آخر الأخبار
The news is by your side.

راحة البال لا تُشْترى بالمال … بقلم: جعفر عباس

راحة البال لا تُشْترى بالمال … بقلم: جعفر عباس

لاحظ طبيب أمريكي في منتصف القرن الماضي ان سكان قرية روسيتو في ولاية بنسلفانيا لا يعرفون النوبات القلبية والجلطات، رغم انهم مثل بقية الأمريكان يدخنون ويشربون البيرة ويأكلون اللحوم الدهينة.

وبعد دراسات استمرت حينا من الدهر تم التوصل الى ان اهل القرية محصنون من تلك الأمراض لأنهم متكاتفون ومتكافلون، فقد كانوا جميعا مهاجرين من نفس القرية “روسيتو” في إيطاليا، وحافظوا على علاقات الجوار والمحبة والتواصل مع بعضهم البعض، ثم تغير الحال في السنين اللاحقة بعد أن “تأمرك” أهل القرية وصاروا يلهثون مثل بقية الأمريكان وراء المال والجاه فصاروا متنافسين شرسين فارتفعت بينهم معدلات امراض القلب.

وتفيد دراسات علمية رصينة بأن جزيرتي سكان ساردينيا في إيطاليا وأوكيناوا في اليابان تضمان أكبر عدد من المعمرين في العالم، وأن الأمر لا يتعلق بالجينات أو المورثات إلا بدرجة ضئيلة، وإن “الرّك والكلام” على التغذية وأسلوب الحياة، والقاسم المشترك بين عواجيز سردينيا وأوكيناوا أنهم يعيشون في بيئات ريفية ولا يشربون الخمر ولا يدخنون.

ولكن أهم ملاحظة في الدراسة هي أنهم جميعا يحظون برعاية واهتمام الأقارب والأصدقاء، واستنتج الباحثون أن مثل تلك الرعاية توفر للمتقدمين في السن راحة البال، التي هي أقوى عقار لتنشيط أنظمة المناعة وتحصين الانسان ضد التوتر والشد العصبي والقلق والإحساس بالوحدة، وكان الدليل القاطع على صحة ذلك الاستنتاج هو أن أهل سردينيا وأوكيناوا الذين يتنقلون إلى المدن أو يجارون أساليب الحياة العصرية السريعة لا يعيشون ما بعد سن الخامسة والستين حتى لو كانوا أحفاد معمرين.

ومن الملاحظات المهمة في تلك الدراسات أن الثروة لا تلعب دورا في إطالة العمر، وأن راحة البال هي العنصر المهم للوقاية من كثير من الأمراض النفسية وارتفاع ضغط الدم والسكري والقرحة واضطرابات القلب والاضطرابات الهضمية.

ومتوسط عمر الإنسان في الدول العربية الغنية كذا وستين سنة، ولكن ما إن يدخل إنسان في السبعين حتى يقول له أو لها “الأولاد”: يا والد/ يا والدة خلاص سويتو اللي عليكم ولا داعي للعمل والحركة… الزم سجادة الصلاة ونحن لن نقصر في تلبية طلباتك! بعبارة أخرى نقول لذلك الشخص: راحت عليك واستعد لملاقاة ربك قريبا، نفعل ذلك ونحن نعلم أن الواحد منا مطالب بالاستعداد لملاقاة ربه منذ أن يبلغ الرشد وكمال العقل، ولكن وبوضعه في الأرشيف فإننا نقول له إن أيامه باتت معدودة وأن عليه أن يعمل فقط لآخرته، وأن ينسى أن عليه أن يعيش لدنياه كأنه يعيش أبدا، يعني نعامله كأنه سلعة انتهت صلاحيتها.

ومثل غيري فإنني أتمنى أن أشهد زواج أحفادي، ولكنني أعاني ارتفاع ضغط الدم الناجم عن التوتر… أكون في سيارتي في الشارع فيحاول بعضهم قتلي أو التحرش بي لأقتلهم… نشرات الأخبار تجعل الدم يتدفق عبر منخاري… سياسيون سيسببون لي الفشل الكلوي، أما المطربات ***** فيعطينني الإحساس بأنني انتمي إلى عصر آخر وإنني أعيش في الزمن بدل الضائع

والشاهد: من يعيشون متكاتفين ومتآلفين في أجواء من الإلفة والحب يكونون أفضل صحة من غيرهم، ويا حليلك يا بلدنا ويا حليلكم يا أهلنا.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.