آخر الأخبار
The news is by your side.

حمدوك داهية السياسة السودانية

حمدوك داهية السياسة السودانية

بقلم: د. محمد عبدالله كارا

في اعتقادي و كمتابع مستقل غير منتمٍ لأي تيار او حزب سياسي، يعتبر حمدوك أدهي سياسي يحكم السودان منذ الاستقلال. لقد تمكن في البقاء سنة كاملة بالرغم من انه جاء من خارج السودان و واجه أمواج عاتية و شرسة و مستمرة و متزايدة عملت و لا زالت تعمل كلها او جزء كبير منها ضده.

نذكر منها:

1- وطن متشرذم و شعب مغلوب علي أمره فاقد الثقة في السياسة و السياسيين.

2-  النظام البائد و الذي لا زال يتحكم في الجيش و الامن و الشرطة و ما فتئ يستخدام هذه الاجهزة الامنية لافشال الفترة الانتقالية و بالأخص افشال الشق المدني بقيادة حمدوك .

3-  كذلك التمكين السياسي و الاداري المتوغل في مفاصل الدولة.

4-  ضف على ذلك اعضاء المجلس العسكري المتربصين لاختطاف الثورة و الانفراد بالحكم متي ما سنحت لهم الفرصة.

5-  الصراعات و الاطماع الاقليمية المتداخلة.

6-  الكوارث الاقتصادية و الطبيعية المتلاحقة.

7-  الصراعات القبلية الداخلية المصطنعة منها و الحقيقية.

8-  عدة حركات مسلحة كلها تريد التفاوض لتحقيق اجندتها و اهدافها الخاصة.

7- لجان المقاومة و صوت الجماهير التي لا ترحم طالما معاناتها المعيشية مستمرة.

9- جائحة كورونا التي اجتاحت العالم.

10- الخلافات المستمرة بين مكونات الحاضنة السياسية التي تحولت من سند الي عبء إضافي.

كل هذا و ليس له أي قوى عسكرية او امنية أو سياسية تأتمر له و تسنده و تطبق خطط حكومته، بل كل القوى العسكرية و الأمنية و السياسية و الاقتصادية تأتمر لمناوئيه او خصومه أو مستهدفيه ان جاز التعبير.

واحدة فقط من هذه العوامل كفيلة بإرسال أعتي السياسيين الي مكان سحيق من مذابل التاريخ.

إذن، كيف بقي حمدوك عاما كاملا مع كل هذه العوامل المضادة و الكوارث و الازمات و الصراعات؛ انه الدهاء السياسي بدرجة فوق الامتياز.

لم يضع حمدوك نفسه كلاعب داخل الميدان السياسي السوداني يتساوى مع بقية اللعيبة، لقد وضع الرجل نفسه في وسط الحلبة كالحكم مسيطرا علي الكل و في ذات الوقت وضع نفسه كالمدرب و المستشار لكل فريق، تارة يطمئن هذا و تارة أخرى يربد علي كتف ذاك، و ثالثة يوبخ هنا و يحذر هناك، بطاقة صفراء لذاك و حمراء لآخر، و كذلك يجيد بلا منازع رمي الكرة بين لاعبين خصمين حتي لا يعاقب احدهما أو الآخر.

لقد برع الرجل و أبدع و تمكن في البقاء حتي الآن، بل و تمكن في إبقاء منظومة تقاسم السلطة المتفق عليها و كذلك حافظ علي وحدة البلاد و أضعف الأطماع الاقليمية لدرجة بعيدة و ذلك بإعادة الوضع الطبيعي للسودان كدولة حرة ذات سيادة وطنية مستقلة لا تعتمد علي استجداء العطيات و الهبات.

أكثر من ذلك يبدو أن الرجل قد بدأ عامه الثاني بقوة دفع كبيرة و ثقة أكبر من ذي قبل.

لكن هل سيصمد حمدوك الي الآخر؟ إعتقادي ان في نظر حمدوك هدفين مرتبطين ببعضهما البعض، تحقيقهما من عدمه سيحدد مصير حمدوك و بأي أحرف سيكتب التاريخ عنه و عن حقبته في حكم السودان.

أول الأمرين شأن داخلي أرق السودانيين و أرهق الدولة لعشرات السنين ألا و هو تحقيق السلام مع الحفاظ على وحدة ما تبقي من البلاد و لم التشرذم القبلي و الجهوي و التفكك السياسي السائد.

و ثانيها خارجي و هو إزالة إسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، تلك القائمة التي منعت السودان من الاستثمارات و الشراكات و المعونات الخارجية العامة و الخاصة مما وضع السودان في عزلة اقتصادية مؤلمة أنهكت إقتصاد البلاد.

يبدو أن حمدوك و في عامه الأول وضع هذين الأمرين في مقام أكبر الأهداف التي يكرس جهده من أجلها، نجاحه أو فشله فيهما هو المفتاح في رأيه لحل أزمات السودان المزمنة و المتراكمة.

بالرغم من العمل المتواصل في عدة محاور أخري لتخفيف الضائقة المعيشية علي المواطنين الا انني أري أن حمدوك لم يضع ذلك كهدف إستراتيجي يساوي في أهميته تحقيق السلام و إزالة اسم السودان من قائمة امريكا للدول الراعية للارهاب، علي الأقل في عامه الأول.

في رأيي آن الأوان لترفيع هدف استيراتيجي ثالث يتمثل في التحول الإقتصادي و وضع استراتيجية فعالة و سريعة النتائج ترفع من الانتاج و الانتاجية و تزيد معدل الاكتفاء الذاتي للفرد السوداني و تقلل من الإعتماد علي ميزانية الدولة بل و تساهم في زيادة واردات الدولة مما يؤدي الى الحد من تسارع التدهور الاقتصادي و تقليل آثار تفتت الاقتصاد الوطني علي كاهل المواطن.

النجاح في عملية السلام و ازالة وسم دعم الارهاب ربما لا يؤديان الي نتائج سريعة و بصورة ملموسة للمواطن في حياته اليومية، لذلك نري أن النجاح في هذين البندين المهمين قد لا يشفع عن الفشل في الملف الاقتصادي علي المدي القريب، مما يجعل من حمل المشاكل الاقتصادية علي ظهر قافلة السلام و رفع وسم الارهاب، حصان طروادة أو قنبلة موقوتة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.