آخر الأخبار
The news is by your side.

طلب السلطة بكل سبيل … بقلم: د. النور حمد

طلب السلطة بكل سبيل … بقلم: د. النور حمد

استمعت في قبل بضعة أيام إلى تسجيلٍ لأحد كارهي الثورة وحكومتها، منقولٍ من إحدى “القروبات”. لم أستطع تمييز من هو صاحب الصوت، لكن يبدو أنه قياديٌّ في تنظيمه. في هذا التسجيل يخاطب هذا القيادي جمهوره من عضوية التنظيم بلهجةٍ، لائمةٍ، زاجرة، ألا يلقوا باللوم على القيادة، لأن القيادة تقوم بواجبها على أتم وجه. مضيفًا، أنه لولا عمل القيادة، لما كان هناك عضو من التنظيم خارج السجون. ولما بقي أي عضو من أعضاء التنظيم في لجنة أو في أي موقع في أي مكان، أو أي محلية. وذكر أن قيادة تنظيمه قررت إسقاط “هذا النظام”، الأمر الذي يوجب على العضوية، أن تتحرك في العمل لتنفيذ ما قررته القيادة. وأشار في حديثه أن الزحف الأخضر والتظاهر أمام مجلس الوزراء ومطالباتهم بإحضار البصات لهم لكي تنقلهم إلى وسط الخرطوم، عمل غير مجد. في المقابل ذكر بأن في كل حي حوالي 200 من عضوية التنظيم، ينبغي عليهم أن يقوموا بحرق اللساتك في أحيائهم. أو أن يتظاهروا أمام المحلية وغيرها من المقار الموجودة لديهم.

المعارضة، كما هو معلوم، نشاطٌ مسموحٌ به في أي سياق ديمقراطي. بل هي عملٌ مطلوبٌ، لا تقوم الديموقراطية ولا يجري تصحيح مسارها، إلا به. لكن الكلمة التي وجهها هذا القيادي لعضوية تنظيمه حافلة بالإشكالات. دلت الكلمة على عقلية تريد السلطة بكل سبيل. بل لا يهمها لكي تصل إلى السلطة أن تسلك إليها أي درب. كما دلت على أن هذا القيادي وتنظيمه لا يؤمنون أصلا أن هناك ثورة جماهيرية، حدثت واقتلعت نظامهم. فإذا كان هذا القيادي يعترف أن متوسط عضوية تنظيمه في الحي الواحد لا تتجاوز 200 فردًا، فلماذا يريد السلطة؟ وكيف سيحافظ عليها بعد أن أخذتها منه الملايين، ولم يستطع منعها. حديث هذا الرجل، وأمثاله، دليلٌ ساطعٌ، على حالة من حالات الإنكار النفسية التي تسببها الصدمات الفظيعة. كما تدل على انفصالٍ كلي عن الواقع.

هذا النمط من السعي إلى السلطة بكل سبيل هو الذي وقف وراء تقويض الديموقراطية في عام 1989. ولقد كانت قفزة في الظلام، بها انقسمت البلاد إلى بلدين، كما التهمت الحرائق أطرافها. وبها أيضا سقطت البلاد في جب الفقر، وضاعت عليها ثلاثون عاما عزيزة. ويمكن أن نقول إن تلك القفزة في الظلام قد أضاعت، أيضًا، أو توشك أن تضيع على الحركة الإسلامية السودانية، المستقبل كله. من الأفضل لتنظيم لا يملك في الحي أكثر من 200 منتسب، أن يترك إثارة القلاقل وينشغل بزيادة عضويته، ليتسنى له حصد أكبر عددٍ ممكنٍ من المقاعد في الانتخابات القادمة. أو استكشاف سبل التحالف مع حزبٍ آخر، لنيل توزنٍ إضافي. فالأقلية لا تستطيع أن تحكم الأغلبية إلا بقوة السلاح. هذا هو ما حدث في 1989، ولسوف لن يتكرر، مرة ثانية، على الأقل، في المدى المنظور.

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.