آخر الأخبار
The news is by your side.

درجات الإيمان: الصبر

درجات الإيمان: الصبر

بقلم: عمرو عبده
.
أريد أن اناقش معكم اليوم عبر هذا المقال عن أمر أعتبره من درجات الإيمان… وهو الصبر… وأنا أعتبره من درجات الإيمان العظيمة وبدونها قد لا يصح الإيمان… والله تعالى أعلم…
.
الصبر هو القدرة على تحمل الصعاب والمشاكل بروح هادئة وثبات ، وعدم الإنهزام أو الاستسلام للظروف الصعبة… يعتبر الصبر من الصفات الإيجابية التي تساعد الإنسان على التعامل مع التحديات والصعوبات في الحياة والمقاومة أمامها ، ويعد من الأسس الرئيسية في تحقيق النجاح والتفوق…
.
وقال تعالى…
.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
.
وفي هذه الآيات المُباركة رب العرش يبلغنا أن من لا يعيير للصبر مكانه فهو حتماً خاسر… وأن الصبر كالحق لا يجب أن ينقطع من سلوك وتصرف أي مسلم موحد بالله…
.
وفي هذه الآية التالية الدعوة للصبر على البلاء…
.
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}
.
الجزء الأول من هذه الآية تختصر لنا المقصد الحقيقي لما يتعلق بالصبر… أي الصبر هذا يُصاحبه معونة وتوفيق من الله… وأن من يصبر فقد آمن بقدر الله وبمشيئته…
.
فإن الصبر على إبتلاء رب العالمين أمر محمود ويبين مدى إيمان الإنسان… وأفضل مثال على ذلك هو صبر النبي “أيوب” عليه السلام ففي قصته مثال ذكره لنا رب السماوات والأرض لبيّن لنا كيف يكون الصبر وتحمل تبعاته أمراً صعباً للغاية ففي حالة هذا النبي صبر على عدة مضار… الأولى هي الصبر على فقد المال والجاه… ثم الثانية الصبر على إبتلاء موت الأبناء… ثم الثالثة الصبر على إبتلاء الجسد أي المرض…
.
ثم رابعاً وأخيراً الصبر على معاناة الأقربين عندما لا يجد ما يقدمه أو يساعدهم به… فهذا العزم الذي أبداه النبي “أيوب” لا يقدر عليه أحد ولكن الله سُبحانه وتعالى أراد أن يبين لنا أن الإنسان إن وضع إعتماده كله على الله يستطيع أن يطوع عقله ونفسه وبدنه لتحمل عواقب هذا الصبر والتي طبعاً تكون بمعونة من رب العالمين… وأيضاً في قصة النبي “أيوب” أن مكافأة صبره حدثت بالدنيا قبل الآخرة بأن أعاد له الرزّاق كل ما فقده بل وتم مضاعفة ما كان عنده من الخير وهذا تبيان واضح للثواب الكبير الذي ينتظر الصابرين…
.
وفي آية أخرى عن الصبر…
.
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
.
فالمعنى الأساسي هنا أن الله مع الصابرين… وهذا أمر كبير وميزة لكل من يتخذ الصبر سبيلاً… والصبر باب طاعة… وعند البلاء يجب أن نستحضر هذا الصبر ونتمسك به…
.
أما هذه الآية…
.
{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
.
توضح أن العبادات فيها صبر… ففسر بعض السلف هذه الآية بأنها تختص بالصلاة إلحاقاً بالآية التي قبلها بالحث على إقامة الصلاة طرفي النهار… والمعنى الأهم الصبر جاء هنا في موضع مشترك مع الصلاة وكذلك لها أجر المُحسنين…
.
ومن وصايا “لقمان” لابنه…
.
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}
.
سُبحان الله… أرجوكم يا أصدقائي أن تقرأوا هذه الآية مرة أخرى… ومرة أخرى… فهي منهاج كامل وفيه حِكمة بالغة في خطوات العبادة… فالصبر في هذه الآية الكريمة إعتبرت عِماداً رئيسياً من أعمدة هذا الدين الإسلامي الحنيف… وهذه الآية تُعلمنا أننا يجب أن نُربي أبنائنا على الصبر… فهذه الصفة يجب أن يتم زرعها في عقول الأبناء منذ الصغر فهي صفة يتم تربيتها وتنشأتها… أي أن الأب والأم مسئولين عن تعليم أطفالهم الصبر وتدريبهم على تحمل مشاقه… وإفهامهم بشكل واضح أن الصبر من عزم الأمور… وأنه درجة مطلوبة من درجات الإيمان…
.
{وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}
.
وهنا جاء وصف آخر للصبر وهو الصبر على القول… رب العزة ذو الجلال والإكرام يخبر الرسول صل الله عليه وسلم أن لا يعير بالاً ولا يلتفت لقول المشركين الضالين والإعراض عن المكذبين… مع التوجيه بعدم الإنتقام من مثل هؤلاء… وهذه الآية تبيّن لنا أن الصبر على الكلام أو القول من الضالين وهجرهم هو أمر مطلوب…
.
وذُكر في سور الرعد هذه الآية…
.
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
.
أي أن الصبر ليكون صحيحاً سليماً لابد له أن يكون فقط من أجل الله وحده… وهذا هو الصبر الوحيد الذي له الثواب الأبدي ويأخذ حامله لجنات عدن… حيث فسر الأولين معنى الدار بأنها جنات عدن… جنة الخالدين التي لها خمسة آلاف باب يدخلها الأنبياء والشهداء والصالحين… وقال بعض المفسرين الأولين أن جنات عدن هي مدينة الجنة حيث يكون فيها الرُسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهُدى…
.
كما يجب أن نفهم جيداً يا أصدقائي أن الصبر على أمور دنيوية بحتة ليس فيها إرضاء لله لا يُعتد صبراً بالله… كمثال من يصبر على إهانة من صاحب العمل أو مديره خشية من عواقب مادية هذا لا يقع تحت باب الصبر الذي نتحدث عنه… كذلك من يصبر عن الظلم خوفاً من عقوبة من يظلمه لا يُعتبر صبراً بالله… أو من يصبر على حاكم ظالم أو مسئول يسرق قوت المساكين ويعتدي على الضعفاء لا يُعتبر صبراً بالله… كذلك من يسكت عن كلمة الحق ويحجبها لا يُعتبر ذلك صبراً بالله… لابد أن نفرق بين الصبر الحقيقي والخضوع أو الإستسلام…
.
الصبر مهما قلت فيه فلن يكفيني مقال واحد لكي أذكر فوائده أو أهميته… ففيه جزء كبير من الإيمان ولهذا لا يمكن أن نطلق على شخص ما بأنه مؤمن دون أن يكون من الصابرين… فالصبر لوجه الله جهاد والتمسك به واجب شرعي وبه يصح الإيمان وهو الطريق إلى الخلاص…
.
{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}

صَدَق الْلَّه الْعَظِيْم
.
وسُنة نبينا الأكرم عليه الصلاة والسلام فيها مواقف عديدة عن الصبر وأنواعه… ويكفينا أن نذكر حديثاً واحداً من الأحاديث العديدة التي ذكرها…
.
روى الإمام مسلم أن النبي قال… “عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيراً لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيراً لهُ”
.
نسأل الله بأسمه الأعظم أن نكون جميعاً من الصابرين الفائزين… وأن لا يُبتلينا إلا بما نستطيع تحمُله… وأن يعفو ويغفر لنا إسرافنا في أمورنا… وأن يُنعم علينا وعلى آبائنا وأهلنا أجمعين بالرحمات والطيبات وأن يجعل مثوانا جنات الخُلد… آمين…
.
.
حياكم الله

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.