آخر الأخبار
The news is by your side.

قراءة في الاثر الاقتصادي لزيادة الأجور

الاقتصاد السياسي للسودان .. قراءة في الاثر الاقتصادي لزيادة الأجور

بقلم: د. سبنا امام

الاجور كانت ومازالت وستظل من أكبر القضايا الشائكة لواضعي السياسات فالمفاضلة فيها تكون بين الاستحقاق الاجتماعي والأثر الاقتصادي.

وفي الاقتصادات التي تقوم على السوق الحر تعتبر زيادة الحد الادنى العدو الاكبر اذ ان هذه الاقتصادات تقوم على الاستثمار الذي لا يبدي مرونة كافية مع زيادة تكلفة العمالة. وفي الواقع يعد الحديث عن الأثر الاقتصادي لرفع الأجور حديثا تقنيا بإمتياز و تكون اسهل لغه لإيصال الفكرة بين الاقتصاديين هي استخدام الدوال الجبرية والرسوم البيانية ولكننا سنشرح فيما يلي الجوانب الفنية بالتبسيط الممكن ونأمل أن لا يكون مخلا فنحن نكتب لغير اهل الاختصاص ونناقش هذا الاثر في صورة الاسئلة المشروعة التي تأتي في ذهن واضع السياسة، ونحاول هنا ان نحيب على السؤال التالي ما هو الهدف من زيادة الأجور او ما هو مقصد الحكومة من تبني سياسية توسعية تقوم على زيادة الطلب الكلي ؟

اولا تخفيف المعاناة عن العمال والموظفين وذوي الدخل المحدود وهو استحقاق اجتماعي هام وضروري وهو سبب قيام نقابات العمال بعد الثورة الصناعية التي كانت رؤوس الأموال فيها تستغل العمالة بتشغيلهم لساعات عمل طويلة مقابل اليسير من الاجور التي تكفي احتياجاتهم الاساسية ولذلك تقول النظرية الكلاسيكية ان الاجور غير مرنة في الزمن القصير لوجود نقابات العمال ولذلك وجد لدينا في الاقتصاد الكلي ما يعرف منحنى العرض الكلي في الزمن القصير والعرض الكلي في المدى الطويل .

ثانيا يبرر بعض الاقتصاديين زيادة الأجور بتحفيز الطلب الكلي في أوقات الركود الاقتصادي وصولا لزيادة معدلات نمو الاقتصاد في الفترات اللاحقة وهنا نقول ليس بالضرورة. فزيادة الأجور لم يثبت قط أنها قد دفعت بالنمو الاقتصادي وحدها ما لم تصاحبها حزمة من السياسات التوسعية الاخرى، بل ان رفعها وحدها له آثار انكماشية على الاقتصاد في المديين المتوسط والطويل و سنفسر فيما يلي كيف يحدث ذلك؟

المتغيرات الاقتصادية تعمل بآلية الدومينو وذلك لترابطها بشكل دوال رياضية فتحريك اي مؤشر او متغير كسعر الفائدة او الضرائب او الانفاق الحكومي سيؤثر على المتغيرات الأخرى وتعتمد هذه التأثيرات على آليتي المضاعف والمرونات فكلما كانت المضاعفات كبيرة في اقتصاد ما كان الاثر اكبر وكلما كانت المؤشرات مرنة كلما كانت إدارة السياسات اكثر فاعلية. وعليه غمربط الفرس في نجاح السياسة الاقتصادية وبلوغها اهدافها المحددة سلفا هو درجة مرونة الاقتصاد وخلوه من العوائق الهيكليه او structural rigidities.

ولدينا في الاقتصاد نوعان فقط من السياسات المالية وأدواتها الضرائب والإنفاق الحكومي والنقدية وأدواتها سياسة السوق المفتوحة وسعر الفائدة . ولكي نفهم كيف تم استخدام اليياسة المالية لتحفيز الطلب الكلي عبر زيادة الاجور سنتخيل ان الاقتصاد السوداني كان متوازنا او في حالة سكون او statstical equlibrium تماما كبركة ماء هادئة عند مستوى معين من الدخل والاسعار العامة وهي نقطة توافق الطلب الكلي مع العرض الكلي.

ويمثل العرض الكلي حجم الإنتاج في دولة ما ولا يزيد الا بزيادة الكميات المنتجة في اقتصاد ما اما الطلب الكلي فيشتق من تفاعل سوقي السلع والنقود وعليه فأي تغيير يطرأ على سوق السلع او عرض النقد سيؤثر على الطلب الكلي .

العام للأسعار
ادت زياده الاجور لحدوث ما يعرف بصدمة الطلب ولهذه الصدمة اثرين اثر مباشر في المدى القصير واثر كلي عندما تحدث الصدمة تأثيرها على كل النموذج الاقتصادي ويتوازن الاقتصاد عند مستويات جديدة من الدخل والاسعار. الاول ييمى الاثر في المدى القصير والثاني الاثر في المدى الطويل. ستؤثر صدمة الطاب هذه على سوق السلع والخدمات وسيكون الاثر المباشر هو زيادة الدخل (الناتج الاجمالي) هسيزيد تباعا الطلب الكلي في الاقتصاد كما سيزيد الطلب على النقود بغرض المعاملات.

في جانب العرض ستتسبب الصدمة في زبادة طلب المنتجين على النقود لمقابلة الزيادة في أجور العمال والزيادة في الإنتاج لمقابلة الزيادة في الطلب وحيث ان السودان لا يعتمد سعر الفائدة لاتباعه النظام الإسلامي يمكننا الاستعاضه عنها بارتفاع الفرصة البديلة للاقتراض وعايه سيرتفع سعر حصول المستثمرين على قروض اي ان اي مشروع لن يعود بهامش ربح أكبر من ٢٠٪؜ لن يتحفز المستثمرون للدخول فيه .

وبالنتيجة سينخفض الاستثمار و عندما ينخفض الأخير ينخفض الدخل النمو الاقتصادي فالاستثمار هو دينمو النمو الاقتصادي.ويترجم هذا الأثر في سوق السلع بارتفاع الدخل اي الناتج المحلى وارتفاع المستوى العام للأسعار التضخم في فضاء منحنى العرض والطلب أي أن الاقتصاد سيتوازن في المديين المتوسط والطويل عند مستوى دخل أعلى ولكن معدلات تضخم أكبر ومنحنى العرض في المدى القصير هو الفترة الزمنية للصدمة اي قبل ان يستشعر اصحاب الاجور الأثر التضخمي لزيادتها وهنا يبدأ التفاعل بين الفاعلين الاقتصاديين حتى يقبل كل صاحب مورد بسعر التوازن المربح له فالبنوك ستزيد ثمن الائتمان واصحاب الاراضي سيزيدون ريعها وأصحاب الماكينات سيزيدون سعرها واصحاب المصانع سيزيدون أسعار منتجاتهم. هذا هو الاثر في المدى القصير او الحلقة الاولة في التي يحدثها القاء حجر في بركة ساكنة.

في المدى المتوسط او الموجة الثانية وهي الامبر اتساعا والاقل اثرا ستكون نتيحة لاثر زيادة الاجور على عجز الميزانية الحكومية وسيحدث ذلك نتيجة لما يعرف بالcrowding- out effect او اثر الازاحة فالحكومة تعاني من عجز في الموازنه يقدر 150مليار جنيه حسب تقديرات موازنه ٢٠٢٠ وزيادة الاجور ستزيد العجز لان الاجور دين واجب السداد اي انه حتى اذا لم تمتلك الحكومة الموارد وجب ان تدبرها ولذلك تلجأ للاقتراض من السوق المحلي فيزداد الطلب على النقود فيزيد سعر النقود فتنافس الدولة الاستثمار المحلي في الطلب على الاقتراض أي أن الحكومة ستنتزع جزءاً من القروض التي كانت متوفرة للمستثمرين لتزيح بذلك الموارد من الاستثمار الى الانفاق فيتراجع النمو الاقتصادي أي ينخفض الناتج المحلي كمحصلة نهائية في المدى المتوسط. ولكنه لن يعود لمستوى الدخل قبل زيادة الاجور بل سيكون بين الإثنين اي ان الفجوة بين الدخل السائد والمستهدف ستظل موجودة وهنا سيتدخل البنك المركزي بسياسة توسعية ليزيد عرض النقود لتنخفض تكبفة الاقتراض ولكنها ايضا لن تعود لوضع ما قبل الصدمة بال سيكون سعر اوتكلة اباقتراض بين الاثنين. وعليه فزيادة الاجور سيكون لها اثران متضادان الاول ايجابي نتيجة لتحفيز الطلب الكلي والاخر سلبي نتيجة لانخفاض الاستثمار. فأي الاثرين سيغلب على الاخر ؟

سنوضح فيما يلي
سيعتمد ذلك على مرونة سوق الاسعار فزيادة الأجور سيكون أثرها ايجابيا” على الاقتصاد (الدخل الكلي) فقط إذا لم يكن منحن الاستثمار والدخل رأسيا اي ان سوق السلع غير مرن بلغة أخرى لا يتأثر بتغيرات سعر الفائدة أو تكلفه الفرصه البديله للاقتراض. ففي حال كان سووق السلع غير مرن سيعني ذلك ان مستوى الدخل سيظل ثابتا وستفشل سياسات البنك المركزي في ردم الفجوة الانكماشية وستكون النتيجة في منحنى العرض والطلب تزايد الطلب وانكماش الدخل او الركود وارتفاع الأسعار أوالتضخم فنصل لما يعرف بالتضخم الركودي او الstagflation .

وهنا يمكننا أن ننزل لواقع الاقتصاد السوداني لنحاول تخيل ما سيكون عليه المشهد في المدى المتوسط والطويل
اولا: مما لاشك فيه ان زيادة الاجور مستحقه وضروريه اجتماعيه لتخفيف العبء المعيشي ورفع الأجور قطعا سيخفف من وطأة هذه المعاناة على الأقل في المدى القصير.

ثانيًا : الهيكل الجديد يخدم الأهداف التنموية لجهة انه استهدف تحسين أوضاع فئات مهمة للتنمية والنهضة الاقتصادية وهم الأطباء والمعلمين والاساتذة الجامعيين .

ثالثا: في المدي المتوسط سيرتفع الدخل وسيرتفع المستوى العام للأسعار و سيرتفع الطلب على النقود و سيرتفع العجز الحكومي . هذا الارتفاع في الأسعار والعجز الحكومي والطلب على النقود سيمتص الزيادة في الدخل التي تحققت بتحفيز النشاط الاقتصادي وستعتمد درجة الامتصاص على مرونة سوق السلع والادخار في السودان والتي هي ضعيفه للاسف وسيتدخل البنك المركزي ويزيد عرض النقود ليخفف من درجة الامتصاص الناجم عن العجز الحكومي والتضخم وارتفاع تكلفة الاقتراض ولكن نجاح السياسة النقدية للمركزي ستعتمد على مرونة السوق المالي والذي هو أيضا غير مرن وسنذكر في مقال آخر أسباب عدم مرونة سوق المال وأسواق السلع .

وعليه في المدى القصير سيكون هنالك اثر ايجابي ولكن في المدى الطويل ستؤدي هذه الزيادة لتدهور النمو و دخول الاقتصاد في دورة اخرى من الركود المصحوب بمعدلات تضخم كبيرة.
سنورد فيما يلي حزمة الشروط والسياسات التي لابد من تتزامن لضمان ان لا يتغلب الاثر السلبي لهذة الخطوة على الاثر الايجابي:

اولا : تبني حزمة من السياسات على رأسها دراسة مرونة الأسواق والتأكد من قدرتها على منع الأثر السلبي من امتصاص الأثر الإيجابي للسياسة التوسعية نتمنى ان يكون قد تم التأكد من ذلك قبل الإقبال على هذه الخطوة.

ثانيا: كان من المستحسن أن تتضمن السياسة التوسعية أيضا خفض الضرائب وتحديدا ضريبة القيمة المضافة لتخفيف الأثر السلبي لزيادة التكاليف على الاستثمار الناتجه عن زياده تلفه العماله والاقتراض ولكن في ظل العجز في الموازنة لا تمتلك الحكومة رفاهية خفض الضرائب.

ثالثا : كان من المستحسن أن تبني الحكومة مخزونا من الذهب والعملة الصعبة لتزيد من فعالية السياسة النقدية المكمله في هذه الحالة السياسة المالية لتقليل الأثر السلبي لزيادة الطلب على النقود.

رابعا: والاهم ان تزيد الحكومة الإنفاق التنموي والاستثماري واقصد به هنا الإنفاق على البنية التحتية للزراعة والصناعة.

خامسا : كنت افضل ان تتريث الحكومة في هذا الاستحقاق حتى تصل لاتفاق لإعادة جدولة الديون مع البنك والصندوق لتتوفر لديها أموال لزيادة الإنفاق التنموي والاستثماري ولكن اعتقد ان الخطوة قد تم استباقها لتهيئة الشريحة الاكثر تنظيما في المجتمع (الطبقة المتوسطة ) لتقبل رفع الدعم وصولا لتنفيذ اشطراطات الصندوق لمناقشة جدولة الديون. اما وقد حدث ما حدث نتمنى ان يفي البنك والصندوق بالتزامهما للوصول لتسوية فيما يتعلق بجدولة الديون فالاقتصاد السوداني مختنق ولا توجد مساحة كبيرة للحكومة للتحرك وجدولة الديون ستمنحها فرصة لالتقاط أنفاسها وتحسين النمو الاقتصادي في المدى الطويل.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.