آخر الأخبار
The news is by your side.

حرب الصفوة العبثية من وراء الحرب (1-2)

حرب الصفوة العبثية من وراء الحرب (1-2)

بقلم: عبد الله علي إبراهيم

لو صرفت النظر قليلاً عن الحرب العوان الدائرة بين قوات الشعب المسلحة والدعم السريع ببيض الصفائح لوجدت حرباً أخرى بين صفوة الرأي والسياسة على بيض الصحائف حول من منهم أوعز بهذه الحرب. وتستقطب هذه الحرب قوى الحرية والتغيير بمختلف تسمياتها من ناحية وجماعة النظام القديم المعروفين بالفلول أو الكيزان في الناحية الأخرى. فوقعت الحرب، في عقيدتهم، بسبب واحد منهما حصرياً. وهو ما يوحي بأن الجيشين المتقاتلين بمثابة ضحايا دسيسة أحد الطرفين في حين خليا من كل دافع مستقل ومشروع للحرب بينهما.

وإذا لم تكن حرب الصفوة هذه باباً في المكايدة فلربما هي من سوء ظنهم بالعسكرية. فظلت هذه الصفوة ترى العسكرية درجة أدنى منهم لأن من دخل كلياتها كان ممن لم يوفق لدخول جامعة الخرطوم. أما محمد حمدان دقلو، قائد الدعم السريع، فليس بشيء عندهم لبداياته المتواضعة جداً كتاجر حمير في زعمهم لا هنا ولا هناك. فاستحال على الصفوة بالنتيجة نسبة اندلاع هذه الحرب لأي من العسكريين. فمثلها لا يقع إلا لمن جعل الله له بسطة في العلم مثلهم.

تسمي قوى الحرية والتغيير (قحت) ما قام به الجيش انقلاباً من تدبير كوادر الإسلاميين. وهو الجيش المتهم عندهم بأنه “كيزاني” (إخوان مسلمين، كيزان) في الصميم بفعل ثلاثة عقود تحكم الإسلاميون خلال حكمهم من تعيين أعضائهم في طبقة الضباط فيه. ولإثبات تهمة تحريض الإسلاميين على الانقلاب تعرض قحت فيديوهات لبعض قادتهم في إفطارات رمضانية يهددون بالحرب إن اعتزلهم الاتفاق الإطاري بين قحت المركزي والجيش والدعم السريع ومضى إلى غايته بتكوين الحكومة المنتظرة من دونهم. فالانقلاب، في قول الباقر العفيف، مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة، هو حرب الانقلاب على ربيبهم حميدتي الذي كانوا قد جاؤوا به للميدان السياسي على عهد الرئيس المخلوع البشير. وكان موضع إشادتهم طالما حارب ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018. لكنهم عادوه منذ دان انقلابه والجيش على الحكومة الانتقالية في 25 ديسمبر 2021، ووقف مع الاتفاق الإطاري الموقع عليه في ديسمبر 2022.

ولم يكتف من حملوا الإسلاميين وزر اندلاع الحرب بذلك بل راحوا ينعون عليهم عدم إعدادهم عدتها حتى كلفوا البلاد والعباد. فقال الوليد مادبو، الخبير في الحوكمة، إنهم، أي الكيزان المسيطرين على الجيش، اعتمدوا في انقلابهم على المباغتة لإحراز النصر المعجل ليدركوا بآخرة مغبة فعلتهم. فرتبوا ليكسبوا من إبراز الجيش كجيش الوطن في مقابل الدعم المرتزق في حين يعرف الناس أن هؤلاء المرتزقة إنما هم صناعة الجيش الوطني نفسه. كما أنهم لم يعتبروا ضعف الجيش الذي لم يخض حرب مدن من قبل ونأى قادته عن خوض أي حرب حقيقية لينشغلوا بالمال والأعمال. وخلص إلى أن الكيزان ما كان لهم أن يتورطوا في الحرب، والحال كهذه، حتى لو فرضت عليهم.

ويسمي أنصار النظام القديم، الفلول، حرب الدعم السريع للجيش تمرداً. ويرون أنه تمرد “مدروس ومعد له مسبقاً بتهيئة سياسية عبر ما يسمى الاتفاق الإطاري”. ويعرضون للتدليل على ذلك فيديوهات لرموز من “قحت” يقولون فيها إنه، إذا لم تتراض الأطراف عند الاتفاق الإطاري، فالحرب واقعة. واختارت “قحت” عندهم الدعم السريع باعتباره “جناحاً عسكرياً للدولة المدنية”. فعززت منزلته في الاتفاق الإطاري بجعل تبعيته لرئيس مجلس السيادة بدلاً عن الجيش. وزادت بأن وافقت على موقف قوات الدعم بألا يتم دمجها في الجيش إلا بعد عشر سنوات لا سنتين كما أراد الجيش. فكان حميدتي بالنتيجة أكبر المدافعين عن الاتفاق الإطاري بما شجعه لانتزاع الحكم وتسليمه لقحت. علاوة على أنه لم تكن الآليتان الثلاثية والرباعية من الأمم المتحدة وأوروبا وأميركا والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد ببعيدة من هذه المؤامرة. فالإطاري كله عبارة عن “مشروع خارجي بدعم دولي وأيادي عملاء سياسيين محمية من ميليشيات الدعم السريع”.

ولم تكن قحت في رأي بعض الواقفين مع الجيش طرفاً خطط للانقلاب فحسب، بل مشاركاً في تفاصيله أيضاً. فاستنكر الصحافي زين العابدين صالح على السيدة مريم الصادق، القيادية في حزب الأمة القومي والحرية والتغيير، قولها لا “أعلم من بدأ الحرب أولاً”. وقال إن قولها ذر للرماد في العيون. فهي تعلم من بدأ الحرب بعد أن خططوا لها وكتبوا بياناتها التي كان من المفترض أن تذاع يوم 15 أبريل بعد عملية اغتيال الفريق ركن عبد الفتاح البرهان. فانبنت خطة التمرد، بحسب زين العابدين، على أن تتم بمباغتة القوات المسلحة في مناطق استراتيجية أهمها القصر الجمهوري والقيادة العامة لتسلمها، واغتيال البرهان مباشرة حتى لا يكون هناك قائد للقوات المسلحة، ثم يذاع للتغطية أنها معركة دارت بين البرهان وفلول النظام القديم. وتعقب ذلك إذاعة بيان الانقلاب من الإذاعة والتلفزيون التي جمعت الدعم السريع فيه قواتها. وسيكون خط التمرد الإعلامي هو أن اللجنة الأمنية للإنقاذ (المجلس العسكري) سقطت فتخرج قوى قحت وغيرها تطالب الشعب بالتصدي لأي تحرك مضاد من الفلول للتمرد.

ونواصل

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.