آخر الأخبار
The news is by your side.

فتيل ديناميت مشتعل … بقلم: محمد الحسن النحات

فتيل ديناميت مشتعل … بقلم: محمد الحسن النحات

في غفلة من والديه سموه “ملاك”، إلا أنه كان ابناً للشيطان … لكن قلما يلحظ الناس فتيل الديناميت المشتعل !.

يوم ولادته ظلت الحمير تنهق طوال الليل حتى مطلع الفجر، والقابلة ما فتئت تضرب ظهره براحتها ليبكي بكاء الحياة الأول، فلم يطاوعها بل ما انفك يحدق في عينيها بثبات مخيف جعل برودة مبهمة تتصاعد داخلها فوضعته بين يدي أمه وذهبت لا تلوي على شيء. ومَر الفجر دون صياح الديكة المعتاد حتى لتحسب أنها أصيبت بالخرس وحينما ذهبت النسوة متفقدات محابس الدجاج ليحصلن على النتيجة المتوقعة لفوضى الأزواج الليلية، لم يجدن بيضاً بل عثرن على الدجاجات منفوشات الريش وزائغات الأعين ومتكومات عند الأركان وفي الوسط تماماً الديكة متفحمة كأنما قام أحدهم بشيهم أحياء… أيامها صار هذا الحدث الأخير مثار نقاش وتعجب لكن سرعان ما تحوَّل الأمر مع مرور الزمن إلى خرافة وليست حقيقة مفجعة.

وفي مدينة لا يرى الناس فيها أبعد من أرنبة أنوفهم؛ لم يثر هذا الطفل أية شكوك. لم يتساءل الأبوان لماذا جل وقته يقضيه في غرفة المخزن شبه المهجورة، ولماذا تخافه الكلاب وتهرع مذعورة كلما خرج إلى الشارع، وعندما رزقا بطفلة جميلة بعد سنوات طويلة من الإجهاض المحير، لم تثر وفاتها بعد شهر من ميلادها إلا الحزن فقط، ليسا بطبيبين أو شرطيين لكن كيف يمكن أن تفوت عليهما هذه الزرقة القاتمة التي تعلو وجه الطفلة والوسادة المجعَّدة الملطخة بلعاب ولبن متخثر ودمع.

الجد كان مبصراً على الرغم من ضعف نظره، عندما قدم من قريته بعد ميلاد الطفل، حمله مقبلاً وانقلب حماسه لحفيده إلى اشمئزاز مُمض وهو يخبر ابنته عن الرائحة الزنخة التي تنبعث من جلد طفلها، ولم تستطع اقناعه أنها حممته منذ لحظات وظل الجد يشتم الرائحة كلما زارهم، وعندما بلغ الطفل عامه الأول وجد الأبوان الجد وهو يستشيط غيظاً ويكاد يضرب الطفل الذي يرتجف باكياً. وعندما حاولا تهدئته أخبرهما أن طفلهما قال له: يا قنذع. وبلا ريب لم يصدقاه فالجد يزحف نحو الثمانين والخرف لا يرحم أحدا، وصارت الحادثة مثار هزل بين الزوجين فكيف لطفل لا يكاد ينطق إلا ثلاث كلمات؛ أن يتلفظ بكلمة معقدة مثل هذه، ولم يعلم الزوج بمعناها إلا بعد أن سأل جارهم معلم اللغة العربية.

وعندما بلغ الطفل عامه الثامن؛ وجد الجد يابساً كعصاته التي يتؤكأ عليها، ولم يستطع الأبوان تفسير قرار الجد المفاجئ بالانتحار!. وجداه في وسط طست مملوء بالماء وسلك كهربائي يتهادى من المقبس إلى الطست، ولأن ثمن الانتحار مكلف اجتماعياً تكتما على الأمر وحملا سر الوفاة معهما إلى القبر، ولم تلج الإبنة في دوامة البكاء إلا بعد أن أعادا الطست إلى المخزن، وأخفيا السلك، وأرقدا الجثة بصعوبة في وضعية محترمة.

اليوم بلغ الطفل عامه العاشر … وبعد أن تلاعب بعقلي الزوجين وزرع الفتنة بينهما، استل الأب سكين الطبخ بينما قذف الطفل ساطورا للأم، وكطفل مهذَّب يلعب لعبة فيديو مبهجة؛ جلس متقرفصاً في وسط السرير، وابتسامة نشوة تتراقص على شفتيه وحينا تتحول إلى ضحكات صاخبة. الزوج قوي لكن سكينه قصيرة، والأم قواها الشيطان بسلاح حاد وطويل، واختلطت الأصابع المقطوعة بالأمعاء المتمزقة وسالت الدماء في كرم حاتمي، وتسوَّر الجيران حائط المنزل بعد أن لفظا أنفاسهما الأخيرة ووجدوا الطفل ذاهلاً ودموعه تسح بغزارة.
ولعلك توقعت ما حدث بعد ذلك، تناقلوا المأساة لبعض الوقت ثم ما لبثت أن تحوَّلت إلى خرافة أخرى لن تجد من يصدقها، ولابد أنهم تنافسوا على كفالة الطفل اليتيم، و من المؤكد أن أحدهم قد فاز به، لكنني أنا وأنت نعلم أن مسلسل الرعب هذا لن يتوقف.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.