آخر الأخبار
The news is by your side.

شؤون وشجون … بقلم: د. النور حمد .. وقدة الشغف بالتغيير

شؤون وشجون … بقلم: د. النور حمد .. وقدة الشغف بالتغيير

ما من تغييرٍ كبيرٍ أنجزته أمةٌ من الأمم، إلا ووقف وراءه قادٌة مقتدرون، ممتلئون شغفًا بالتغيير. فإعلان الاستقلال الأمريكي من السيطرة البريطانية، على سبيل المثال، وقف وراءه قادة محنَّكون، مثال: جون آدمز، وتوماس جيفرسون، وبينجامين فرانكلين، وغيرهم من حكام الولايات الثلاث عشرة، الأولى، التي شكَّلت الاتحاد، الذي مثل الخطوة الأولى، في تكوين الدولة العملاقة، التي اتخذت اسم، الولايات المتحدة الأمريكية. وتمثل قيادة لينين للاتحاد السوفييتي الحديث، وكمال أتاتورك، لتركيا الحديثة، وماو تسي تونغ، للصين الحديثة، ونهرو للهند الحديثة، ، ومهاتير محمد، لماليزيا الحديثة، أمثلةً مختلفة للقادة الشغوفين بالتغيير، القادرين على تفجير طاقة الجماهير. لقد أحدث هؤلاء القادة، مع التعديلات، المختلفة، التي جرت، على المسارات التي اختطوها، نقلاتٍ، فارقةٍ، في تاريخ بلدانهم. كما أن هناك، أيضًا، آخرون على شاكلتهم، لا يتسع المجال لذكرهم.

لا يحدث التغيير الجذري، بغير وقدةٍ، وجدانيةٍ، مُلهمةٍ، تلهب مشاعر الشعب، وتخرجه من حالة السبات والاستسلام لمحددات الواقع، وتوقظ فيه طاقة العمل لمجابهة النقائص. ويقتضي ذلك، وجود قادةٍ ذوي أرواحٍ مشتعلةٍ، ملؤها الشغف بالتغيير. قادةٌ قادرون على صياغة خطابٍ، يبقي الأرواح مشتعلةً، والهمم مشحوذةً، ومنخرطةً بصورةٍ دؤوبةٍ في فعل التغيير. فالتغيير الجذري، فعلٌ استثنائي، ولا يخلو من صبغةٍ راديكالية. الفعل الثوري، باختصارٍ، نقيضٌ للفعل الروتيني اليومي. لذلك، يمكن القول، إن القيادة الشغوفة بالتغيير، ليست تلك التي تجلس وراء المكاتب، جل وقتها؛ تخرج من اجتماعٍ، لتدخل اجتماعًا، آخر. وإنما هي التي تفعل ذلك، وفي نفس الوقت، تبقى على اتصالٍ، عضويٍّ، بالجمهور، وبالميدان، حيث ينبغي أن يأخذ التغيير شكله. على أن يجري ذلك، على مستوى القطر، كله، وعلى ألا يُنسي ذلك القيادة الثورية، أن تُبقي خطابها متجددًا، بالقدر الذي يضمن لها استدامة اتقاد الشعلة، وسط الجماهير. باختصار، القيادة الثورية، هي التي تملأ قنوات الإعلام المختلفة، بالحضور الآسر، وبالصدق، وبالقصد الصريح، وبالخطاب الملهم، وبسرعة البت في الأمور. ويقتضي ذلك، أن تصل ليلها بنهارها، متنبِّهةً ألا يقبض الروتين بتلابيبها، فيقتلها.

لقد فاضت مشاعر الشعب السوداني، في ثورة ديسمبر، بصورةٍ أثارت إعجاب العالم. وقد برز ذلك، كأبهى ما يكون، في فترة الاعتصام، التي استمرت، بنفسٍ واحدٍ، لعدة أشهر. غير أن الثورة، نتيجةً لعوامل مختلفةٍ، فرضها قصور الواقع، انتهت إلى مساومات. ودخلت الثورة، من بعدها، في دائرة العمل الروتيني. خبت وقدة الشغف، وضعف توهج الحلم، وانصرف الناس عن روح العمل، والبناء، إلى سفسطة السياسة المعهودة، وإلى المناورات، والمماحكات. وبرز نهم الوجاهة، وحب المال، وما إلى ذلك، من ضروب الخساسة، المعهودة في السياسة السودانية. شاخت الثورة في شرخ شبابها، فشحبت، وأخذت تسلك درب الهمود. لابد من ثورةٍ داخل الثورة، تبعث طاقة التجاوز، وتذكي وقدة الشغف بالتغيير، وإلا، فلنقرأ على روح ثورتنا الفاتحة.

 

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.