آخر الأخبار
The news is by your side.

تعقيب من د. عبد العظيم حسن

تعقيب من د. عبد العظيم حسن

المحترم د. النور حمد

لست بالقامة التي تملك أن تعقب على ما تكتب، ولكنني استسمحك التعليق على مقالك الرصين بعنوان: “من الذي يعبث بالفترة الانتقالية؟”، وأقول، بكل تواضع، أنك طرحت أبعاد المشكلة بكل شفافية. غير أنك ذهبت، فيما يبدو، إلى تعليق أسباب العبث، بالدولة العميقة، والشريك العسكري. في حين أنني أرى أن الإشكال الحقيقي في المكون المدني، وليس خارجه. الأزمة باختصار تكمن في ضعف الكفاءة المهنية ونهج المحاصصات والصراعات التي تغلغلت في أجسام المكونات المدنية، فأغرت بسلوكها آخرين، فانجروا إلى التكالب والخوض مع الخائضين. يتضح هذا من تجربة تجمع المهنيين السودانيين الذي تشكّل منه المجلس المركزي للحرية والتغيير، ومن قبضة الأحزاب السياسية التي أخذت تسيطر عبر هذين الجسمين.

من الواضح أن هناك عجزًا في إدارة الدولة. يتضح هذا للعيان من زاويتين: الزاوية الأولى: هذه الأحزاب لا تملك الكوادر المؤهلة التي تستطيع أن تدير بها دولة. وكما تعلم، هناك فرق شاسع بين الثائر ورجل الدولة. فثلاثين عامًا من التشظي، أفقرت الأحزاب من المورد البشري المؤهل الذي يدير العمل بكفاءة. ما تملكه هذه الأحزاب، بالكاد، عددٌ محدودٌ من الثوار، الذين يتعاملون مع إدارة الدولة بقدرات الهواة وليس المحترفين. الزاوية الثانية: الفترة الانتقالية هذه المرة تختلف في تحدياتها عن السابقات. فإذا كانت في المرات الماضية أتت عقب أنظمة عسكرية لا تقف وراءها أيديولوجيات، فإن النظام البائد كان أيدولوجيا متشددًا ومتجذرًا بعمق، ومتحكماً بكل مفاصل الدولة. فهو لم يترك مجالاً إلا وسيطر عليه.

مواجهة وضعٍ معقدٍ كهذا لا يكون بواسطة هواة مكنتهم أحزابهم من السلطة دون تأهيل، فأصبحوا غير قادرين على تحقيق مصالحهم، من جانب، وإدارة المصالح العامة من الجانب الآخر. لقد نسوا دورهم الأساسي، وتنكروا لتعهدهم بأنهم لن يتولوا مناصب دستورية في الفترة الانتقالية. فلا هم أوفوا بما عاهدوا الشعب عليه، ولا هم كانوا في مستوى المسؤوليات التي تصدوا لها. ولقد وضح جليا أنهم أقل قامة من حجمها. لذلك، كانت النتيجة الكارثية المتمثلة في خمود الحماس تجاههم من قبل الجماهير.

لا أرى أن نعلق الأسباب حصراً على مشجب الدولة العميقة، ولا الثورة المضادة، لأن مناهضتهما للثورة معلومة بالضرورة، ومتوقعة. الواجب أن يتصدى للمسؤولية من هو في مستوى التحدي. إلى جانب ذلك، لا يكفي أن تكون هناك لجنة تفكيك دون قيام لجان للبناء. فمن المتفق عليه، أستاذي الكريم، أن البناء دومًا هو الأصعب، وليس الهدم. على سبيل المثال لا الحصر، جرت في بعض الوزارات مواجهات غير مدروسة، أسفرت عن إنهاء خدمات قياديين، ما قاد إلى استقالات عديدة، أربكت دولاب العمل. وهؤلاء لم يستقيلوا لأنهم ثورة مضادة، وإنما بسبب السياسات المتعجلة، والإعفاءات دون تحضير بديلٍ جاهز. لم يجر سلوك طريق الإدارة العلمية المؤسسية، بقدر ما جرى هدمٌ لأوضاع غاية في التعقيد، بلا جاهزية. عمومًا، ما أراه عن قرب، ينم عن فساد إداري ومغامراتٍ غير محسوبة العواقب. فالفساد لا ينحصر في سرقة قوت وأموال الشعب، وحسب. فالفساد قد يصبح أكثر فداحة عندما يجري إسناد المسؤولية لمن هم ليسوا أهلا لها.
مودتي واحترامي
د. عبد العظيم حسن
المحامي – الخرطوم

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.