آخر الأخبار
The news is by your side.

قائمة الارهاب الاقتصاد ونموذج الجاذبية

الاقتصاد السياسي للسودان … بقلم: د. سبنا امام

قائمة الارهاب الاقتصاد ونموذج الجاذبية

سبق وان اسلفنا ان المقاربة بين الاقتصاد والفيزياء ليست من قبيل الاستعارة اللغوية ولكن كثيرا ما يستعير الاقتصاديون نماذج فيزيائية لتحليل الظواهر الاقتصادية ومن اشهر هذ النماذج نموذج الجاذبية او gravity model.

وهذا النموذج ببساطة يقول بأن احتمال دخول دولتين في تجارة يتناسب طرديا مع حجمي الاقتصادين وعكسيا مع المسافة بينهما . وهذا يعني انه كلما كان حجمي الاقتصادين متناسبا وهذا يقاس بنصيب الفرد من الناتج المحلي وكلما كان القطران قريبين جغرافيا كلما زاد احتمال ازدهار التبادل التجاري بينهما والعكس صحيح.

وعليه علينا ان نطرح هنا بعض الاسئلة المنطقية هل كان التراجع الاقتصادي في السودان يرجع بشكل كبير للعقوبات الامريكية الاحادية ووجودنا بقائمة رعاية الارهاب؟ وهل رفع اسم السودان من هذة القائمة مهم للإصلاح الاقتصادي بالقدر الذي يروج له سياسيا ام انه وسيلة الهاء عن الاسباب الحقيقية لتراجع الاقتصاد؟ لن نجزم بالاجابة ولكن سنحاول ان نقدم بعص الاضاءات في هذا السياق.

وفقا لنموذج الجاذبية اعلاه تؤثر العقوبات على اي اقتصاد عبر تأثيرها على التبادل التجاري (صادر ووارد) والاجور والوظائف. وبالنظر للاقتصاد السوداني فإن السودان لم يكن يوما لاعبا مهما في التجارة الدولية فالسودان هو اقتصاد السلع الاولية الواحدة بدءا بالقطن ومرورا بالنفط وانتهاءا بالذهب ولم يكن اصلا متحكما في اسعار هذة السلع بالحجم الذي عليه السعودية ودول الاوبك كأكبر مصدري النفط في العالم مثلا.

كما ان السودان لم يكن ايضا دولة مستوردة لمواد معقدة التصنيع لضعف او غياب القطاع الصناعي فالسودان لا يصنع اي صناعات ثقيلة كما انه يستورد صناعات تحويلية خاصة فقط بمصانع الاغذية وبعض مدخلات الانتاج الزراعي الذي تشكل الزراعة التقليدية 70%منه .وعليه فغياب السودان من التجارة الدولية لم يكن ليشعر به الاقليم دعك عن العالم.

ومن المعروف ان وظائف التي تخلق في القطاع الخارجي تزيد اجورها عن بقية الوظائف في الداخل بنسبة 15% وعليه فإن ضعف التبادل التجاري يقلل من المستوى العام للاجور. هذا فضلا عن التقلص في حجم الوظائف نفسها مما يغذي البطالة الكلية في الاقتصاد.

وعليه يمكن القول ان السودان قد خسر عددا من الوظائف ربما يصل لمئات الوظائف سنويا مذ فرض العقوبات ولكن هذا العدد يظل ذا تأثير محدود على مستوى الاقتصاد الكلي لتواضع دور القطاع الخارجي في الناتج المحلي. فالبطالة في السودان يدفعها ضعف النمو لتواضع الإنتاج.

وبالعودة لنموذج الجاذبية كان بمقدور السودان ان يخفف من اثار العفوبات بالاتجاه الى توسيع التبادل التجاري بين الدول الافريقية و دول الشرق الاوسط وخاصة الحدودية منها. كما كان من الممكن ان يوفر كل ما يحتاجه من صناعات معقدة من دول لا تأبه بالعقوبات الأمريكية كالصين بل كان بمقدور السودان ان يكون رائدا في الصناعات مع الدول المجاورة ويجعلها سوقا لمنتجاته ويزيح دولا مثل الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وذلك لقربه الجغرافي من اسواقها وانخفاض تكاليف النقل.

وبناء على ذلك اثبتت الكثير من الدراسات ان الولايات المتحدة قد تضررت كثيرا من العقوبات التي فرضتها ومازالت تفرضها منذ سبعينيات القرن المنصرم فهي كانت تفقد ما يعادل 26الف وظيفةسنويا ويتوقع ان تصل لـ 20مليار وظيفة في العشرين عاما القادمة. كما فقدت السواق اذ تحولت الدول المعاقبة لدول كالصين لتوفير التكنولوجيا والمعدات المعقدة .

واثبتت الدراسات ايضا انه حتى بعد رفع العقوبات لم تعد امريكا كشريك تجاري مضمون بالدول التي كانت تحت طائلة العقوبات وخسرتها كأسواق ربما الى الابد لصالح الصين والهند . فمثلا منذ ان فرضت امريكا العقوبات على السودان ازداد حجم التبادل مع الصين والهند ودول التعاون الخليجي وربحت دول التعاون الخليجي ايضا من فرض العقوبات الاخيرة على ايران فحلت كالشريك التجاري الاكبر بعد خروج الاتحاد الاوروبي وكوريا الجنوبية.

وعليه بالتأكيد العقوبات قد اثرت ولكنها كانت كالحبل الذي يلف في عنق الحمار ورجل الفيل فطالما هو موجود يتوهم كلاهما انه موثوق الى الشجرة . تم تضخيم هذا الاثر فاعاق النمو في حين انه كان بمقدور السودان ان يستفيد من هذه الازمة و يطور قطاعه الصناعي والزراعي وان يفتح اسواقا جديدة مع شركاء جدد مستفيدا من حجمه وحدوده وموقعه ولكنه اثر الركض وراء الرضا الامريكي الذي قوبل دوما بالابتزاز السياسي.

اليوم لا اعتقد ان خروجنا من قائمة امريكا السوداء سيحدث اي تطور نوعي اوكيفي في الاقتصاد السوداني. فامريكا لن تستثمر في السودان في وقت قريب لان الفوارق بين الاقتصادين باتت كبيرة بشكل لن يجعل التبادل مجديا من الناحية الاقتصادية قبل مدة اقلها خمس سنوات من تاريخ رفع العقوبات. وينطبق الامر على دول الاتحاد الاوروبي. عليه سيكون من الافضل عدم الانتظار وتركيز الجهود على الانتاج الزراعي والصناعي وتفعيل التبادل التجاري الاقليمي وخلق سلة من الحلفاء الاسترتيحين كالصين واهند وتركيا لتطوير الصناعة والزراعة والبنية التحتية .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.