آخر الأخبار
The news is by your side.

خريف ( السنونو ) … بقلم: عطيه بادى

خريف ( السنونو ) … بقلم: عطيه بادى

محطة الحافلات تعج بالغادين والرائحين ، الكل يحمل حاله على وجهه ، تلك المنتشية المزدانة بلا شك هى فى طريقها إلى زوجها فى مدينة أخرى ، وأولئك النسوة الخمس الحزينات مؤكد فى طريقهن للعزاء فى عزيز عليهن ، وذاك الذى يمازح الكومسنجية ما من شك أنه فى طريقه إلى أسرته بعد إنقطاع طال .. وهذا وهذى وذاك وذيك والكل يحمل عنوانه على وجهه ..

إلا هى …

إنزوت بعيدا فى ركن من أركان الصالة ….

لا شئ يوحى بشئ على وجهها …

لا حزن ولا فرح لا شوق ولا إحساس فراق .. لا سعادة ولا كآبة …

تقرفصت هناك كما تمثال إنتصب فى تلك الزاوية من صالة المغادرين ..

حتى جمالها الباذخ لم يجلب لها المتطفلين المراهقين .. تبدو كقطعة من الثلج أو حجر سقط من أعلى الجبل واستقر بعيدا عن جسمه …

إستغليت إنشغالها بهاتفها لأتفحصها قطعة قطعة …

تبدو وسطية بين زنجيتها وعروبتها …

شعر بلون الأبنوس وبخصلات سعف النخيل …

عينان جمعت بين الشمال والجنوب والليل والنهار ..

وجه يبدو كملمس المانجو وكطعم التمور …

تلتان صعبتا على الصدر فأطلقهما تسبحان أمامه وتشرئبان نحو المجهول ..

وخصر نما على كرة أرضية من تلك التى توضع على المنتزهات …

وأرجل كما جذوع أشجار البان المرتوية …..

ربما هى فى بدايات عشرينياتها ……

ترتدى بنطال وبلوزة عليها بدلة وتعتمر وشاحا يتناسق تماما وزيها …

لا أنكر فقد كنت الوحيد فى تلك الصالة المشغول بها ، لهذا وجدتنى أذهب إلى شباك التذاكر لأبتاع تذكرتين ثم توجهت نحوها ….

ـ عفواً أختى هل أنت متوجهة إلى مدينة ( …….. )

نظرت لى من أسفل إلى أعلى حتى إستقرت عيناها على دهشتى وأجابت : نعم هل هناك شئ ؟؟

ـ لا ليس هناك من شئ .. فقط أنا قمت بشراء تذكرتين لنفس وجهتك حيث من المفترض أن تلحق بى شقيقتى لكنها تواً هاتفتنى معتذرة عن السفر وقد رفضت شركة المواصلات إرجاع قيمتها ….

ـ إبتسمت وقالت لى هاتها ….

رميت لها بالتذكرة وانسحبت بسرعة بينما هى مشغولة بعد ثمن التذكرة .

وفى الرحلة كانت لجانبى …

نفسها قطعة الثلج أو الحجر الذى نفضه جبله …

ومن أيام المراهقة كنت أجيد فن إثارة الفتيات …..

لم تمض بضع دقائق ونحن فى رحلتنا حتى بدأ وجهها يتحول من حال الجمود إلى حال السيولة من الحالة الحجرية إلى الحالة الوردية …..

ثم بدأت معها أطراف الحديث …..

وحكيت لها كاذبا عن نفسى وحكت لى صادقة عن نفسها ….

وكانت كنزى الذى أبحث عنه .. شهادة عربية ولدت وترعرعت فى مغتربات أبواها ثم عادت مؤخرا لدراستها الجامعية بالوطن وهى الآن فى زيارة لجدتها منتهزة فرصة العطلة الجامعية …..

الفضاء أمامنا ملبد بالغيوم فنحن فى فصل الخريف …

وإرهاصات أمطار تبدو على الأفق …..

قالت لى : إنى أخاف البروق والرعود والأمطار ….

وتمنيت لحظتها أن ترسل السماء كلما تخافه .. فقد بدأ وجهها يحمل إحساسا وإن كان إحساس خوف …

ثم التصقنا أكثر ببعضنا البعض …

كان المساء قد حل عندما توقفت حافلتنا أمام واد شرس إقتلع قشرة الاسفلت الضعيفة كما تقتلع الجقور الجسور ……

ثم تمردت السماء …..

وكانت عند كل دوى رعد أو ومضة برق تلتصق بى أكثر وتسقط على حجرى ..

فإذا ما هطل المطر كانت قد إستلقت تماما على ….

وعبثت يداى بكل جغرافية جسدها …

فجأة نهضت من حجرى بعيون ناعسة وقد غار بؤبؤها بعيدا وقالت : لننزل من الحافلة ، قلت : لكن الطبيعة فى أوج هيجانها ؟ قالت : ما عدت أخافها …..

وترجلنا …………..

ومن يومها ونحن نجوب الوطن شرقا وغربا جنوبا وشمالا فى مواسم الخريف مع عصافير السنونو..

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.