آخر الأخبار
The news is by your side.

دارفور.. ضحايا الأرض المحروقة..! (3)

دارفور.. ضحايا الأرض المحروقة..! (3)

شرق تشاد: شمائل النور
قبل غروب شمس الإثنين؛ الثاني من مارس، خرجنا من الخرطوم في طريقنا إلى دارفور براً، كنا مثقلين برهق أزمات صفوف الخبز، الوقود والمواصلات، وفي ظن كثيرين إنها أعلى مراتب المعاناة التي ليس بعدها إلا تلاشي الأمل. أن تقضي الساعات الطوال في انتظار خبز أو وقود أو حتى وسيلة مواصلات تقلك إلى مكان عملك أو تعيدك لمنزلك، لكن على بعد ما يقرب (2000) كلم غرباً باتجاه تشاد حيث معسكرات اللاجئين الذين فروا من ويلات حرب دارفور. عندها شاهدنا بأم أعيننا أن تلك الصفوف التي خلفناها وراء ظهورنا كانت أعلى مراتب الرفاهية.
نجازف بس.!
تكاد الإجابة تكون واحدة حينما تطرح السؤال عن الغذاء في المعسكرات؛ يأتيك الرد بحياء وابتسامة “نجازف بس”، ومن اتجاه آخر يأتيك صوت رجل مقهور “في دارفور كان عيب تقول عايزين أكل”.
خلال الـ (15) شهراً الماضية برزت قضية الغذاء والمعونات الإنسانية على السطح بشكل مقلق، بعد توقف المنظمات الإنسانية التي كانت تقدم الدعم لمعسكرات اللاجئين السودانيين بشرق تشاد، ووفقاً للاجئين فقد لجأت المنظمات في الآونة الأخيرة إلى آلية لتصنيف اللاجئين (لاجئ غني، متوسط الدخل وفقير) وعلى هذا الأساس تقدم المنظمات دعمها؛ يتناقص، يتكاثر وينعدم تماماً وفقاً لمؤشر التصنيف، ورفض اللاجئون باجماع هذا التصنيف معتبرين أن “لاجئ” كافية لتقديم العون، ولا يوجد بالنسبة لهم “لاجئ غني”. وخلق هذا التصنيف توتراً وتمييزاً أدى في أحد المعسكرات لحوادث قتل ليتحول التصنيف نفسه إلى مهدد أمني وسط المشبعين بمرارات الحرب والدم، ولا توجد مصادر دخل للاجئين باستثناء محاولات متواضعة لدر المال عبر أعمال يومية منهكة قليلة الأجر، وتنشط النساء في صناعة الطوب وأعمال البنيان في بعض الأحيان لكن حتى هذه الأعمال الموسمية تُجبر فيها العاملات بأخذ قدر ضئيل من الأرباح لأنهن لا يملكن الأرض، ومقابل كل “ألف” طوبة يحوز مالك الأرض على “200” طوبة، وتحتاج صناعة ألف طوبة لأسبوعين وفقاً ليحيى آدم؛ أحد شيوخ أحياء معسكر “بريجن”، وتسير النساء العاملات مسافة كيلومتر ونصف لجلب المياه على رؤوسهن، وبجانب صناعة الطوب تتوفر فرص ضئيلة للزراعة في أراضي محدودة حيث طبيعة المنطقة الصحراوية تعاني نقص الماء، ويقتسم صاحب الأرض الإنتاج مع المزارع، ويمثل “الذرة، الدخن” غذاءً رئيساً عطفاً على “الكَوَل” وهو وجبة شعبية ولا تتوفر اللحوم والألبان بتاتاً، وفي السابق كانت المنظمات تقدم “أرز، لوبيا/ دقيق، زيت وسكر” قبل أن تتوقف عن تقديم المعونات.
رفض جماعي للتصنيف.!
ويقول من تحدثنا إليهم أن هناك اجماعاً بين المعسكرات لرفض المعونات القائمة على أساس التصنيف، وهذا الوضع الإنساني خلّف واقعاً مزرياً تمثل في نقص حاد في الغذاء الأمر الذي انعكس مباشرة في المراكز الصحية، حيث يتفشى مرض سوء التغذية والأنيميا بشكل لافت، ويقول شريف يوسف الذي يعمل ممرضاً بمعسكر “كننغو” إن الممرضين يسيِّرون العمل في المركز الصحي وأن الحاجة مستمرة للدواء، وذات الوضع يسود بقية المراكز الطبية التي تعاني نقصاً في الكادر الطبي، وتزايدت أمراض الطفولة في أعقاب توقف المنظمات الإنسانية، ويتردد الأطفال والنساء بكثرة على المراكز الطبية وتعاني النساء نقصاناً في العناية الطبية الملازمة للحمل والولادة ما خلف وفيات وسط الأمهات ومخاطر صحية.
وكما نالت النساء نصيباً كبيراً في حرب دارفور على رأسها انتهاكات الحروب المتمثلة في الاغتصابات، تلاحق الاغتصابات نساء دارفور في معسكرات اللجوء.
الاغتصاب يلاحق فتيات دارفور بمعسكرات اللجوء.!
بعد توقف المنظمات اضطرت الفتيات للقيام بعمليات الاحتطاب التي كانت توفرها المنظمات في السابق وفقاً لفائزة التي تحدثت إلينا عن أوضاع النساء، وخلال عمليات الاحتطاب تتعرض الفتيات لحوادث اغتصاب متكررة، هذه الظاهرة الحديثة باتت مصدر قلق لسكان المعسكرات، ويمثل الحطب مصدر الوقود الرئيسي للطهي، عطفاً على تربح ضئيل لبعض النساء من الاحتطاب، ولا توجد إحصائيات للاغتصاب وسط الفتيات أثناء الاحتطاب لإصرار الضحايا على الصمت والتكتم، وتقول فائزة التي تحدثت إلينا في معسكر “قاقا” إن ظاهرة الاغتصاب أثناء الاحتطاب تؤرق نساء وفتيات المعسكرات اللاتي لم ينجين من الاغتصاب داخل وطنهن، وتبدي “أمونة اسحق” قلقاً إزاء تكتم الضحايا على الاغتصاب وفقدانهن الحق في الحصول على العناية الطبية والنفسية.
واحدة من النساء اللائي تحدثنا إليها حدثتنا عن حادثة اغتصاب إبنتها ذات الـ “17” عاماً خلال رحلة احتطاب، ولم يتوقف الألم حد الانتهاك الصارخ، فقد حملت الطفلة اليافعة جنيناً نتيجة الاغتصاب، بعد شهور معدودة، وجدت الطفلة نفسها أماً لطفلة، سألنا جدة الطفلة الصغيرة ما إن كانت قد فكرت في الإجهاض، ردت بحزم “لا لا حرام” وحينما سألناها عن نسب الطفلة قالت “تنسب لأي اسم افتراضي” وإن كانت المغتصبة متزوجة يُنسب الجنين لزوجها مباشرة، ويبدو أن حالات الاغتصاب المتكررة والملازمة لكثير من فتيات دارفور فرضت واقعاً جديداً في التعامل مع الأمر حال حدوث حمل.
وعلى مدار سنوات الحرب تعرضت النساء في دارفور لاغتصابات متكررة، حتى تحولت لأبرز انتهاكات وجرائم الحرب، وارتبطت حرب دارفور في أذهان العالمين بالاغتصابات والإبادة الجماعية وحرق القرى، غير أن الاغتصابات في معسكرات اللجوء ذو شجون ومرارة بالغة، فالمكان الذي ظنت النساء أنه مأمن أصبح اليوم مرعباً.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.