آخر الأخبار
The news is by your side.

“تاباها مملَّحة تاكلها بي موية”

“تاباها مملَّحة تاكلها بي موية”

بقلم: النور حمد

طالب الجنوبيون عقب الاستقلال بحكم فيدرالي، في إطار الدولة السودانية الموحدة، لكن ووجه الطلب بتظاهرات حاشدة معادية للفدرالية، بلا فهم. ونشطت أقلام غوغائية في شيطنة الفيدرالية 7وجرى اتهام دعاتها بنوايا التفتيت والعمالة للاستعمار. بعد عامين من الاستقلال قوَّض انقلاب الفريق عبود الديموقراطية الأولى وانخرط في حرب إبادة في الجنوب، لكنها لم تفلح في إخضاعهم. سقط نظام عبود بثورة أكتوبر 1964، وبدأت الديموقراطية الثانية، وسار الساسة المدنيون على خطى العسكريين في الحل الأمني. استمرت الحرب، إلى أن حدث انقلاب جعفر نميري في مايو 1969. فجرى في 1972 توقيع اتفاقية أديس أبابا وتوقفت الحرب، تمامًا، لأول مرة.

عقب الاتفاقية، مارس الجنوبيون ما سُمي “الحكم الذاتي الإقليمي”، لعشر سنوات، اتسمت بالاستقرار. غير أن نميري شرع في حفر قناة جونقلي، التي تخدم مصر. أثار ذلك حفيظة الجنوبين. فقد خشوا أن يقود حفر القناة إلى تجفيف المستنقعات الشاسعة التي يعتمد عليها الرعاة الجنوبيون وهم غالبية السكان. في ذلك الجو الموتر تلاعب نميري، ببعض بنود اتفاقية أديس أبابا. فثار الجنوبين ووُلدت الحركة الشعبية بقيادة قرنق. اشتعلت الحرب من جديد، وأعلن نميري في عام 1983 ما أسماه “تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية” فزاد النار اشتعالا.

سقط نظام نميري بثورة أبريل 1985، وعادت الديموقراطية، واستمرت الحرب إلى أن وقع العقيد جون قرنق والسيد محمد عثمان الميرغني ما سُميت “اتفاقية الميرغني/ قرنق”. لم ترق الاتفاقية للسيد الصادق المهدي وللإسلاميين، الذين استثمروا في استمالة الجيش تمهيدًا لانقلابهم المُعَد، الذي نفذوه بالفعل في يونيو 1989، مطيحين بحكومة السيد الصادق المهدي. ثم، ما لبثوا أن شنوا أعنف الحروب على الجنوبيين، باسم الدين. استمرت الحرب 15 عامًا ولم يتحقق للإسلاميين فيها نصرٌ حاسمٌ. فاضطروا، عبر مفاوضات نيفاشا إلى توقيع ما سميت “اتفاقية السلام الشامل”، في 2005، تضمنت حق الجنوبيين في تقرير المصير. شارك الجنوبيون الإنقاذيين الحكم لخمس سنوات، توفي في بدايتها جون قرنق في حادث طائرة غامض. في نهاية الفترة الانتقالية في 2011، جرى التصويت على تقرير المصير. وبسبب تعطيل الإنقاذيين إنفاذ العديد من بنود الاتفاق، اختار الجنوبيون، بأغلبيةٍ ساحقة، إنشاء دولتهم المستقلة.

رفضت نخبنا السياسية منح الجنوب حكمًا فيدراليًا عقب الاستقلال، واضطرت مُرغمةً، بعد أن أضاعت خمسة عقودٍ، في إهدار الأرواح والأموال والموارد، قبول انفصال الجنوب. في شهور، تحول القطر، إلى دولتين فاشلتين. والآن تمارس النخب الشمالية نفس ألاعيبها القديمة، بلا استفادةٍ من دروس الستين عامًا ونيف التي أضاعتها هدرًا. لا يزال نفس العجز البنيوي في القدرة على اتخاذ القرارات الشجاعة، وتقديم التنازلات، التي تخدم الوحدة الوطنية، هو سيد الموقف إلى الآن. فمؤشر درجتنا في مقياس زيادة النضج السياسي، لا يختلف في 2020 عنه في 1956! اعتقدنا بجهالة، عقب الاستقلال أن الفيدرالية خط أحمر، فخسرنا الجنوب، مرَّةً وإلى البد. والآن تعتقد بعض نخبنا المتنفذة ألا تنازل عن تسمية السودان “دولة إسلامية”. وهي، في حقيقة الأمر، مجرد تسمية لا تأثير لها على الواقع العملي للدولة. لا تزال بعض نخبنا المتنفذة، تستخدم، بدافع المصالح الضيقة، نفس عراقيل الشعارات القديمة، الخاوية، الضارة بالوحدة الوطنية. وكما حدث من قبل، فإنهم سيضطرون، في نهاية الأمر، إلى التراجع، لكن، بعد ضياع الوقت والجهد، و”خراب سوبا”.

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.