آخر الأخبار
The news is by your side.

تداعيات … بقلم: يحيى فضل الله .. عدالة ناجزة

تداعيات … بقلم: يحيى فضل الله .. عدالة ناجزة

خلع المذيع بدلته الانيقة و قذف بها علي السرير ،جلس بإسترخاء ملاحظ في وسط السرير و حين كان يهم بالتخلص من ربطة العنق داهمه النور صاحب المنزل بكأس طويلة فكان ان داهم المذيع تلك الكأس بلهفة عطشي و صبها دفعة واحدة في جوفه حتي بان اثرها في تقطيبة الوجه المعروفة بعد الكاس الاول.

ليست الصدفة وحدها التي قادت سالم الي مباني التلفزيون و لكن إصرار صديقه عبد الفتاح الذي يعمل منفذا بالتلفزيون علي ان يمر عليه فيما بعد التاسعة موعد نشرة الاخبار حتي يخلصه من مشقة الحصول علي حافلة توصله الي منزل النور حيث مقررا ان تكون سهرة الخميس هناك و هكذا استطاع سالم بعد جهد جهيد ان يدخل مباني التلفزيون بعد ان اعلن عن اسم صديقه عبد الفتاح لموظفي الاستقبال ،بعدها وجد سالم نفسه متضايقا نوعا ما من برودة الاستديو وهو يتابع نشرة الاخبار من استديو البث المباشر، كان سالم قد وصل الي التلفزيون فيما قبل التاسعة و عليه ان ينتظر حتي ينتهي صديقه من مهمة تنفيذ النشرة علي الهواء و من ثم سيستغل مع صديقه عربة الترحيل للوصول الي الجميعاب حيث يقيم صديقهما النور.

حين كان المذيع يدخل في إسترخاته الممتعة كأسا فكأس كان النور يوزع همته في تحضير المزة و المذيع لا يفتي يتحدث عن علاقاته الغرامية الحقيقية و المتخيلة احيانا مع المعجبات و قد اراح جسده كله علي السرير و كان قد خلع جزمته و احضر النور له سفنجة و حين كان يهم بفتح ازرار قميصه كانت عربة ترحيل التلفزيون قد عادت من الثورة و في طريقها الي بحري المؤسسة و بعدها ستتجه الي الفتيحاب ثم الي الجميعاب و كان سالم قد اشهر في وجه صديقه عبد الفتاح شريط كاسيت لعبد العزيز محمد دؤواد مقترحا ان تتجمل سهرة الخميس بدفقات عود برعي محمد دفع الله و براحات صوت ابو دؤواد، لاسيما ان حصول سالم علي هذا الشريط النادر قد كلفه اكثر من مشوار دائري حتي وجده مغطي بالغبار في احدي محلات الكاست في زقاق نورين بامدرمان.

لم يكن النور يعرف لماذا حضر المذيع الي منزله في هذا الخميس تحديدا حتي انضم الي مجلسه صديقه ونديمه الاساسي حسين فعرف ان وجود المذيع في هذه الليلة بدعوة من حسين وقد كان زامل حسين في الثانوية العليا وهذه ليست المرة الاولي ان يداهم المذيع سهرتهم الخميسية و قد كانوا جميعهم لا يستلطفونه و يبادلونه نوع من ذلك الاحترام الزائف و يتركونه لتحاصره ثرثرته وحده و هم في شغل عنه منتميين الي نظرية (كل في بيدائه) مع التظاهر بالاستماع و من الصعوبة بمكان ان تسلم اذنيك الي مذيع نشرة في التلفزيون و الليالي مختمرة .

سالم عثمان سالم تجاوز الثلاثين بقليل ، يسكن ديوم الخرطوم، متشبع بالافكار الاشتراكية حد التلويح بالإنتماء الي افكار تروتسكي، يحب الغناء و جليس قعدات متميز اذ بإمكانه ان يحول القعدة الي شبه منتدي فكري وهو يعمل موظفا في مصلحة الثقافة في مكتب الثقافة الجماهيرية ، سالم رغم التغيرات السياسية و التي اودت الي ان يكون جعفر محمد نميري اماما للمسلمين وان تدخل معاقرة النشوة في مقام الاخطار و المغامرات ، برغم كل ذلك إلا ان سالم حافظ علي شلة انسه و علي سهرة الخميس معهم وهم صفوة انسه و مخزن حكاياته و تأملاته السياسية الشاطحة و عادة ما تكون سهرة الخميس هذه متنقلة مرة في الديم و مرة في امدرمان ومرة في الجميعاب او الكلاكلة و قد يتم ترحيلها خارج العاصمة و ذلك في حالة ان حسين سيقضي الخميس مع اهله في قرية المسيد وطبعا في ظروف محكمة الطوارئ و العدالة الناجزة في هذه الايام يكون الحصول علي كاس من العرق امرا في مقام الخطورة و المغامرة.

حين كان سالم يجلس علي كرسي وثير في استديو البث و يتابع نشرة اخبار التاسعة كاد ان ينفجر لو لا ان تذكر انه في ضيافة صديقه عبد الفتاح مما قد يؤدي إنفجاره هذا الي ان يفقد صديقه وظيفته فتماسك و بدلا عن الانفجار تصبب منه العرق غزيرا رغم برودة التكييف في الاستديو ، كان سالم قد تململ علي ذلك الكرسي الوثير وهو يتابع الاخبار السياسية المحلية و هي ململة عادية و لكن حين وصل المذيع الي اذاعة اسماء السكاري و المقبوضين و المقبوضات بحيازة الخمور و اولئك الذين تذاع اسماءهم بتهمة الشروع في الزنا بدأ يتحسس رغبته في الانفجار و بدأ يقاومها و كان قد لاحظ ان المذيع يبدو مستمتعا جدا و هو يذيع اسماء هولاء المنفلتين المعلنة فضائحهم في جهاز اعلامي ، لم يكن سالم قد صادف هذا المذيع مع شلة انسه ابدا ، كان سالم يتابع المذيع متابعة فيها نوع من اسقاط كراهيته للسلطة علي هذا المذيع و حين انتهت النشرة و خرج مع صديقه عبد الفتاح الي الفناء الخارجي في انتظار عربة الترحيل كان سالم يتابع المذيع في تحركاته و ضحكاته المنفلتة مع بعض العاملين في التلفزيون ، تابع سالم ذلك المذيع حتي لحظة خروجه من مبني التلفزيون بعربته الخاصة.

وصلت عربة الترحيل بالتلفزيون بعبد الفتاح و سالم الي منزل النور بالجميعاب و كان المذيع قد وصلت به النشوة حد ان نسي ان عليه ان يصمت قليلا عن حكايته المتمركزة دائما حول علاقاته العاطفية بينما النور و حسين لايملكان الي التظاهر بالاستماع.

دخل سالم و عبد الفتاح الي الداخل بعد ان فتح النور لهما الباب سمع سالم صوتا ليس غريبا عليه و حين حاول ان يتعرف علي صاحب هذه الصوت المعروف لديه لم يكن يتخيل ان هذا الصوت الذي يلعلع هو صوت نفس المذيع الذي كان يذيع نشرة التاسعة في التلفزيون وحين اقترب سالم من المجلس وجد المذيع ممسكا بكاسه و مسترخيا علي السرير و علي حكاياته التي لا تنتهي ، وجد سالم المذيع مستمتعا و غارقا في نشوته و حين حاول ان يقارن باستمتاعه باذاعة اسماء السكاري و المتهمين بالشروع في الزنا وبين أستمتاعه الان و كأسه في يده و نشوته في الطلاقة داهمه انفجاره الذي كبته داخل الاستديو قبل مايقارب الساعتين فداهم سالم المذيع وخلص الكاس من يده ثم هوي بها علي راسه فانفجر الدم من رأس المذيع بل انفجر الموقف و كان النور و حسين و عبد الفتاح يجاهدون كي يخلصوا المذيع من ضربات سالم المتوالية و قد تمزق قميص المذيع الذي كان يصرخ من الالم و بعد جهد جهيد تم تخليص المذيع من انفجار سالم العملي و العنيف و اوصل النور المذيع الي عربته مدموما و متأوها من الالم.

عاد النور الي الداخل و كان سالم قد هدأ تماما و بعدها بلحظات كان ابو داؤود يغني
(( سكر السمار و الخمار
في حان الغرام
وانا الصاحي اري
في النور
اشباح الظلام ))

و كان سالم يبتسم و هو ينظر الي بقع الدم المتناثرة هنا و هناك و الي بدلة المذيع المرمية علي السرير.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.