آخر الأخبار
The news is by your side.

رسالة إلى مصطفى سعيد!!

رسالة إلى مصطفى سعيد!!

جواب بريدي
السيد/ مصطفى سعيد المحترم
قرية: دومة ود حامد/ ص ب: 424
المديرية الشمالية
يجده بخير وصحة

التاريخ 27/2/2009م

عزيزي مصطفى سعيد..

تحية طيبة، مباركة..
سافر الطيب الصالح، للسماء، وربما إليكم، في هذا الشهر.

دعني أقول لك (بملابساتنا نحن)، البركة فيكم، وتقبل عميق حزني.

لا أكذب عليك، وأنا أخط هذا العزاء الصادق، تحيرت، أكثر من نصف ساعة، وأنا اقطب جبيني، واقلب طرفي، محتاااار، بمن أعنون الرسالة؟، بك، أم الزين، أم الحنين، أو حواء بت العريبي، أم ضو البيت، في لمح مسحت الزين من خاطري، هو درويش، وأمي، فلو وصلته رسالتي هذه، عند البئر، وهو يقمز هذه، ويقرص تلك، لمزقها قطع نتف صغيرة، مثل زجاج متهشم، ورماها في الهواء، فترقص كحمام أبيض، مخلوع من رشق طفل، أو حشرها في فمه “الشروم” وبلعها كحبة أسبرو، ثم يسدر في غيه!!..

كما أني احس بالعجز، في فهم “تصوركم للموت” مثلنا؟ ، واجسادكم مما خلقت؟ من مادة الحلم!!، والتذكر!!، والتخييل!!، أعندكم كائن اسمه “الموت!! ويهزكم هزا؟”، لا أظن، دون كيشوت لا يزال يعيش، كماهو، خرفا، هاذي، وقد مات سرفانتيس، وشبع موتاً، مات الخالق، عجبي، وخلد المخلوق، ألهذا قتل نيتشه “ربه” ربما، ألهذا تضمر المرأة “خلق الرجل” في رحمها، وتشئ بسر خفي”، ألا تحس بذلك في نظرات النساء، رغم قهرهن الماثل؟ ماكرات كالإله “والله خير الماكرين”،.. الخالق يتوارى، دوما، حتى يتيح حجة الإنكار، لمن ينكره، أليس هذا هو الشعر نفسه، بل “ذاته” ألم يخلقنا رحم المرأة؟ كم يبدو ذكيا، أليس كذلك؟ هي تطرز، أو تطبخ، وهو ينسجنا بمهمل، تأمل “قلبك، تلكم المضغة السحرية؟ وهي تصنعه بمهل، “في احشائها”، وهي ترسم أو حتى نائمة، أي ثراء لهذه “الخالقة، المتوارية”، ألهذا رمز المتصوفة في كل الأديان “بسلمى، ولبنى للذات الإلهية؟، كم يتوارى الخالق دوما، ويفتح أفق الاحتمالات كلها، حتى النقيضة، والمنكرة، مثل خالقك “الطيب صالح، أتعرفه؟ من رحم خياله خلقك..

أتمنى أن لا تقرأ عزائي هذا، ببرودك المعروف (لا دموع، ولا قبل ولا ضوضاء)، هكذا ودعت امك، وانت وحيدها، في سفرتك المشؤومة للقاهرة، ولندن، هل سمعت “بالذكاء العاطفي”، يدرس الآن، فقد حرمت منه، وكان عقلك (مثل مدية حادة، باردة).. فالميت ليس أمك، ولكن خالقك، ونعمة الذكاء العاطفي، تجعلك تحس بنبض قلوب الضفادع في أي بركة عكرة، ناهيك عن قلوب بني آدم، ومشاعرهم النبيلة…

هل أعرف لك الموت؟ (أن لا تمتد يدك لكأس الخمر)، هكذا عرفة ابي انواس، وهو تعريف حكيم، وشاعري، ولكن من يجروء على وصفه كما هو، فمن يختفي وراءه سياجه العظيم، قد يرى الموت جميلا، وقد تمتد يده لأكثر من كأس، كل التأويلات مباحة، ومتاحة.

هل أقول لك سر؟ لقد أحسست بمتعة الطيب صالح وهو يخلقكم، متعة الخلق، المرآة؟ التي يرى فيها الخالق نفسه، “هو” أنتم، أتصدقني؟. فشكر الصنعة، شكر الصانع، ونعمة المحزونة دوما، أكانت تعلم بحدسها موته؟ حاسة سابعة للنساء؟.

كما احترت في الميت، بالنسبة لك أنت يامصطفى سعيد،ولكني محتار حقا، وليس مجازا،، فهو ليس ابوك، ولا أمك..أأعزيك في موت خالقك،!!؟؟

تصور، أني أعزيك، في موت إلهك، من خلقك من العدم، وحمل بك كأرحام الأمهات، وسقاك وغذاك بحبل سري من المعاناة، وتقليب الطرف، والنشوة، والثمالة، فكنت كما كنت، رجل فاقد الهدف، ريشة في مهب الريح، رياح الغير، ورياح ذاتك الغائبة، خلقك بلا حول منك، أو قوى، بل لو لا خاطره، لما كانت لك وجود على الإطلاق، أحس بمعاناتك الآن، لو قدر أن ذلك الخاطر لم يمر بذهن الطيب صالح، أحس بهوانك،وغموض إيجادك!! أحس بك، فنحن في الأحزان شرق.

بل ربك.. أيموت الإله؟..من حفرة حفرة لأخيه وقع فيها..قتلك، أو أنتحرت، او مت، فأي مصير كان لك، اختاره هو، وانت رغم تبجحك، وقتلك للنساء، وشطارتك المنقطعة النظير، لم تكن سوى بوق ينفخك هو، بلحن شجي، أو عذب، وهاهو يموت، مثلك،..إلهك يموت يامصطفى سعيد، فماذا انت فاعل الآن..أتحس بأنك انت الثلج، وهو الماء فيها…روحان حللنا بدنا.. فتموت بموته، لأنك مجرد علم (في ذهنه)، مجرد نشوة في قلبه، مجرد وقائع في ذاكرته، مجرد ظل لشمس انطفأت؟..،

انت خاطرة، في ذهن غيرك، ما أهون وجودك، وما أقواه؟ أين كنت قبلها؟ قبل أن تخطر على خيال الطيب صالح؟ أم الامر لا يهمك، كأبيقور، حين نصح تلاميذه بعدم الخوف من الموت “أنتم لم يكن لكم شعور أو خوف قبل أيجادكم، وكذا بعد موتكم؟، أم أنت من انصار الموت ميلاد في حيز آخر، كالحنين؟ أتعرف ولي الله “الحنين”؟ أم هو من بلاد أخرى؟ عرس أخر، وحكاية أخرى، في شعاب خواطر الطيب صالح الكثر؟..

أم لك وجود بدونه، على أي شئ تقوم قيومتك، بك؟، أم به؟ وستظل كدون كيشوت، بلا سرفانتس؟ ما أعجب الحياة والروايات، تتشابه، بل الحياة رواية كبرى، أليس الخيال والتاليف جزء منها؟

عزيزي..
هل تعرف “الزين”، وقصته، أم أنكم جزر معزولة، رغم ان خالقكم واحد، كما لا نعرف نحن الملائكة، وعوالم السموات، رغم الخالق الواحد، و”مسعود”، أتعرفه، الرجل الذي يحب “النساء”، الشاعر، الذي رأى نخله يباع، وذلك الطفل، وجده، والبقصة التي سممت النهر، حين تقيأ الطفل التمرات من حلقه المحزون، تلك البصقة التي تشبه بصقة سانتياغو، بطل العجوز والبحر، “حين خانه البحر”، ولم يجد عليه بسمكة، وهو الصياد العجوز، الماهر، من يشاق الله، يشاقه..

هل تصدق ان الطيب حذف فصل كامل من حياتك، (قال هذا في لقاء صحفي)، ماذا لو لم يحذفه، أيتغير قدرك؟ أم رفعت الأقلام وجفت الصحف؟ أحن عليك، لا تعرف ان فصلا من حياتك قد حذف، بل هناك 11 سطر تم حذفها، لم؟ لان خالقك “الطيب”، خاف من بنت مجذوب، وبذاءة لسانها..

ألم تقل عن نفسك، (أحس أحساسا دفئا بأني حر، بأنه ليس ثمة مخلوق، أب وأم، يربطني بالوتد إلى بقعة معينة ومحيط معين)، فأنت الآن حر، حتى من خالق، وإرادته، وقدرته، حر، وحر!!.(أتدري لم خلق الموت)، من أجل الحرية المطلقة، من قيود الحياة، وأعرافها، وعلومها..

هل تمقت الطيب صالح، لأنه خلقك هكذا؟ وطلبت التخيير؟ من تسييره لك؟

خلقك، متوتر، غريب، ذكي، أم تصالحت مع قدرك، أم انك لا تعرف الطيب صالحا، أصلا، وتقسم “مثلنا”، أو أو مثل بعضنا، بأنك خلقت عفوا، أو صدفة، أو جدلا ماديا، ذكيا، كامنة فيه قوانين تطور فطري، فكنت أنت، وكانت البنى الفوقية “من ثقافة، وفن، ودين”، أم تفتق ذهنك، عن إله خلقك، أعثرت على اسمائه الحسنى؟ أم تخبطت في ضلال مبين؟ أأنت ملحد؟ خلقتك الصدف؟ أم لم تفكر في الأمر كالاشجار، واكتفيت بالرقص مع النسيم، نشوة الرقص مع نسيم الرؤى والضلال؟ اااه كم نفسي ان احشر انفي في حناياك، وأعرف حسك، وطريقة تفكيرك، وتصورك للإله…

أين مقابركم، حين قتلت جي موريس، أين دفنت؟ وأي معول حسى تراب الخيال على شعرها الاشقر؟ ام قبوركم كالذكريات؟ تدفن في قاع العقل الباطني؟ ولكن الذكريات قد تطفو؟ أهو بعث من موت؟ كعاذر؟.

هل رأيت قارئ في حياتك، قارئ يضع عالمك، موسم الهجرة إلى الشمال، في صدره، وهو راقد في قريته، تحت ظل شجرة نيم ضخمة، ويراقبك، (أريتني)، ولو على سبيل الأيمان، أن هناك من يراقبك، ولا تراه، كالملائكة “بالنسبة لنا”، أو الايقان بأن هناك حيوات خارج مدى حواسك، هل تعرف “عماد عركي، وجماع، أفنان، الشبلي “، أنهن يعرفونك تماما، يالها من جذر، يعرفون حزنك في المحاكمة، ويعرفون سروالك وقميصك المتسخ بحقول ود حامد، ويعرفون مصير حسنة زوجتك، والذي انت لا تعرفه، هل تعرف أن ود الريس قتلها؟ وأن الرواي، دوخته رائحتها، في مساء نبيل؟ مالكم كيف تحكمون يامستر سعيد.. هل أنت “ملحد” في وجودنا؟ أخاف أن ترسم وتخط كتاب، في أننا “أساطير الأولين”… لا عليك، للحياة مكر، وهي فعلا تستحق الإطراء،والذم، فلها ألف وجه، أنت لا تعرفني (كقارئ)، أنا أصغاث أحلام بالنسبة لك، بل بالنسبة لي، فأنا، مثلك لا أعرف نفسي، بل كل فجر اعرف جزء ساذج منها، فعلا ” اضغاث احلام، لك، ولي.

صديقي مصطفى..

يحزنني، أن أخبرك، أن حسنة بت محمود، قلتها ود الريس، وقتلته، والبركة فيكم، في زوجتك المخلصة، هل تصدق، بغتة ينتابني وسواس، انت (الرواي)، هناك مكر في الكتابة، ولكن من حضر غيابك، غيرك، والفصل الاخير من الملحمة، وحتى النجدة، النجدة، من سمعها غيرك؟ أأنت الرواي؟.

عزيزي مصطفى،…
كنت اود مناقشتك، في علاقة “اللذة بالعذاب”، مثل فض بكارة، آلام ممزوجة بشبق، كأنها البرزخ، في عوالم الانفعالات الغامضة، يكاد يصعب التميز، بين الألم واللذة، ثار خاطري هذا، وأنت تغرس الخنجر في صدر حين مورس، (تأمل معي في عرفنا الديني “ملاك الموت”، أنه فعل جمالي، يقوم به ملاك جميل)، وتدعك صدرها بصدرك، وهي تصرخ لك بوله، تعال معي، “لا تدعني وحدي”، فأحسست وأنا غارق في ثمالة القراءة الحقيقية، بأن الموت، والألم، والقتل، والرحيل، جزء من طقوس الحياة الخالدة، في الصور والجوهر، كلها مخاض أليم، لولادة جزلى، أيصدق تحليلي هذا، كقارئ، أم (القارئ، والشخوص الرواية)، بعيدة عن بعضها، بعد الثرى عن الثريا، “لاتدعني وحدي”، ألا تعني خيار الرحيل، عبر كوة الموت، لعالم أنضر أخر، تشي به المقابر، التي تزخرف الكرة الارضية، قرب الكنائيس، وقرب القرى، والبكري، وحمد النيل، ومقابر اليهود تحت كبري السجانة، ألا تحس معي بأن ذلك العالم، جديرة برؤيته الأعين الحديد، وإدراك أعرافه، وتقاليده، ولذا يحن له طلائع البشرية، بلا وجل، أعنى لغز وأحجية الموت؟، كأننا فيه نتحرر من سلطان الزمان والمكان؟ أليست هذه أعظم حرية؟ حتى الجاذبية الارضية، لا سلطان لها، فينا؟ آآآآه من لغز الموت.

ثم العزيزة، آن همند، أنت حكيت للرواي (وتقلص وجهها باللذة، ولكن ما يهمني أنا “كقارئ”، هذا الوصف الصغير المهم بالنسبة لي، وهو قولك (وتألق وجهها، ولمعت عيناها، ببريق خاطف، واستالطت نظرتها، وكأنها تنظر إلى، فتراني رمزا، ليس حقيقة)، تلك هي قمة النشوة، رؤية الناس كرموز، في منتهى اللذة الجنسية، والفكرية، (أن غيبت ذاتها، فلي بصر، يرى محاسنها في كل إنسان)، تلكم اللحيظة الصغيرة، يكون الرجل، والأنثى، (خالقين)، خرجا عن سطوة الزمان والمكان، فيدفق الرجل في الانثى ماء الحياة، ويتشكل طفل في رحم المرأة، وتتشكل جنة في خلد المرأة، وفردوس في جسم الرجل، أتصدقني؟ أم للحقيقة ألف وجه، وهي لحظة تدق، وتدق (أقصد لحظة الذروة)، حتى تصير “لازمن”، فناء في قلب الوقت القديم، براح للروح بلاقيد مكان، وسلسل زمان، ووتد خاطر، هذه اللحيظة (استغراق النشوة الجنسية)، هي هي (لحيظات الاحتضار)، واستلال الروح، من صدف الجسد، الموت/الميلاد، أيصدق كلامي هذا، مع عالم الآخر؟ عالم الأخيلة، والأمال؟ أم أنا أحمق من بعير، يامستر سعيد، ولكن وجه ” آن همند، وهي تراك، لغزاء، شبحا”، يجعل الأمر مقبولا، بنسبة ما أي قصيد (هذا العذراء حبلى، بإشتداد الطلق تبلى)…

مستر مصطفى..

اتعرف رأي الناقد فيك؟ كلهم كذبة؟ تأويل خاطي؟ ادوار سعيد؟ ورجاء النقاش؟ أأنت مريض بالتوحد؟ علاقتك بأمك؟ والغرب هي هي؟ حتى دومة ود حامد لم تتصالح معها؟ لا أكثر عليك، فالمقام مقام عزاء.

أم صرت تراه الآن؟ (كما يرى الشعراء والرسل أهل المقابر)، أحياء من نور، الموت لغز لنا، قد يكون الآن مرئي لك، قريب منك، وأنت ترى خالقك، كما نراه نحن بعد رفع برزخ الموت، ربما؟ وهنا اهنئك بموته، ورؤيته، ما اغرب امورنا، كلها طلاسم، وألغاز،. كالمرأة، أهي خالقة؟ وتوارت في ثوب انوثتها العجيبة؟ وتركت لنا احابيل الشرك بها؟ أم وهم ما أقول؟.

ألهذا قتلت “خالقك”؟ تلكم النساء في لندن؟ بحث عن معنى حرية خفي، فيك؟ لا تريد أن تكون كالوتد؟ في مكان وزمان معين؟ حر، وحر؟.

تقبل تحياتي، وشوقي، وأحيائي لك، كما اريد، فمجرد أن افتح كتاب “الموسم”، يطل وجهك الوسيم الحزين، كما تطل شخوص أليس في بلاد العجائب، من العدم، ففي القراءة، وانا اتصفح “الموسم”، أحييك بعشب خيالي، ولكن سؤالي” أين تكون حين اغلق الكتاب وأمضي لشأني؟ ومن عجب تتنظرني الحكاية في الصحفة التي تركتها فيها، ااااه ليت الحياة تنتظرنا، حين نغيب عنها، مثل حكايات الكتب، لأعدت أمي، قبل موتها، أم التحدي الأكبر، يجب ان ترى أمك بعد موتها، ذلكم تحدي الحياة الكبير، منذ خقلت “سلام عليكم أهل البقيع”.

والسلام عليكم، ورحمة الله، وبركاته،،،

عبدالغني كرم الله
جنوب الخرطوم
حي الأزهري

ملاحظة:
• رسالة إلى احد واشهر ابطال حكايات الطيب صالح “مصطفى سعيد”، بطل موسم الهجرة للشمال.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.