آخر الأخبار
The news is by your side.

تحليل نتيجة شهادة الأساس بولاية القضارف للعام 2020

تحليل نتيجة شهادة الأساس بولاية القضارف للعام 2020

القضارف: جعفر خضر

بعض المدارس الخاصة والحكومية تمارس الغش لإظهار التفوق

لماذا تفوقت البنات في كل المحليات ما عدا باسندة؟

انحياز السياسات التعليمية لصالح مدينة القضارف

تفوق الفاو لا يمنع وجود فوارق داخل المحلية

لماذا تذيلت محلية الرهد نتيجة شهادة الأساس ؟

احتلال البطانة للمركز الرابع خادع جدا

هذا هو الواقع .. فما العمل؟

إن نتيجة نتيجة شهادة الأساس بولاية القضارف لهذا العام، والتي أعلنت في المؤتمر الصحفي الأول من أمس، تأتي وعلى قمة الحكومة الوالي المدني الدكتور سليمان علي، ويتسنم مسئولية التعليم فيها أحد أبناء العهد المدني الأستاذ عبد الوهاب إبراهيم عوض، مما يعني أن تغييرا قد بدأ لإصلاح العملية التعليمية التعلمية التي طالها خراب غير مسبوق في العهد البائد ؛ مع ضرورة الانتباه إلى أن التعليم الحديث قد نشأ مختلا أصلا منذ بدايته في العهد الاستعماري .

بلغ جملة عدد المتقدمين لامتحان شهادة الأساس بالولاية لكل الأنماط لهذا العام 27389 بنسبة زيادة 9% عن العام السابق، ولكن كانت نسبة الغياب وسط الممتحنين نظامي 6% مقارنة بـ 4% في العام السابق ، ربما يكون سبب زيادة الغياب يعود إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها الولاية والتي تزامنت مع جائحة كورونا، وتزامنت الامتحانات مع الخريف حيث انشغال الأسر بالزراعة.

وبلغت نسبة النجاح هذا العام نظامي 60,6 % مقارنة بـ 66% في العام الماضي، وقد يكون طول انقطاع التلاميذ والتلميذات عن المدرسة والملل المصاحب لذلك تسبب في هذا الانخفاض ، كما قد يكون نتاج لاختلاف معامل الصعوبة للامتحانين، وربما يكون هذا الامتحان أكثر صدقا من سابقه.

ولكن عند مقارنة نسبة نجاح النظامي لهذا العام مع نسبة النجاح لكل أنماط التعليم مجتمعة (نظامي+كبار+اتحاد معلمين+منازل) نجد أن نسبة النجاح العامة 50,4% فقط، وذلك لتدني نسبة نجاح الأنماط الثلاثة الأخرى ، خاصة التدني الشديد في نجاح الكبار الذي بلغ 13,3% فقط.

فلماذا هذا التدني المريع في نجاح الكبار؟

يقصد بالكبار الذين التحقوا بالتعليم في سن متأخرة، والذين يتم تدريسهم في فصول تخصهم، تفاديا لضمهم في فصل واحد مع الأطفال الذين يلتحقون بالتعليم في سن السادسة.

ويبلغ عدد الجالسين لامتحان هذا العام من أنماط التعليم الأربعة 25173 ، ويتفرع هذا العدد إلى الجالسين نظامي 19053 ، والجالسين كبار 4242 ، واتحاد المعلمين 768 ، والمنازل 1110 . وكانت نسبة النجاح لكل نمط على الترتيب: 60,6% ، 13,3% ، 27,3% ، 32,1% ، وتسببت الأنماط الثلاثة الأخيرة في جر نسبة النجاح العامة إلى 50,4% . وواضح أن التأثير السالب للكبار كان أكبر إذ أن نسبة نجاحهم هي الأكثر تدنيا (13,3%) كما أن عددهم أكثر من خمسة أضعاف اتحاد المعلمين، وقرابة أربعة أضعاف الممتحنين منازل.

وفي حقيقة الأمر أن الكبار، ليسوا جميعهم كبار، بل أن أغلبهم محولون من المدارس الخاصة والمدارس الحكومية التي ترغب في المنافسة على المراكز الأولى . تعمل هذه المدارس على تحويل الطلاب الذين يئست من تطوير مستواهم الأكاديمي ، وتيقنت من رسوبهم، إلى مدارس الكبار، أو اتحاد معلمين، حتى تضمن نسبة نجاح 100% وارتفاع نسبة التحصيل* ، أي أن نتيجة بعض المدارس الخاصة والحكومية نتيجة زائفة .

ويتسبب هذا في ثلاثة أضرار: التزييف كضرر في حد ذاته، والهروب من مواجهة مشكلة صعوبة تعليم بعض الطلاب، الذي قد يتطلب مراجعة العملية التعليمية في مستوياتها الدنيا، كما يؤدي هذا أيضا إلى الإضرار بتعليم الكبار وإظهاره كمكان لصناعة الفشل، إذ يجعل منه “سلة مهملات” ، تُلقي فيه بعض المدارس بتلاميذها وتلميذاتها الذين يبدون في نظرها كـ”نفايات” يجب التخلص منها ، وهذا شيء في غاية الأسف.

وهذا التزييف ترسخ بسبب ممارسات العهد البائد، ونتاج للتنافس غير الشريف بين المدارس ، ويجب في عهد الثورة والحكم المدني تصحيح هذه الأوضاع المختلة ، بصياغة اللوائح الضابطة ، وتطبيقها بحزم.

تفوق البنات :

إن نسبة نجاح البنات بالولاية أعلى من نسبة نجاح البنين، رغم عدم ورود رقم مباشر في أوراق المؤتمر الصحفي . ونجد أن عدد مدارس البنات الأوائل 24 مدرسة، مقابل 7 مدارس بنين؛ كما نجد أن عدد البنات في الأوائل 68 مقابل 29 ولد .

ويلاحظ أن نسبة نجاح البنات أعلى من نسبة نجاح البنين في كل المحليات ما عدا محلية باسندة، وإذا سألنا : لماذا لم تتفوق البنات في باسندة؟ يرسّخ هذا السؤال فكرة أن الطبيعي هو أن تتفوق البنات ، ويمكننا أن نردفه بسؤال آخر توخيا للحيدة وهو:

لماذا تفوقت البنات في كل المحليات ما عدا باسندة؟

نجد أولا أن عدد البنات المتقدمات للامتحان، في الولاية، أكبر من عدد البنين، بفارق 789 ؛ وهذا يدلل على إقبال البنات على التعليم وقلة تسربهن، نسبيا ، وربما يعود ذلك إلى أن الحاجة إلى عمل الأولاد أكبر خاصة في الزراعة ، وربما هذا نفسه يفسر قلة نجاح الأولاد ، بالإضافة إلى انفتاح الأولاد على اللعب في الشارع ، مقارنة بانحصار البنات في خيارات قليلة مع محدودية الحركة.

ورغم كثرة البنات المتقدمات لامتحان الصف الثامن بمحلية باسندة 615 مقارنة بالأولاد 487 ، إلا أنها المحلية الوحيدة التي كان نجاح البنات فيها أقل ، بما يفسر ذلك جزئيا انخراط البنات في العمل بالزراعة أكثر من الأولاد ، مقارنة مع معظم المحليات الأخرى.

صدق نتيجة أم تراجع مستوى:

بلغت نسبة النجاح في مواد اللغة العربية ، واللغة الانجليزية والرياضيات 78,3%، 14,5% ، 12,7% ، نقصت جميعها مقارنة مع العام الماضي، وأظن أنه يعبر عن صدق النتيجة الأخيرة ، أكثر من تعبيره عن تراجع في المستوى.

انحياز السياسات التعليمية للمدينة:

من جملة المتقدمين لامتحان شهادة الأساس بولاية القضارف، نجد أن ثلثهم من بلدية القضارف (قرابة ال 34% ) والتي حصلت على المركز الأول من حيث نسبة التحصيل بنسبة 57,8% ، تليها بالترتيب: الفاو ، القلابات الشرقية، البطانة، ريفي وسط القضارف، قلع النحل، الفشقة، المفازة، باسندة، القلابات الغربية ، القريشة، وأخيرا الرهد بنسبة 43,8% .

أما ترتيب المحليات حسب نسبة النجاح فالأولى الفاو بنسبة نجاح 71,3% ، تليها بالترتيب: القلابات الشرقية، بلدية القضارف، البطانة، قلع النحل، الفشقة، ريفي وسط القضارف، المفازة، باسندة، القريشة ، القلابات الغربية ، وأخيرا الرهد بنسبة 36,8% .

إن المدارس الأوائل حسب نسبة التحصيل من جملة الثلاثين الأوائل (31 مدرسة) نجد 19 منها تقع ببلدية القضارف بنسبة 61% نصفها مدارس خاصة ؛ و6 منها بمحلية الفاو بنسبة 19% ، واثنين بريفي وسط القضارف بنسبة أقل من 7% ومدرسة واحدة بكل من: القريشة ، والقلابات الغربية، والقلابات الشرقية، والفشقة ـ بنسبة تزيد قليلا عن 3% لكل محلية ؛ وغابت خمس محليات تماما.

واتضح أن التلاميذ والتلميذات الأوائل (من جملة 97) عددهم 72 ببلدية القضارف بنسبة 74% ، وعددهم بالفاو 18 ، و2 من ريفي وسط القضارف، و2 الفشقة، 2 من القلابات الغربية ، و1 من البطانة ؛ وغابت تماما المحليات الست الأخرى .

طالما أن بلدية القضارف بها ثلث التلاميذ (34%) ، كان ينبغي أن يكون منها ثلث المدارس الأولى ، وثلث التلميذات والتلاميذ الأوائل . ولكن البلدية بها 61% من المدارس الأوائل ، و 74% من التلاميذ والتلميذات الأوائل ؛ مما يكشف عن فوارق تعليمية جلية بين البلدية والمحليات، ويشي بأن السياسات التعليمية متحيزة لصالح المدينة.

ولتبيان انحياز السياسات الحكومية للمدينة ، كشف الكتاب الإحصائي (الإحصاء التربوي بولاية القضارف للعام الدراسي 2018 ـ 2019) أن جملة مساهمات المجالس التربوية بالولاية بلغت 13262824 جنيها، ولكن يلاحظ أن مساهمة مجالس بلدية القضارف أقل من مساهمة معظم مجالس المحليات الأخرى ، كل على حدة . مما يعني أن بلدية القضارف، رغم كثرة مدارسها وتلاميذها، تعتمد أكثر على الحكومة ، مقارنة بالمحليات الأخرى، التي يدفع مواطنوها أكثر لسد النواقص .

ونجد أن بلدية القضارف حالها أفضل من المحليات الأخرى فيما يخص مياه الشرب، حسب الكتاب الإحصائي، ويتوقع أن يكون حالها أفضل بالنسبة لتوفر المراحيض والكهرباء.

ولكن نتيجة شهادة الأساس تشير أيضا إلى فوارق تعليمية داخل بلدية القضارف نفسها ، إذ أن عشر من المدارس الأوائل خاصة مقابل تسع حكومية ؛ كما أن 49 من التلاميذ والتلميذات الأوائل من مدارس خاصة، 23 من مدارس حكومية . وغابت أعلب مدارس الأحياء عن التنافس.

تفوق الفاو والفوارق داخل المحلية:

زاحمت محلية الفاو بلدية القضارف في التفوق بتحقيقها أعلى نسبة نجاح 71,3 % ، محافظة على مركزها الأول الذي أحرزته العام الماضي، وانتزعت ستة مقاعد في المدارس الأولى من جملة 31 مدرسة، وانتزعت 18 من التلاميذ والتلميذات الأوائل من جملة 97 ، ربما يفسر ذلك جزئيا ارتفاع وعي مواطني المحلية وزيادة رغبتهم في التعليم، خاصة إذا نظرنا إلى نسبة التحصيل المرتفعة.

لكن محلية الفاو بها الإجلاس الأسوأ ، مقارنة بجميع المحليات ، بنسبة إجلاس 49,1% ، وفقا للكتاب الإحصائي . وهذا يشير إلى فوارق في التعليم داخل محلية الفاو نفسها ، ويتضح ذلك جليا عند النظر إلى المدارس الأولى فنجد أن أربعة منها بمدينة الفاو (67%)، وواحدة بالقرية 3 ، وأخرى بالقرية 10 ؛ وعند النظر إلى الأوائل نجد 17 (من 18) من مدينة الفاو ، بل نجد 14 منهم من مدرسة واحدة ، و 3 من مدارس أخرى بمدينة الفاو ، وواحدة فقط من القرية 3 !!

ونجد أن المدرسة المتفوقة هي المدرسة التي يدرس بها أبناء التجار وكبار الموظفين في حاضرة المحلية، مما قد يعني أن هنالك إنفاق على المدرسة وربما تأثير على إدارة التعليم للإبقاء على المعلمين الأكثر تدريبا وخبرة فيها ، الشيء الذي تفتقر إليه مدارس القرى النائية.

لماذا تذيلت محلية الرهد نتيجة شهادة الأساس ؟

تذيلت محلية الرهد نتيجة الأساس، ربما يكون أحد الأسباب مجيء الامتحانات في فصل الخريف على غير العادة ، بعد تأخرها بسبب جائحة كورونا ، وكل مدارس المحلية ضمن مدارس المجموعة “ب” ، حيث تنشغل الأسر بالزراعة، بل وينشغل كثير من التلاميذ بمساعدة أهلهم في الزراعة ، ربما يفسر هذا جزئيا نتيجة المحلية المتدنية، ويفسر كذلك نتائج المحليات المشابهة . لكن التردي العام في الخدمات بهذه المحلية هو السبب الرئيس، وقد شهدنا جميعا انقطاع الطريق الذي يربط المحلية عن بقية الولاية بسبب الأمطار والفيضانات ، إذ تفتقر المحلية لطريق مسفلت ، مثلها ومثل محلية المفازة وقلع النحل، يربطها ببقية القطر ، بل ويتعذر أحيانا التواصل بين قرى المحلية وحاضرتها الحواتة ، مثلما حدث الخريف الماضي حينما غرقت قرية أم الخير والقرى المجاورة لها.

البطانة والمركز الرابع:

إن احتلال البطانة للمركز الرابع خادع جدا، إذ أن كل الجالسين للامتحان بهذه المحلية فقط 257 تلميذا وتلميذة، وهي أكثر المحليات التي تعاني من عزوف شديد عن الدراسة . وحسب الكتاب الإحصائي تبلغ نسبة الاستيعاب لمرحلة الأساس في محلية البطانة 25% فقط ، أي أن 75% من الأطفال خارج المدرسة؛ وتتراوح نسبة الاستيعاب لبقية المحليات بين 39% في محلية الرهد ، و87% في محلية القلابات الغربية ؛ كما أن التسرب في محلية البطانة هو الأعلى فقد بلغ نسبة 15,1% حسب الكتاب الإحصائي، ويبدو أن السبب هو الفشل في تكييف مدارس الرحل لتناسب المواطنين؛ إن معضلة العزوف عن التعليم بالبطانة معضلة كبرى تحتاج إلى تخطيط عميق وجهود جبارة.

هذا هو الواقع .. فما العمل؟

أولا لا بد أن تحرص وزارة التربية بالولاية على إخراج نتيجة سنوية حقيقية، حتى تتبين أوجه القصور وتخطط لتلافيها .

تقتضي ديمقراطية التعليم أن تضع حكومة الولاية خطة، تخصص فيها للتعليم نسبة عالية من موازنة الولاية ، ليتم العمل على تحقيق مجانية وإلزامية التعليم ابتداء من المرحلة الابتدائية، والتدرج للمراحل الأعلى، باستيعاب كل الأطفال في سن المدرسة .

ويجب أن تكون بداية الإصلاح من الريف ، وليس مدينة القضارف ، ولا حتى من حواضر المحليات، وإنما تكون البداية من القرى الكبيرة في الأرياف، ببناء المدارس، وإكمال المدارس ذات النقص في فصولها أو إجلاسها أو حمامتها أو مصدر الماء فيها أو كهربائها .

ثم الانتقال إلى القرى الأقل حجما والتي تطيق كثافتها السكانية إنشاء مدرسة ، والعمل على تجميع القرى الصغيرة أو تخير المكان المناسب لإنشاء المدرسة ، وينطبق الشيء نفسه على مدارس الرحل.

ويتبع ذلك تخصيص جزء مقدر من الميزانية لتحفيز المعلمين العاملين في الريف, ليكون الريف جاذبا ومرغوبا، بعد أن ظل طاردا، ويعد ضمن مناطق الشدة، التي يكون النقل إليها بمثابة العقوبة .

إن الثورة العظيمة التي أطاحت بنظام الإنقاذ ، والتي قدمت القضارف خلالها 12 شهيدا ، وحوالي مائة جريح ، تقتضي أن نعمل جميعا على تنزيل شعارها “حرية سلام وعدالة” على أرض الواقع ، وهذه العدالة تقتضي إنصاف الريف المظلوم، الذي هو في أمس الحاجة للتعليم.

المصادر:

1/ ولاية القضارف وزارة التربية والتوجيه، الإدارة العامة للامتحانات والقياس التقويم ، المؤتمر الصحفي لإعلان شهادة التعليم الأساسي للعام 2020 ، سبتمبر 2020

2/ ولاية القضارف ، وزارة التربية والتوجيه ، الإدارة العامة للتخطيط والإحصاء والمعلومات ، الكتاب الإحصائي ، الإحصاء التربوي للعام الدراسي 2018 ـ 2019 ، تاريخ الإسناد يناير 2019

*درجة التحصيل = مجموع درجات الطلاب / عدد الطلاب

نسبة التحصيل = (درجة التحصيل÷الدرجة الكاملة) × 100%

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.