آخر الأخبار
The news is by your side.

حكومة الحي وحكومة القرية .. 1 من 2 … بقلم: النور حمد

حكومة الحي وحكومة القرية .. 1 من 2 … بقلم: النور حمد

كتب مرات عن الحكم المحلي وعن ضرورة إصلاحه وجعله فاعلا وممثلا حقيقيا للجماهير، ومحققا لما يصبوا إليه الناس في مضمار تحسين أحوالهم. فالقرارات الديموقراطية الحقيقية التي تلمس واقع الناس، ليست تلك التي يتخذها البرلمان المركزي في قمة الجهاز التشريعي، ولا تلك التي يتخذها البرلمان الولائي، أو مجلس المدينة، بقدر ما هي تلك التي يتخذها مجلس الحي ومجلس القرية.

في ما يتعلق مباشرة بشؤون حيهم أو قريتهم. فمجلس الحي ومجلس القرية هم الحكومة التي ينبغي أن تكون قائمة وفاعلة، في قاعدة الهرم. فمنذ عقود طويلة، كتب المتخصصون في علم السياسة وعلم الإدارة أدبيات ثرة في نقد الديموقراطية التمثيلية، وبينوا الكثير من ثقوبها وعوارها. فالظن بأن النائب المنتخب من القواعد إلى البرلمان المركزي هو ممثل حقيقي للجماهير، ظن خاطئ. وهو ظن أثبتت خطأه التجارب العملية، وهي لا تزال مستمرة في إثباته كل صبح جديد.

فالنواب البرلمانيون في أرسخ الديموقراطيات الغربيات يصبحون، في كثير من الأحيان، أدوات في أيدي مجموعات المصالح التي تتناقض مصالحها، إلى حد كبير جدا، مع مصالح الجماهير. ومع ذلك، ليس هناك نظام أصلح من النظام الديموقراطي. لكن، لابد من الانتباه والتدقيق في ثقوبه وعيوبه البنيوية ورفده بما يسد ثقوبه.

من العبارات الجامعة، مما كتبه الأستاذ محمود محمد طه، قوله: “إن آجلا لا يبدأ عاجله اليوم، ليس بمرجو”. فلابد أن يكون لكل آجل صحيح البنية، عاجل يجد الناس طعمه في أفواههم، الآن. فإن لم يجدوا، من الناحية العملية، طرفا من ذلك الآجل المرجو، في التو والحين، فإنه يصبح محض وهم، لا أكثر. لذلك، علينا أن ننتبه إلى أن الديموقراطية التي نحلم بتحققها عقب الفترة الانتقالية، ينبغي أن يبدأ طرف منها في التحقق في حياتنا اليوم، وإلا فإنها ليست بآتية أبدا. فنحن في السودان، إلى جانب العلل البنيوية التي تعتور نظام الديموقراطية التمثيلية في أصله، نعاني، أيضا، من علل بنيوية عديدة مندغمة في ثقافة مجتمعنا. منها، على سبيل المثال:

وصول غير المؤهلين وغير الأكفاء إلى المواقع القيادية، بسبب أنظمتنا الحزبية وعلاقتنا العشائرية وانتماءتنا الطائفية. يضاف إلى ذلك تفشي المحسوبية والفساد الإداري وانعدام الشفافية. ولكي تصبح الديموقراطية فاعلة، لابد أن تقوم على نظام لامركزي، يفتت السلطات، ويمنح سلطة اتخاذ القرار والمتابعة والمحاسبة للقواعد، في تناغم مع مجمل هرم السلطة في جميع مستوياته.

لقد حول نظام الإنقاذ البائد الحكم المحلي إلى أداة حزبية محضة. وأصبح بذلك أداة قامعة ومغيبة لدور الجماهير ومنكرة لحقها في رعاية مصالحها ورافعة ومعلية لمصلحة نظام الحكم وحزبه المسيطر، “المؤتمر الوطني”، على كل شيء. فاتساخ الأحياء والأسواق وتردي أحوال الشوارع والاعتداء عليها بالاضافات العشوائية من أصحاب المنازل والمحلات التجارية، وما تسميه ولاية الخرطوم: “التشوهات البصرية”، سببها الأساسي نظام الحكم المحلي الفاسد بنيويًا العاجز عن الفعل الصحيح، وليس سلوك الجمهور وحده. بل لا توجد مقارنة من حيث ثقل اللائمة والتبعة، بين دور المحليات الكبير جدا في هذا الخراب العام، ودور الجمهور.

فالإدارة المدركة الحازمة تضبط جمهورها ولا تتيح له مجالا للتفلت. وقد كان الجمهور منضبطا حين كانت الإدارات المحلية منضبطة، منذ فترة الحكم الاستعماري، وإلى أن حل الخراب والفساد بحلول نظام جعفر نميري ونظام البشير. كان الضباط الإداريون وضباط الصحة وغيرهم من الطاقم الإداري حاضرين في الميدان بصورة شبه يومية، ولم يكونوا جلوسا في المكاتب جل وقتهم. كانوا يطوفون ويضبطون إيقاع الحياة اليومية، بمثابرة لا تني، ولا يتركون المخالفات تتفاقم وتزمن حتى تصبح طابعا عاما. ما يجري حاليا من فورات وحملات مؤقتة للنظافة ولضبط المشهد العام لا جدوى منها. فهي حملات علاقات عامة لا أكثر. وهي أكبر دليل على ذلك الفشل الإداري المزمن المتراكم.

(يتواصل)

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.