آخر الأخبار
The news is by your side.

رؤياي ورأي الآن … بقلم: سعد محمد عبدالله .. عودة جنوب السودان للسودان

رؤياي ورأي الآن … بقلم: سعد محمد عبدالله .. عودة جنوب السودان للسودان

طالعت عناوين الصحف السودانية الصادرة صباح يوم الجمعة 29 يوليو 2019م حيث ورد خبر في صحيفة الإنتباهة عن عريضة تقدم بها عدد من الشخصيات للمحكمة الدستورية بهدف طعن إستقلال جنوب السودان عن السودان وإعتبار الإستفتاء الذي قدرت نتائجه النهائية لصالح إستقلال جنوب السودان بنسبة 98.83% من مجمل أصوات الناخبين آنذاك، وبعد إنتهاء الإستفتاء وإعلان النتائج إعترفت الهيئات الدولية والحكومات بميلاد الدولة الجديدة، هذا واقع رغم مرارته إلا أن نكرانه لا يفيد ولا يقدم ولا يؤخر شيئ فيما كان، فقد حدث ما حدث وليس أمامنا إلا التفكير فيما نحن فيه بعد إنقسام السودان، وهنا الأسئلة المنطقية والموضوعية التي يجب أن تطرح وتناقش بصراحة حول مسألة جنوب السودان نقدمها فيما يلي؟
1. لماذا إختار الجنوبيين الإنفصال عن دولة السودان؟
2. من المسؤل عن إفشال مساعي الوحدة الجاذبة؟
3. كيف يعود جنوب السودان للسودان؟
هذه الأسئلة تحتاج لنقاش جاد من كافة السودانيين والجنوب سودانيين وإعتراف الجميع بجزور المشكلة والأخطاء التاريخية التي أدت لإنقسام البلاد، فالوحدة لا تكون بفرض قرارات من المحاكم والسلطات العليا إنما تكون بقيم السلام والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والمحبة والتسامح وقبول العيش المشترك من أجل مستقبل الجميع، ولو كانت تلك الأشياء متوفرة لكانت جوبا بين أحضان الخرطوم، والعريضة التي وضعت أمام المحكمة الدستورية للمطالبة ببطلان إستقلال الجنوب تطعن بشكل مباشر وصريح في حقوق وحريات الجنوبيين وكفاحهم التاريخي ضد سياسات المركز العنصري الإقصائي الذي مارس كل أنواع التهميش الثقافي والإجتماعي والإبادة الجماعية بحق الجنوبيين، والمفارقة التي تثير تعجب العقل أن صحيفة الإنتباهة التي أعلنت عن خبر تلك العريضة ذاتها التي إستغلها الكاتب العنصري الطيب مصطفى لمهاجمة الجنوبيين بخطاب عنصري وكلمات خادشة للشعور العام، وفي الوقت نفسه كنت أشاهد علي قناة الـBBC فلم وثائقي يروي قصص ومشاهد حروب جنوب السودان والإبادات الجماعية هناك، فكيف للعقل السوي أن يستوعب فكرة معالجة جرح الجنوب النازف بالتشكيك في قرارات وخيارات أهل الجنوب بدلا عن الإعتذار لهم ولكل السودانيين المظلومين، وكيف نستمر بتعميق الجرح أكثر فأكثر من خلال خطاب الوصاية، فالإستعلاء السياسي والثقافي والإستلاب الحقوقي والقهر العرقي وتهميش الآخر وفرض الرأي والقرار كانت أسباب مباشرة أدت لجز السودان وإنشطاره إلي جزئين، وذات السلوك أشعل الحروب في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور ووضع شعب السودان في محكات تاريخية قاتلة، لذلك مع قيام ثورة ديسمبر المجيدة وجب علينا التخلص من إرث السودان القديم في سلوكنا العام والخاص، ووجب علينا أيضا أن ننظر لقضايانا الشائكة والمتشابكة بعيون الواقع والحقيقة، ويجب أن نترك النهج الذي شوه التاريخ ودمر شعبنا، وعليه سننتظر تصريحات الذين قدموا تلك العريضة للمحكمة الدستورية لنتعرف علي دوافعهم ومبرراتهم ومراميهم.

إن جدلية الوحدة والإنفصال علي طول وعرض التاريخ السوداني لم تكن مرتبطة بموقع جغرافي معين ولا بجنس او لون محدد فقط، إنما الأمور متداخلة وتتصل في نهايتها بفئات فاسدة ومستبدة قامت بسلب كافة الحقوق السياسية والمدنية منذ عشرات السنين، وبالتحديد نقصد سلطات المركز المسيطرة علي مفاصل الدولة وثرواتها وتستثمر حياة الناس في الحروب، وتلك السلطات ظلت تمارس أبشع التهميش علي مكونات هذا المجتمع، وكانت تطبق سياسات إقتصادية قاهرة ومفقرة للريف الذي يمثل مصدر الإنتاج في مجالات عديدة، وظل المركز يقهر المواطنيين ويتحكم في حياة المقهورين بأدوات أمنية فتاكة ومدمرة أشعرت المهمشين حقا بغياب دولة المواطنة والديمقراطية والقانون المنصف، فبعد خروج الولايات الجنوبية العشرة التي قدرت مساحتها بحوالي (619745) كلم ويقطنها عدد (8,260,490) مواطن تقريبا خرجت من دولة السودان بكل أسف لتشكل دولة جنوب السودان، بعدها لم يعطي المركز السياسي والإقتصادي مهل إستجمام او مراجعة الأخطاء التي تسببت في تلك الكارثة الوطنية والتاريخية، وقتها إحتفل بعض الإسلاميين العنصريين فرحا بنكبة السودان كنكاية بدعاة الوحدة، وما لبسنا في حيرتنا وحزننا سوى أيام معدودة حتى عادة الحرب كالسيل القديم تضرب أطراف البلاد من دارفور إلي جنوب كردفان والنيل الأزرق إضافة لنزاعات متقطعة مع دولة جنوب السودان خاصة في أبيي وهجليج، وتجدد تلك الحروب يوضح أن مسألة إنفصال الجنوب كانت بسبب ساسة الخرطوم وسياساتهم الهدامة وخطابهم العنصري، وكل من زار الجنوب من أبناء الشمال والشرق والغرب والوسط سيدرك أن ذلك الشعب العظيم ظلم وهمش ورغم مرارات الحروب ما زال الود جار بينهم وأهلهم السودانيين، فالوشائج الإجتماعية والثقافية لم تنهتي بفك إرتباط دولة جنوب السودان بدولة السودان، وما زال الصحفي القدير دينق أكوج يناجي السودان بقلمه والأستاذ إبراهيم الماظ إبن البلدين يقاوم من أجل الشعبين والأستاذ ياسر عرمان يبحث عن حل لدولتين متحدتين، وما زالت أصوات الفنانيين محمود عبدالعزيز والنور الجيلاني تشجي مسامع السودانيين في الضفتين باغنياتهم الجميلة للحبيبة جوبا، فقد كانت العلاقات طيبة بين الشعبين وأمتن من صخور جبال “الأماتونج” التي أخذت من السودانيين قائد السلام د. جون قرنق دي مبيور الذي رحل إلي عالم الخلود، وكانت وصيت القائد جون قرنق مقولته الشهيرة والخالدة في نفوس وعقول الناس “فلنتقبل أنفسنا كسودانيين أولا، وقبل كل شيئ العروبة لا تستطيع توحيدنا، الأفرقانية المضادة للعروبة لا تستطيع توحيدنا، الإسلام لا يستطيع توحيدنا، المسيحية لا تستطيع توحيدنا، لكن السودانوية تستطيع توحيدنا” وهذه المقولة الملهمة تحمل خلاصة القيم والمبادئ التي قامت عليها أعمدت رؤية السودان الجديد، فلا يمكن بناء سودان حر وموحد إلا بطين الحرية والسلام والديمقراطية والمواطنة بلا تمييز، وهذه حقائق ملازمة لحركة التاريخ ولا تنفصل عن واقع اليوم، ولكن السودان يخطوا الآن نحو حقبة جديدة ستكون مدخل لمعالجة التشوهات القديمة للعبور إلي الدولة المستقبلية الموحدة والناهضة بالثورة المفاهيمية المحررة للسياسة والمقوية للإقتصاد لتتخطى البلاد خطط ومؤامرات الثورة المضادة المحاكة من قبل أنصار تمكين الدولة العميقة ضد تطلعات الثوار والقوى الوطنية الديمقراطية.

هناك قلق كبير جدا مسيطر علي مجالس المثقفين والسياسيين والحقوقيين السودانيين والجنوب سودانيين فيما يخص موضوع وحدة السودان إذا أمكن، وهذا القلق عام ومستمر لم يتوقف بعد الذي حدث في جنوب بلادنا وفقا لخارطة ما قبل 2011م وهذا قد يفتح نقاش جاد ومثمر حول كيفية عودة جنوب السودان للسودان، وهذا النقاش جار علي المستوى الرسمي والشعبي في كلتا تلك الدولتين الجارتين، فالوحدة مع جنوب السودان ممكنة، فقد إنقسمت دولة ألمانيا من قبل ثم توحدت وكذلك اليمن وغيرها من دول العالم، وهذا مشجع للسودانيين لكي يتخطوا الحواجز ويطرحوا صيغة جديدة توحد السودان وتحقق السلام والديمقراطية وبعد ذلك يمكن إنشاء روابط إتحادية بين جنوب السودان والسودان مع ضمان إستقلالية الدولتين، فنظام الحكم في السابق لم يلبي تطلعات أقاليم كثيرة غارقة في التهميش مما دفع بعض فصائل المقاومة للمطالبة بحق تقرير المصير وبالتالي الإنفصال عن السودان، ويعتبر هذا الخطاب الإنفصالي المستمر صعودا وهبوطا من تجليات سياسيات المركز العنصري، وبالطبع هو لا يحل قضية السودانيين المتمثلة في سلام شامل وديمقراطية كاملة وتنمية متوازنة، لذلك يجب أن يتم تطبيق الحكم الذاتي الذي يسمح لكل الأقاليم المهمشة باختيار حكومات وتشريعات تناسب طبائع مجتمعاتها وتعزز فرص السلام والتسامح وإستقرار الشعوب، فالحكم الذاتي هو الذي طالب به الجنوبيين سابقا ورفضته أول حكومة بعد الإستقلال، وإستمر الرفض مع الحروب حتى غادر الجنوب الحبيب، ولن يعود الجنوبيين بشروط ما قبل الإستقلال بل بمشروع إتحاد الدولتين المستقلتين، ووحدة السودان أولا ستخدم خط إتحاد الدولتين وتتوقف علي مدى صدق القوى السياسية والمدنية والمهنية والحركات الثورية المسلحة في تحقيق السلام والديمقراطية ودولة المواطنة المتساوية، فالفرصة التي وفرت بثورة ديسمبر المجيدة لا تتكرر أبدا لأنها جوهرة غالية الثمن، ونحن اليوم علي أعتاب إستقلال جديد لسودان خارج من الإستعمار الإسلاموعسكري ليدخل عهد جديد، فاذا كانت الخطيئة التاريخية للمستعمر الإنجليزي تطبيقه سياسات المناطق المقفولة في جنوب السودان فان خطايا كل الأنظمة الدكتاتورية بما فيها نظام الإنقاذيين الإنقلابيين سيرهم علي نهج الإستعمار الخارجي في تعاطيهم مع قضية الجنوب ومناطق الحروب الملتهبة بعد وقوع الإنفصال، وكيما نتجاوز تلك المشكلات لا بد من وضع أسس جديدة للوحدة تقوم علي الإعتراف بالتنوع التاريخي والمعاصر وتعالج مسببات الحروب في كل أرجاء السودان، ولا بد من أن نتبنى مشاريع تنموية ترفع درجات الإنتاج الريفي والمدني لتحسين الدخل الفردي والجماعي وتقوية الإقتصاد الوطني، ولا يحدث ذلك إلا بتخطي سياسات تفقير الريف وتريف المدينة وبناء منظومة سياسية وإقتصادية جديدة تحقق العدالة والمساواة للمواطنيين السودانيين، وعندها سيكون جنوب السودان قريب من السودان.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.