، الهم مثل عبء ثقيل ، دين يتحاشى به بعيدا ، تلك أهوال تميت فيه الحياة ، سيذهب في الصباح ، ضفة النهر ملتقى الشجر والمطر ، الأمهات يتركن بعضهن جواره ، تلتقي الجنيات بهن ، العطر هناك شهي ، ربما يجدها هناك ، سيحلو الحديث معها ، سيعلو هتافه ، ٱن لذلك الثوب الأبيض أن يتمزق ، إنه كئيب مثل الذل القابع داخله ؛ الكفن !

ليلعن الخيبة التى عاقرها ذات ساعة ، سيطلب يدها ، لن يتركها هذه المرة ، القيد ، الحمرة القانية ، السوط ، الجلاد ، ما يفعل به ؟

ليغمض عينيه.

سيصعد تلك الشجرة ، كم هي جميلة !

تباعدت به المسافات وحيدا ، السوط ترك بظهره أخاديد ، تعاطى الشعر ، أحب قصائد البردوني ولا فتات مطر ، أحب أمل دنقل يترنم دائما ” لا تصالح ” أمه حين كان سواد الليل قيل إنه جاء أردفها خلفه ، الجدة أبقته معها ، كانت الجنية ذات الشعر الأصفر تبحث عنه ؛ أعطته مرة رسالة مطوية ، لم يشأ ان يفتحها ، لم هذه الليلة فكر أن يفضها ، هل لأن العمر بدأ يذهب به بعيدا ؟

الحكايات تمثل له امتداد العمر ؛ حتي يدرك به شرفة القادم ، يجد فيها عالمه المشتهى ، يداري دمعة تغلبه كلما مر بهذا المكان ؛ أن يتزن ويعلو شأنه ، وجد الكلمات مخدرا ، لها سحر غلب عليه فما يبرء منه ، هل سيجد ذات الشعر الأصفر زرقاء اليمامة ؟

الشواهد مطمورة ، جاء اللص وأزال الحد الفاصل ، تداخلت التخوم مثل ضباب ، إنه يحمل العبء وطتا ، التفاهة حكمة ، والعجز والحصر بلاغة ، فكر كثيرا أن ينافق ، يلبس ثيابا تداري القيح المتداعي عبر الخبل السارب معه في سدفة الليل ، تأبت عليه تلك الحكاية التى قصتها جدته عن الرجل الذي قتل الهراس ، رفض أن يبيت في وكر الشيطان ، ليتها كانت لا تجيد الحكي ، ربما استراح ، ولعله وجد في البلادة الهدوء ، كثيرون يعاقرون النساء في خلسة ، يأتين بالأولاد كأنما هي شواهد على تلك الحماقات ، لا تجيد النساء غير الأطفال ، هي الوحيدة التى أرضعته دون أن تنسيه أمه ، ليتها وضعته جانبها ، يجهل أباه ، ما يتذكره أحد حتى النصب التذكاري سرقه الشيطان !

من ينسبه إليه ؟

لقد شربت الوحوش دمه ، الحكي لا يفيد ، الذاكرة مثقوبة ، هي مثل خرافة باضت ، ولدت في البلادة غرابا ، ينعق ويقامر ، الشوهاء حبلت به ، انتشت طربا لمقدمه ، تزهو بحملها ، وهل ترى غير ذات وزر ؟

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.