آخر الأخبار
The news is by your side.

حتى لا ننسى: مؤتمر شركاء السودان: ما بين الإنجاز والتحديات

حتى لا ننسى: مؤتمر شركاء السودان: ما بين الإنجاز والتحديات

د. إشراقة مصطفى حامد

 

مدخل:

اول ما لفت انتباهي هو ان المؤتمر ارتكز على (الشراكة) وبذلك تأسس على مشروع “التعاون الإنمائي” وليس “المساعدة الإنمائية” اذ ان المفهوم الأول يستند على أن الجميع يقف على أرضية واحدة وان المشروع تعاوني أكثر من كونه محض مساعدات إنمائية منطلقة من تلك النظرة الفوقية كارث استعماري منطلق من ان دول العالم (الثالث) وخاصة افريقيا تحتاج لمساعدة العالم (الأول) وهذا يستدعى الذاكرة المريرة في ان هذا العالم ما كان له ان يصير (أول) لولا ثروات العالم الذي أرادوا له ان يكون (ثالثا). هذا بالطبع لن ينفي دور حكومات ما بعد الاستقلال في بلادنا وتهاونها في قضايانا المصيرية المرتبطة بالسلام والتنمية وحماية البيئة.

فالمصطلحات اعلاها لم تأتي من فراغ وعلينا مراجعة ادبيات التنمية لندرك ان من سُلبت ارادته لن يستطيع ان يصك مصطلحات تتعلق بمصيره ومصير تنمية بلاده بل نلاحظ ان بعض المهتمين والمهتمات بهذا الشأن يستخدمون مصطلحات ضدهم بوعي او دون وعي فنجد ان كتّاب مرموقين يستخدمون هذه المصطلحات وهذا يفتح المجال للاستفادة من كل ما كُتب في كيفية التحرر من العقل الاستعاري وتداعياته على مسيرة وعينا.

لا يخفى على أحد ما حدث للسودان من خراب شامل فالإنقاذ كانت معولا للهدم طالما ارتكزت على ايدلوجيا اقصائية قامت سياستها على عقلية عسكرية لتمكين مشروعها الذي أوصل البلاد الى هذه الهاوية. الهاوية التي تقف البلاد عليها لها ما لها ما قبل سنوات البؤس التي حكمت فيها الإنقاذ. هذا يقودنا الى مراجعة سياسة التنمية الخارجية منذ الاستقلال وما هو دور (الطليعة) في تنمية البلاد او مسؤوليتها فيما وصلت له البلاد من بؤس ودمار. التنمية المتوازنة وارتباطها بحماية البيئة والسلام الدائم أساس لاستقرار البلاد وامتلاكها لإرادتها في تقرير مصيرها وهذا ليس بالأمر السهل اذ ان بلادنا في فك بورصات عالمية ونظام رأسمالي لا يهمه سوى ان يحافظ على نعيمه حتى لو على حساب كل دول العالم النامي ولتذهب افريقيا الى حروبها وصراعاتها ففي ذلك استمرار لثراء الضفة (الأولى). عليه لابد من الوعي بوحدة مصائرنا كشعوب لها ذات الازمات والتواريخ والاحلام لحياة كريمة تحترم الانسان.

مؤتمر الشراكة: الإنجاز؟

أهم انجاز لهذا المؤتمر هو الاعتراف بان ارضيته قائمة على الشراكة وان السودان الذي غاب مدى ثلاثين عاما عجافا من واجهة العالم عاد مجددا ليعيد للذاكرة ان هناك بلاد اسمها السودان كان أكبر أقطار افريقيا وكانوا يقولون عنها سلة غذاء العالم، ولكن سياساتها الداخلية وغياب المشروع التنموي القائم على شراكة كل اهل السودان ادي الى صراعات وحروب وانقسامات لن يدفع ثمنها سواهم. من الصعب ان نتجاوز دور الدول الأوربية وامريكا وحلفائها مما وصلنا له وهذا يحفزنا للبحث في سياسات التنمية والبنك الدولي التي غاب عنها ان اول مهام التنمية هو مكافحة سياسات الافقار التي جعلت بلدا مثل السودان عاجزا عن إدارة وتنمية ثروته التي تذخر بها الأرض ودارات رحى الصراعات لأجل الثروة والسلطة وظل المواطن السوداني بلا قانون ومشروع يحفظ حق مواطنته.

ان يعود السودان بعد كل هذه العثرات الى المشاركة فهذا بحد ذاته انجاز تفتحت ثمرته على ارض ارتوت بدماء شهداء وشهيدات الثورات السودانية وضحايا الحروب والنزوح والعنصرية المؤسسية. هذه العودة هي البداية في طريق محفوف بالألغام وتمهيده يكون بمعول الوعي لأجل البناء وليس الهدم. المؤسف ان النقد لم يؤسس على مدرسة علمية لأثبات ان هذا المؤتمر فاشلا والوصول لذلك دون أي منهج علمي وحتى لو تعاملنا مع ذلك كفرضيات فهي لم تتجاوز اول مهام البحث العلمي لا تبات فشلها.

السودان ليس جزيرة معزولة عن العالم وان عٌزلت لسنوات عجاف من عمر الانسان في السودان وعودته الى واجهة العالم لهو تحدي كبير يحتاج مسانداتنا وصمودنا ونقدنا البناء بدلا من حمل معاول الهدم اذ لم تترك الإنقاذ ما يحتاج الى هدم.

التحديات:

ان الشراكة الحقيقة تقوم على الإقرار بحقيقة هذه الشراكة فعليا وبقدرتنا على تقرير المصير وهذا يحتاج الى إرادة مسنودة بوعي شعبنا.

لكل تمويل شروطه الواضحة والمستترة رغم ان في العديد من منظمات المجتمع المدني الأوربية تنتقد سياسات التنمية الخاصة بالاتحاد الأوربي والذي مول من قبل ومازال ما عرف (بعملية الخرطوم) لمنع الهجرة ومقرها السودان والهدف منها الحرمان من حق مشروع في الهجرة كحق انساني وعليه ان على الاتحاد الأوربي والأموال التي تدفع من ضرائب مواطنيها ان تعرف ان الذي يحتاج الى محاربة حقيقية هي أسباب الهجرة، أسبابها مازالت قائمة من افقار وحروب وصراعات وعدم استقرار.

في إطار عملية الخرطوم تم دفع مبالغ طائلة لحراسة الحدود وحرمان المواطنين من حقهم في الحفاظ على حياتهم وكلنا نعرف ان هذا الدور لعبه في أيام الإنقاذ (الدعم السريع). هذه المبالغ لو تم استثمارها في التنمية وابتكار مشاريع صغيرة للشباب من الجنسين مما يوفر لهم حياة كريمة لما توالت الشكوى في اوربا من الهجرة التي يسمونها (غير شرعية) واسميها قسرية. هذا يؤشر الى ان ارادتنا السياسية كانت في كف عفريت السلطة العالمية الغير متوازنة وهذا الاستثمار يحتاج الى قانون ديمقراطي اذ لن تثمر في الحكم الديكتاتوري سوى المزيد من الدماء بدلا عن الحياة.

هذا يقودني الى المقارنات التي عقدها البعض في ربط هذا الدعم بالقيمة النقدية بالإشارة الى ما دفعته الامارات والسعودية والتي لن يخفى على أحد شروطها المبطنة التي يدفع ثمنها شبابنا في اليمن في حرب ضروس واستغلال اشواقهم للحياة الكريمة في فوهة بندقية ويكون مصيرهم الموت فأي تنمية هذه التي لا تفتح مسارات للحياة بل للفناء؟

الإرادة السياسية في اتخاذ قراراتنا تتطلب ترسيخا للديمقراطية وللمشاركة الشعبية وهذا يحتاج الى صمود ومساندة للحكومة الانتقالية بدلا من التركيز على الاخفاقات والبحث عنها في كل منجز تقوم به. هذا لا يعني بان علينا الصمت وان لا نمارس النقد ولكن أي نقد؟ النقد البناء والمُلهم هو ما يقودنا الى اول الطريق الشائك والوعي بان أي شراكة تنموية لها اجندتها وهذا ما يتطلب الانتباه له.

الشراكة ليست هي التي تقوم على دفع الأموال الطائلة وانما على ان نكون شركاء حقيقيين وان يكون صوتنا عاليا بحقوق شعبنا وانه صاحب الحق في تقرير مصيره عبر حكومة انتقالية تؤسس لمدنية الدولة السودانية. السودان تحتاج الى بنية تحتية تؤسس لبنية الوعي الخلاق للمساهمة في تنمية البلاد وجعلها في مصاف ذات البلاد التي تشاركنا الهم الإنساني عبر منظمات مجتمعها المدني التي تساهم بالنقد الفاعل وهذا ما نحتاجه في السودان ان تكون المساهمة فعّالة.

دور سوداني الدياسبورا:

للاستفادة من هذه الشراكة وخلق شراكات قادمة على الحكومة الانتقالية الانتباه الى دور السودانيات والسودانيين في المهجر وخاصة في دول الاتحاد الأوربي ليس فقط بحكم انهم مواطنين بالتجنس في هذه البلدان بل بانخراط بعضهم في منظمات المجتمع المدني وعبر هذا العمل يمكن ان يكونوا قوة ضغط بكسب لوبي عبر التشبيك المؤسس باعتبارهم جزء من هذه المنظومات. هذا يحتاج إعادة النظر وهيكلة (جهاز المغتربين) وتفعيل دوره بما يتناسب وثورة ديسمبر وشعاراتها.

كذلك يتطلب المشاركة المُلهمة في هذه المنظمات وكسب مستثمرين في السودان يقوم استثماراهم على قيم المسؤولية الاجتماعية، ان الاستثمار في أي منطقة من مناطق السودان يتطلب اشراك اهل هذه المناطق في هذا المشروع كقوة عاملة وان يكون هناك شرطا عادلا لهذه الجهات ان تساهم في تنمية المنطقة التي تستثمر فيها وذلك عبر بناء المدارس والمستسقيات وبناء الطرق وتعبيدها. المشاركة الشعبية في الاتجاه المطلوب للتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وذلك يتطلب معرفة الداء في هذا الافقار الممنهج الذي وصلت له بلادنا والتأسيس لمعرفة أنماط العملية النموذجية للتحول الاجتماعي والاقتصادي وهذا يحتاج تضافر الجهود والاستثمار في الخبرات السودانية بالخارج.

السؤال الذي يطرح نفسه في الكيفية التي يمكن للحكومة الانتقالية الاستفادة من العقول والطاقات السودانية في أوربا ودورهم في التحول الديمقراطي وإعادة بناء السودان، وسبق ان قدم تجمع السودانيين بالخارج لدعم الثورة لرئيس الوزراء د. حمدوك في ميونخ أوراقا توضح رؤية جماعية في المساهمة وخاصة دور سوداني الدياسبورا واعتقد انه قد حان الوقت لأجل ان يتم الانتباه لدورهم والاستفادة من كل هذه الطاقات الجبارة والمؤهلات العالية والخبرات المذهلة في تحقيق الحرية، السلام والعدالة وذلك استكمالا للدور الذي لعبه السودانيات والسودانيين في دعم الثورة السودانية وتسليط الضوء عليها بالعمل المضنى والمستمر. للاستفادة من هذه الكفاءات تحتاج الحكومة الانتقالية الى مراجعة هيكلة السفارات بالخارج التي اعاقت لسنوات طويلة مساهمات السودانيين من الجنسين لأجل التغيير المنشود.

هذا يقتضي الاستفادة من وجود المنظمات الأوربية بالسودان لبناء مشروع عودة طوعية مؤسسة على ذات المشاركة التي تنطلق من احتياجات شعبنا بدلا عن هدر الأموال فيما لا طائل منه، هذا يعني الاستثمار في الانسان ولأجل حياة كريمة ينعم فيها كل أجيال السودان في السلام والأمن والمساواة الاجتماعية.

خلاصة: لن ينهض بنا سوانا.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.