آخر الأخبار
The news is by your side.

رغائب الألم! … بقلم: محمّد مسوكر

رغائب الألم! … بقلم: محمّد مسوكر

يحدث أحياناً أن ترتاب في زخاتِ المطر، والطرق المتلاحقة على الأبوابِ، وصفير الريح، لكن أن ترتاب، أن الصفحة تخبئ لونها خلف الأبيض، والحاشية ينكرها المتن!.

لن تصدق غير الوسواس؛ جاء الرجل ليلاً والناس نيام وبدَّل كلماته، نعم الرجل الذي كنت تقرأ له وسرق الحاشية، فقدت فيه الثقة لدرجة أنني فكرتُ في حراسةِ النصِّ. لا أرغب في تجديد مأساتي والان أتحفّزُ للكتابةِ، جاءت الحواشي، هو التلبّس مرة أخرى، لكنها إستبقت المتن.

بدا لي الأمر كجماعةٍ عددهم أربع، يقفون تحت بناية تقابل البناية التي أسكنها. وجدتني قادماً من ناحيةِ الشمال، إقتربتُ منهم، كانوا يتحدثون كمن ينتظر خطاباً من الحاكم والتوقعات تقفز من ألسنتهم، جزماً بأنه سيحسم الجدل الغائط في الرؤوس.

لم أخطط لقولي، فجأة خرج صوتي كأنه يسحب معه حنجرتي مردداً:

– ” إنه هراء، إبتذال”.

إدّعيتُ أنني مطلعٌ على ألواح الحكم بل رأيتُ بأميّْ رأسي أن الحاكم يدسُّ يده خلف ظهره، ويتظاهر بأنها بيضاء خالية. لم أنتظر ما نطقت به وجوههم، يمّمتُ وجهي ناحية الأشجار في ناصيةِ الشارع التالي لأُخرج ما تلبّسني وأتوجّهُ بعدها إلى شقتي لأكتب.

لم أفلحُ، فلحاءِ الشجر لم يك داكناً، كان كالخشبِ المقشور وبه نقطة سوداء مستديرة، كدّتُ أبكي، لكن خشيتٍ أن يتعاطف معي المارة لأن البقعة السوداء والشجرة تذكرانني بما جاء لصديقي في المنام؛ قال أنه تدحرج من حلمٍ إلى حلمٍ آخر، رأى فيه عشباً أخضرَ وفتاةً ممّددة، وتلالٍ نائية، يسير الناس عليها ولونهم أخضرُ كالزرعِ، تتخلله ألوان متناثرة، بدوا له حقولاً يحركها النسيم. كانوا يُيمّممون وجوههم في الأفق ويسيرون ناحية قمر أخضر، يبتسم.

أفقتٍ من ذكرى صديقي، أسرعت الخطى ناحية الشقة، لم أصدق أنني بلغتُ الغرفة لكن ما أفزعني حقاً أنني مبتلٌّ بالعرق؛ كيف حدث أن أتصبب عرقاً وأنا لم أكتب بعد؟!؛ أحضرت الورقة ووضعتها على المنضدةِ، أحكمتُ وضع ذراعي الأيسر على زاويتها اليسرى، وتركت لأصابع يدي اليسرى ايضاً حرية العبث بخاتمي الفضي، كتبت :

– “رغائب الألم”، دوّنتُ بالحبر الأسود ماجرى أو ما سوف يجري.

الجنود الشرفاء يفضلون الإنتحار في ذات الثانية التي تسرق فيها أحلامهم، لأن تأخرهم عن أداء واجب الموت، يحرمهم نيل الشهادة، ويضعهم في مرمى رغبة الألم، لأنهم سيشاهدون كيف يقتسم القادة الغنائم وقد يبرّرون لهم أفعالهم بعدأن دفنوا الأصدقاء!.

كان الوخز كدقاتِ القلب منتظماً وكافياً، ضاغطاً لتركن نفسه إلى أن الذي يجرى معه، سلسلة تتناسل من أحاجٍ قديمة تختزنها جدّته الأولى في جوف إبنتها، جدّته التالية، تناقلت عبر ألسنة الأجنّة لتستقر تحت إبطه الأيسر؛ لم يستطع نسيان قصّة الحيوان الذي يسير تحت الأرض ويخرج بغتةً ليلتهم من سطحها الأطفال، وأن إسماعيل الراعي، كان يرسل له أبنائه الذين يعصون أمره ليفترسهم، والبئر النائية ماؤها ليس ماءاً، بل هو من درن الحيوان، يتساقط، إن شربت منه الماشيه يموت الأطفال، أو يصابون بالعمى؛ تحت إبط صديقه المغني يرقد وخزٌ يدفعه ليغادر صوته، يحتفظ بقصة الصوت الذي سينزلق إلى باطن الأرض ويلتقطه الحيوان الذي يتاقطر الدرن من جسده كالماءِ ليس له بدن، أليس البدن هو الروح؟!النبلاء لايموتون لأنهم يبنون المعابد للرعية.

قال العرّاب مرة: –

“أنه يأتي على الناس حينا من الدهر تضطرب فيه الأحرف ،حتى تحترق الكتب جميعها، وينتهي تاريخ القراءة، بعدها سيرتفع حرفان إلى السماء يختبئان عن أعين إبليس خلف شجرة الخلود، لن يراهم هو وقبيله؛ وتقول الأقصوصة التي روتها لي أمّيْ عن جدّتها؛ أن أحد أبناء إسماعيل الراعي بادر أباه، وباغته وطلب منه أن يسمح له بالخروج للحيوان، هرول وقفز إلى البئر التي يتساقط فيها الدرن كحباتِ الماء قالت أمّيْ عن جدّتها سيعود إبن إسماعيل الراعي بغصنين لن يعرف الناس ألوانها!.

قال العرّاب:-

تلك هي الحروف التي هجرت الأرض، سوف تعود لتلتقي بالأصوات التي هجرتها الأبدان، سيكون اللقاء في وادى الأتقياء الذين لن يراهم من ليس منهم!.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.