آخر الأخبار
The news is by your side.

جامعة القضارف :إنهاء خدمة كفاءات أكاديمية*ليست إستثناء ولكن؟

*جامعة القضارف :إنهاء خدمة كفاءات أكاديمية*ليست إستثناء ولكن؟*

بقلم : الفاتح داؤد

أثار قرار إدارة جامعة القضارف ، الذي قضي بإنهاء خدمة عدد من الكفاءات الأكاديمية ، موجة إستنكار ورفض اسعة ، ضجت بها مواقع التواصل الإجتماعي ، فضلا عن إستياء منسوبي الجامعة من أساتذة وإداريين وطلاب للقرار المثير للجدل ، الذي إستندت فيه الإدارة إلى قانون لجنة إزالة التمكين .

وقد تجاوز رفض القرار ، النقاش حول الملابسات و السياق و التوقيت ، والإخراج ، إلى فتح أبواب الحوار على مصراعيها حول ما آلت إليه أوضاع الجامعة ، التي تعاني جملة من الإشكالات الأكاديمية ، الإختلالات الإدارية ، التي أثرت على أداء رسالتها الأكاديمية ومسئولياتها المجتمعية .

وبالنظر إلى واقع جامعة القضارف ، التي إستطاعت فى زمن قياسي ، تحقيق قفزات نوعية فى التطور والمواكبة والشمول ، بفضل الجهود الجبارة التي بذلتها ، القيادات الإدارية التي تعاقبت عليها ، وكانت كلمة السر فى هذه الطفرة تكمن فى التناغم والإنسجام بين أفراد الأسرة الجامعية ، فضلا عن سياسية الإنفتاح علي مختلف قطاعات القضارف ، و كانت ثمرة هذه الشراكة الذكية ، مؤسسة أكاديمية جاذبة ومتطورة ، نحجت فى زمن وجيز فى إستقطاب الآلاف من أبناء السودان للدراسة فى مختلف تخصصاتها الأكاديمية .

إلا أن الجامعة ، لم تحافظ على مكانتها المرموقة ، وبدأت مؤخرا التدحرج فى رحلة عكسية نحو هاوية السقوط ، بسبب الأداء الباهت للإدارة الجديدة ، التي فشلت فى المحافظة حتي على إرث السابقين ، بل أمعنت فى تحطيم الموجود من الإنجازات الإدارية ، والإشراقات الأكاديمية . بدوافع تبدو فى ظاهرها إصلاحية ، إلا أنها أقرب إلى الإنتصار للذات ، وتصفية الحسابات الشخصية ، فى مناخ عدائي بإمتياز ، حتي تحولت الأخطاء الإدارية العادية ، إلى خطايا قاتلة يتعذر إصلاحها قريبا .
ولعل أس الأزمة يكمن فى سلوك وطريقة تفكير مدير الجامعة ، الذي قذفت به محاصصات الثورة وموازناتها ، إلى الموقع المرموق ، دون سابق خبرة ، أو تراكم تجارب ، كما جرت التقاليد فى إختيار مدراء الجامعات ، فقد أحاط الرجل منذ تقلد المنصب ، نفسه ، بهالة من غموض الزعامات السياسية ، أكثر من رصانة العلماء والمفكرين ، و إستنكف مجرد التواضع والنزول من برجه العاجي ، للجلوس مع منسوبي الجامعة (إلا قلة من الموظفين) ، الذين إنتقاهم بعناية ، فى المقابل أوصد الأبواب أمام أهل الرأي والخبرة ، رافضا الاستماع الي انشغالاتهم المهنية وهواجسهم الإدارية ، حول مستقبل الجامعة .

ماضيا فى تنفيذ أجندة مجموعة سياسية ، ظلت تقتات على المزايدة السياسية ، تحت لافتات ثورية زائفة ، لاتري حرجا فى التضحية بالكفاءات الأكاديمية ، أو حتي سمعة الجامعة ،طالما ذلك يحقق اهدافها .

وقد ساعدها على ذلك ، تواضع خبرة المدير ، الذي إعتمد فى بناء إستراتجيته الإدارية ، على سيل من المعلومات ، و التقارير الباردة ، التي تتكرم بها (الحاشية الضيقة) . دون أن يكلف نفسه عناء الفحص والتدقيق فى الأشخاص والمشروعات ، وقد أدي سلوك الرجل إلى تحول بعض عناصر الإدارة الجديدة ، إلى طبقة إمتياز ، إحتكرت كل الفضاء الإداري بالجامعة . ولم تكتفي بذلك بل طفقت تعمل بصورة ممنهجة فى تصفية حساباتها السابقة ، ضاربة بالمعايير الإدارية ، التقاليد والأكاديمية عرض الحائط ، وهي تدفع بعدد من مساعدي التدريس فى وظائف عمداء الكليات فى مخالفة صريحة لمعايير وشروط التعليم العالي .

ولم تكتفي الحاشية بذلك ، بل دفعت الإدارة الجديدة ، إلى إتخاذ أخطر القرارات ، التي أدت إلى تدهور الجامعة ، وتجريدها من أهم أذرعها البحثية والأكاديمية ، و مصادرها قوتها الناعمة .
أيا كانت المسوغات التي دفعت إدارة الجامعة ، إلى إتخاذ قرار فصل عدد من الأساتذة ، لا أعتقد أن أحدا يقف ضد إرادة التغيير ، و تحقيق العدالة ، ومعالجة الإختلالات والتشوهات ،
لكن من المؤسف القول ، أن قرارات إدارة الجامعة ، إنطوت على قدر من الإهانة والإزلال ، و التعسف وعدم الإحترام للكفاءات العلمية ، التي تمثل ثروة قومية ، كان الأجدر الإحتفاء بهم ، بدلا عن الإمعان فى إذلالهم ، وإحترام مقاماتهم ، بدلا عن السادية والتشفي ، الذي كشف أن أزمة الجامعة ، هي أزمة أخلاقية قبل أن تكون حالة فشل لمنظومة إدارية ، تعاني فقرا وبؤسا مهنيا وأخلاقيا ، رغم اللافتات العلمية لأصحاب المقام العالي .

لقد كشف قرار فصل الأساتذة ، أن ثمة جهة ما أثرت على إستعجال تنفيذ القرار ، حتي تقطع الطريق ، أمام اللجنة التي تم تشكيلها لإزالة التمكين فى التعليم العالي ، التي للمفارقة لم تباشر عملها بعد ، رغم إستناد قرار مديرجامعة القضارف ، إلى قانونها ، وهو مايحتاج إلى توضيح من قبل اللجنة ،
التي يبدو أنها قد تركت الحبل على القارب ، إلى مدير الجامعة الذي أصدر قرار لم يخلوا من روح التشفي والإنتقام ، لكوكبة من العلماء الذين أفنوا زهرة شبابهم فى خدمة العلم والمعرفة ، حتي يداري الفشل الإداري الذي طبع عهدته . فقد أجحف الرجل فى حق المؤسسة والتعليم العالي ، قبل زملائه المفصولين ، ولم يراعي حتي حقوق الزمالة الأكاديمية فى إخراج القرار .

فقد كشف القرار مدي تخبط الرجل ، الذي بدا واضحا أنه فوق إفتقاره إلى الخبرة والتجربة ، تنقصه الحنكة وسعة الأفق ، ولما لا؟ فهو معذور فقد ألقت به تقلبات السياسة وتوازناتها إلى الموقع الكبير ، دون سابق خبرة أو تدرج فى أروقة التعليم العالي ، وهذا بشهادة الأكاديميين ، و لم يعرف عنه حتي أنه تقلد يوما ما موقعا إداريا فى مؤسسات التعليم العالي ، يؤهله لإدارة جامعة .

وعلى وزيرة التعليم العالي ،
، أن تتحلي بالمهنية والموضوعية ، وأن تشرع فورا فى إجراء إصلاحات جذرية فى سياسات التعليم العالي ، تنأي بالجامعات عن التجاذبات السياسية و المحسوبية ، وأن تكون أكثر عدالة فى تنفيذ قراراتها .

وهنا عليها أن تبدأ من حيث إنتهي مدير جامعة القضارف ، الذي ظل يحتفظ بخطاب (موجهات) لجنة إزالة التمكين لنحو أربعة أشهر فى الأضابير والأدراج .

السؤال لماذا لم يحرك ساكنا طيلة هذه المدة؟ .
ولكن الحصيف يدرك أن مدير جامعة القضارف ، قد إختار هذا التوقيت دون وعي منه ، ودون مراعاة للأوضاع المحتقنة ، ولم يدرك أن هكذا قرار ، يعني صب مزيد من الزيت على أزمات شرق السودان الملتهب ، لان البروفبسور محمد المعتصم أحمد موسى ، ليس مجرد رجل أكاديمى ، قذفت به الأقدار إلى القاعات ، بل زعيم سياسي و رمز مجتمعي ، مناضل جسور ، حياته مزيج من المعارك والملاحم السياسية ، وحتي المنصب(الضجة) ، الذي إستند عليه القرار ، فقد جاء وفق إستحقاق سلام شرق السودان ، الذي لم يكن إستثناء وسط عدد من الإتفاقيات التي وقعتها الحكومة السابقة ، مع قيادات سياسية تتسيد المشهد الراهن ، لحساسية هكذا قرارات ، كان من الأفضل ، إفساح المجال للجنة إزلة التمكين بالتعليم العالي ، التي تتزين بشخصيات مرموقة ، ربما لن تخرج قراراتها للعلن إلا بعد إستيفاء الملفات ، لمعايير المهنية والموضوعية ، التي تحول للجنة إنهاء الخدمة ، بدلا من إصدار قرار لايخلو تفسيره من التملق والتزلف .

وقد أدرك السواد الأعظم من منسوبي جامعة القضارف ، أن وجود بروفيسور محمد زين ، على رأس الجامعة ، بات يشكل خطراً على مستقبل الجامعة ، وخصما من رصيد الثورة ، التي رفعت شعارات الحرية والعدالة والسلام ، فقد فرق الرجل شمل الأسرة الجامعية ، ولم ينصب عادلا ، أو يصنع إستقرارا ، بل أصبح يتحرك فى فضاء إداري مفتوح بلا قيود أو ضوابط ، حول المؤسسة إلى مسرح الرجل الواحد ، الذي يفكر ويخطط وينفذ ويحاسب ويعزل ، دون إحترام للمؤسسية واللوائح المنظمة .

ونتيجة لهذا السلوك الإداري للرجل ، إنفض سامر الخيرين ، من أبناء القضارف ، التي تعاني من نقص فى البني التحتية ، وعجز فى التسيير والميزانية ، فشل فى بناء الشراكات ، والعلاقات الخارجية ، فضلا عن التخبط الإداري لرجل لا علاقة له بالشئون الأكاديمية ، وأعضاء هيئة التدريس ، بعد أن صار الأمر الناهى ، الذي يدير المؤسسة وفق المزاج الشخصي .
وإلا ما الذي أغري مدير إدارة خدمية ، أن يتجرأ و يتوعد ويهدد زملائه بالبل ( جهزوا رؤوسكم) للحلق ، لجنة ازالة التمكين فى الطريق .

على لجنة التمكين ، وحفاظا على حيادها وموضوعيتها ، أن توجه بإستجواب مدير الجامعة ، عبر السيدة وزيرة التعليم العالى ، حول ملابسات القرار ، و لماذا إستبق قرار المدير ، فصل الأساتذة قبل ممارسة اللجنة لنشاطها؟
بل ولماذا صدر خطاب قرار فصل أستاذ جامعي ، ممهورا بتوقيع مدير المورد البشرية ، وليس مدير الجامعة ، أو وزيرة التعليم العالي؟ ، أو حتي من لجنة إزالة التمكين ؟ ، أي إهانة هذه للأستاذ الجامعى ،
على السيدة وزيرة التعليم العالي ، أن تسعي إلى وقف هذا العبث ، وإعادة تقييم اداء مدراء الجامعات بصورة مهنية دون ظلال سياسية .

ولابأس أن تبدأ زياراتها ، من جامعة القضارف ، ومن المهم أن تلتقي منسوبي الجامعة قاطبة ، والإستماع لإفاداتهم حتي يحدثونك عن حجم الدمار ، الذى أصاب جامعة كانت ملء السمع والبصر ، وكذلك من المهم أن تنتخب لجنة إزالة التمكين ، أعضاءها من خارج أسوار الجامعة ، حتي لاتقدح فى أمانتها ونزاهتها ، لأن مجرد وجود منسوبى الجامعة فى عضويتها ، سوف يحول الملفات إلى مسائل ذات طابع كيدي ، لايخلو من تصفية الحسابات الشخصية ، فضلا عن عدم السماح للشخصيات الإدارية تقييم أداء الأساتذة ،
و من المهم تحديد معايير مهنية واضحة ، فى تقييم الأساتذة والإداريين ، أدناها الدرجة العلمية والتوازن والنزاهة ،
وأخيرا وحتي تستقر جامعة القضارف ، وتستعيد ريادتها الأكاديمية وأدوارها المجتمعية ، الضرورة تقتضي بهز الهيكل الأعلي ، والدفع إلى قمتها بشخصية أكاديمية متوازنة ، وعلى درجة من الكفاءة المهنية والرصانة العلمية ، تتحلي بالحكمة والحكنة وروح القيادة ، وتقف على مسافة واحدة من جميع منسوبي الجامعة .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.