آخر الأخبار
The news is by your side.

ساخر سبيل … بقلم: الفاتح جبرا .. خطبة الجمعة

ساخر سبيل … بقلم: الفاتح جبرا .. خطبة الجمعة

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المسلمون:
يقول الله تعالى في محكم آياته في الآية الثالثة من سورة المائدة :(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ، وفي رواية للبيهقي قال صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ) .

إخوة الإسلام
إن حقيقة التدين هو تمسك الإنسان بعقيدة الإسلام وأن يلتزمها في سلوكه، مستجيباً لكل أوامره تاركاً لكل نواهيه ظاهراً وباطناً، فمن تمسك بالدين ظاهراً وباطناً فهو المتدين حقيقة، ومن تمسك به ظاهراً وتركه باطناً فهو مدَّعٍ للتدين، وليس متديناً، فالتدين الحق هو أن يظهر أثر الدين في حياة الناس وفي علاقاتهم وفي سلوكياتهم وهو الذي ينعكس في علاقة المسلم بربه وفي علاقته بالناس ابتداء بأسرته، وبجيرانه، وبمجتمعه وبالإنسانية جمعاء، والمسلم المتدين هو مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، فقد جاء في سنن الترمذي (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ) .

أيها المسلمون
وإذا كان هناك تدين حقيقي فهناك أيضاً تدين كاذب ومغشوش، والرسول صلى الله عليه وسلم هو القائل كما في صحيح مسلم (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) ، والمقصود بالتدين المغشوش هو الذي يقدم صاحبه المصلحة الدنيوية على المصلحة الأخروية، والمصلحة الشخصية على المصلحة العامة ، وهو التدين الذي يبدو صاحبه (ملاكًا) أمام الخلق، لكنه بالطبع لا يستطيع إخفاء حقيقته (الشيطانية) عن الخالق.
وصاحب التدين الكاذب لا يقر له قرار، وليس له حد يقف عنده، فالمحرك الرئيس له هو مصلحته الخاصة، فدرجة تدينه تزداد أو تنقص حسب (ترمومتر) حاجته للمال والحصول على مباهج الحياة وشعاره الدائم هو (ديني حيثما كانت مصلحتي)، فصاحب التدين المغشوش لا يعدم حيلة في تزيين عمله، وتجميل صنيعه، فتراه تذرف عيناه في مجالس العلم والوعظ وعلى المنابر ويتهدج صوته خوفاً على الدين ثم لا يرجف له طرف وهو يتكالب على الدنيا ومفاتنها، وصاحب التدين المغشوش تجده مناصرًا للظلمة أو مؤازرًا للمظلومين دون خجل أو وجل لأنه مستعد لتوظيف الدين والعلم الذي تعلمه لكل المتناقضات ما دام يصب ذلك في مصلحته الشخصية وقد كان المنافقون في زمن النبوة يلجأوون إلى التدين المغشوش لمآرب في أنفسهم، وقد أظهرت عوراتـهم تلك الآيات القرآنية ، فقال تعالى : (إذَا جَاءَكَ الْـمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْـمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴿2﴾ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٣﴾ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) [المنافقون: ١ – ٣]
وأصحاب التدين الشكلي المغشوش لا يرون أية غضاضة في التهام أموال غيرهم باسم التدين والتزهد، وفي الذكر الحكيم ، قال تعالى : )إنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [التوبة: 34]، وهذا النوع من الناس آفة في الدين والدنيا معًا.
للأسف فقد تمددت ظاهرة التدين المغشوش وقام البعض بإستغلالها فخرج أناس لا يخافون الله ،ولكن عليهم مظهر التدين ، ظهروا وتلبسوا لباس الدين ،فوثق الناس بهم ،وقدموهم ،واحترموهم ،وكانت النتيجة ما تشهده الأمة من إحن ومحن.
وصاحب التدين المغشوش قد يقوم ببناء مسجد أو مدرسة أو مرفق حيوي، ولكن مراده ليس وجه الله تعالى واليوم الآخر، بل له شأن وأمر آخر، وقد قَصَّ علينا القرآن الكريم خبر أبي عامر الفاسق وتظاهره بالتدين الكاذب وقيامه ببناء مسجد للضعفاء وأبناء السبيل، بحسب زعمه، وهدفه الحقيقي هو الكيد والمكر للدعوة، ففضح الله تعالى أمره، وسمى ما بناه مسجد الضرار، قال تعالى:
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْـمُؤْمِنِينَ وَإرْصَادًا لِّـمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلَّا الْـحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [التوبة: 107]
ثم قال تعالى: )لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّـمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْـمُطَّهِّرِينَ)[التوبة: 108]
لقد عاب عدد غير قليل من علماء الإسلام أمثال هؤلاء الحمقى الذين يوظفون دينهم لأجل الدنيا ويسترزقون به، حتى إن الحاكم روى في تاريخه عن ربيعة الرأي أنه قال للإمام مالك: يا مالك من السفلة؟ قال: )قلت من أكل بدينه(، فقال لي: ومن أسفل السفلة؟ قلت: )من أصلح دنيا غيره بفساد دينه (فأصحاب التدين الكاذب موجودون في كل زمان ومكان، ويطلون رؤوسهم أو يتوارون عن الأنظار بحسب مصالحهم، ويجيدون التلوُّن والتقمصَّ بأشكال مختلفة حسب ما تقتضيه الضرورة ، إلا أن الله سبحانه وتعالى يعمل على فضحهم أمام الناس حفاظاً على دينهم الذي إرتضى.

أيها المسلمون:
إن الواجب على كل إنسان أن يتقي الله تعالى وأن يكون هدفه ورأس ماله الحقيقي إخلاص العبادة لله تعالى، وأن يكون شعاره ، قول الله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[الكهف : 110]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم .. وأقم الصلاة.

 

الجريدة

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.