آخر الأخبار
The news is by your side.

في سيرة النكبة النوبية و تهجير أهلنا

في سيرة النكبة النوبية و تهجير أهلنا من وادي حلفا 

بقلم . عادل عثمان جبريل

يناير 1964م …. يناير 2022م

العودة للفردوس المفقود … أرض النوبة …

حق أصيل و مقدس.

الفنان حمد الريح و أغنيات البكائيات في التضامن مع أهالي حلفا القديمة بعد التهجير.

1
تأثرت بحكم أصولي النوبية كثيرا بالتضامن و التعاطف الإنساني الكبير للفنان الصديق الراحل حمد الريح مع قضية تهجير أهالي حلفا القديمة من ديارهم الأصلية بوادي حلفا أقصي شمال السودان إلي منطقة خشم القربة و حلفا الجديدة بشرق السودان. غني حمد الريح البكائيات الثلاثة و التي شملت ثلاث اغنيات تناولت قضية تهجير أهالي حلفا القديمة بعد أن غمرت المياة مناطقهم بعد إنشاء السد العالي بجنوب مصر و هي أغنيات: الرحيل و الوصية و أغنية مساخة الحلة. غني حمد الريح هذه الأغنيات بعمق و أضاف إليها بصوته المتفرد أبعادا كثيرة حتي يجبرك أن تتفاعل كثيرا مع الكلمات و الألحان و الموسيقى و الأداء و يزداد هذا التفاعل كلما بعدت عن موطنك الأصلي و مكان النشأة الأولي و ذكريات الصبا و الطفولة. كتب كل هذه الأغنيات الشاعر النوبي الكبير سليمان عبد الجليل. و يجري الدم النوبي أيضا في حمد الريح بحكم أن الموطن الأصلي لسكان جزيرة توتي هو منطقة النوبة بشمال السودان. و لهذا لم يجئ نجاح أغنيات البكائيات من فراغ. فقد شكل الثنائي الشاعر و المغني أساس ذلك النجاح. بكي الشاعر بكاءا مرا علي حلفا القديمة مهد أولي الحضارات الإنسانية و سكب من خلال الوصف العميق أغنيات تبكي كل من فارق وطنه و أهله و دياره و أحبته. 

ولد الشاعر النوبي سليمان عبد الجليل بوادي حلفا عام 1947م و إستقرت أسرته بمنطقة السجانة بالخرطوم و يعتبر من أوائل النقاد الفنيين و يعد رائدا من رواد الصحافة الفنية حيث عمل بعدد من الصحف من بينها صحيفة الأضواء و الصحافة و مجلة الإذاعة و التلفزيون. و كان للشاعر نشاط رياضي و إجتماعي كبير بمنطقة الخرطوم جنوب و عمل لفترة من الزمن سكرتيرا لنادي بوهين و كان حينها صديقه الراحل محمد وردي رئيسا للنادي. و من أميز أصدقاءه الشاعر إسماعيل حسن و الشاعر محجوب شريف. و عمل الشاعر بوزارة التجارة و أصبح مديرا للعلاقات العامة و الإعلام. توفي سليمان عبد الجليل في أكتوبر 2009م.

2
تأثر جدنا شاعر الدهليز توفيق صالح جبريل كثيرا بنكبة تهجير أهالي حلفا و من ضمنهم أهله و بكي عليها كثيرا و كتب لها قصيدة بعنوان إيحاء شعر…..

أبكيت حلفا و النخيل سجينة
و الدور غرقي و القصور خواف
أين المنابر و المنائر و القري
من راسب في اللجتين و طاف
فاللجة الحمقاء لا تبقي و لا تذر
المعالم و الخطوب توافي
مجري السفينة خذ يمينك و ارقب
النوتي و استوقف فتي المجداف
جاءوا بها في عهد أفاقين من
أرباع الهة ومن أنصاف
و البيت في حلفا الجديدة كاد
ان ينقض هل هذا من الانصاف?
لي في ترابك جدتي و أخ مضي
رطب الصبا و الدهر غير مصاف
هل ابتغي عوضا و هل عوض لمن
منه دمي و ملامحي و شغافي
بخسوك سعيا في سباق خاسر
لو قدرو لأتوك بالاضعاف
حيتك من قلبي الملوع نفحة
لا زاخر من وابل وكاف

3
البكائية الأولي

أغنية الرحيل

حليل ارض الجزائر
و المراكب و الطنابير الترن حليل.. ناس ليلى
ساعة.. الليل يجن يا غالية.. يا تمرة فؤادى
الليلة ما عاد المراكب شرقن
و القمرى فوق نخل الفريق فاقد الاهل يبكى.. و يحن
نحمل رسائلنا و اشواقنا لي حبايبنا.. و الاهل
و للقاطعين الرسائل الاحلى من عسل النحل
لذات الضفائر الطائش بين مجلس عشيرة و بين اهل
و بخجل.. بتسأل الزائر بلدنا..حبايبنا..اهلنا
راحو للحلة لا بيكاتبوا لا بيفيدونا.. الحصل
حليل الراحوا خلو الريح تنوح.. فوق النخل
حليل الفاتو لدار الاهل بدون.. اهل
الجروف الكابة من شاطئ النهر صابا.. المحل
والنخل متاكئ وين صوت طيرو وجوج.. فى امل
يااا امل

وهاهو سليمان يعود مرة اخرى يتذكر الوصية من الذين رحلوا ولم يلتفتوا ورائهم و وتركوا احبائهم فى اوتون الشوق وسواقيهم كذلك تنوح وتئن .. وطيورهم محتاره.

البكائية الثانية

الوصية :

لا سلام منك وما منك تحية
للوراك خليتو عايش في الاسية
ما حرام يا الفنجري ما تسيب وصية
قمت زي طيرا غريب سافر عشية
ما قبيل وصوني يا حليل الوصية
كت مكضب كنت ناسي
دابو صدقت المفارق عينو قوية
السواقي النايحة نص الليل
حنين الدنيا ممزوج في بكاها
زي طيورا في الفروع محتارة بتفتش جناها
البيوت والناس بتسال عن صبية
فارقت حلتنا زي طير غريب سافر عشية
ما حرام ماضيك يصبح ليك اسية
يا سلام لو كان جفاك بحسن نية
كنت نسيتنا الوصية المفارق عينو قوية
اوع ليل الغربة ينسيك ريحة الطين في جروفنا
والتميرات البيهفن ديمة راقصات في قلوبنا
والدعاش والغيم رذاذها في العصير بالفرح بلل كتوفنا
نحن راجعين في المغيرب
للديار لا حد يشوفنا لا نشوفو لا يشوفنا

البكائية الثالثة

يا مساخة الحلة

و كانت البكائية الثالثة هي تعتبر من اجمل ما كتب الشاعر و تغني بها الرائع حمد الريح:

يا مساخة الحلة

يا مساخة الحلة
يوم ناس أمنة فاتو
و القمرة غابت في عشياتو
و لا فرشت رمال الحي لجنياتو
و القمري عشعش
ما قوقن جنياتو
ما قوقن جنياتو
و لا معروف مكان راحو
وين فاتو …..
نحب ياتو ….. نسيب
ياتو
نحب النيل و شتلاتو
نحب نخلا تهش للناس زعيفاتو
نحب بنوتنا لما الليل يسافر
بنجيماتو
و انتو هناك يا ناس امنة سيد الوجعة ما عارفين
حكايتو

4
يقول الشاعر حاتم يونس عن تجربة سليمان عبد الجليل الشعرية و عن هذه البكائيات: يمتلك شاعرنا ناصية خيال واسع، وهو يصور حنين الأرض والطبيعة للإنسان الذي عاش ببن ثناياها، ويتمسك بأمل العودة مرة أخرى بالرغم من صعوبة واستحالة عودة المهجرين بعد غمرت المياه أراضيهم.

بكى سليمان الأطلال بكاءاً مراً على حلفا القديمة حينما غمرتها مياه السد حتى بكت السواقى واصبح حال الحله من بيوت ونخيل وطيور فى اسى ولوعة ( السواقي النايحة نص الليل حنين الدنيا ممزوج في بكاها ) الطيور في الفروع محتارة بتفتش جناها والبيوت والناس بتسال عن صبية .. فارقت حلتنا زى طيرا غريب سافر عشية .. الكل هاجر وتركوا ورائهم أرض الجزائر والمراكب ، والجروف صابا.. المحل و النخل متاكئ فقد القمرى الذى كان يشدو عليه لكنه مازال يرجو الامل وان تعود الطيور الى اوكارها .. وسيل الذكريات الفياضة والاحبة فارق بعضهم بعضاً منهم من بقى بعد رحيل الاحبة لكنه يسأل منهم باستمرار وذات الضفائر.

بتسأل الزائر بى خجل عن الاحباب سليمان لم يكتب لاهالى حلفا بعد تهجيرهم فقط بل سكب تجربة انسانية عاشها كل من فارق وطنه فى السودان .. يدخلك القرية بكل ما فيها من عبق وسماحة ومناظر طبيعية خلابة ويكتب لك التفاصيل التى تشبعك احساساً بالحضور فتكاد تيقن انك راجع فى المغيرب وان الطيور آتية الى اوكارها.

انظر ذلك الحنين الجارف الممزوج بالاسى والذكريات المره واللهفة للعودة بعد الرحيل.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.