آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات قرآنية: في الآيتين 46-47 من سورة ابراهيم

 تأملات قرآنية: في الآيتين 46-47 من سورة ابراهيم

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآيتين 46-47 من سورة ابراهيم: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ”.

المكر هو التدبير الخفي بقصد الإضرار بالغير، وهوما يسمى بلغة عصرنا التآمر، وإخفاؤه هو بقصد مباغتة الممكور به لحرمانه من اتخاذ الحيطة لدرء ما سيحل به، ولا يكون المكر إلا بأمر سيء، لإنه لو كان بأمر فيه خير لا يكون خفيا فيسمى تدبيرا.

من هنا سمى الله تدبيره أحيانا مكرا، وذلك لأن تدبير الله أمور خلقه دائما ما يكون خفيا، فإن كان جليا للناس مثل هبوب الرياح أو تجمع السحاب، فهذا يدل الناس على قرب هطول المطر، لذلك يسمى تصريفا لسنن الله، فلا يسمى مكرا، إلا إن كان تدبيرا لحدث مباغت، قد يكون فيه إنفاذ لقضاء الله: “أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ” [الأعراف:99]، أو إبطال لمكر البشر أو تحويله عن تحقيق غايته: “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” [الأنفال:30].

لقد جاءت الآيتان في سياق الحديث عن المكذبين بما جاء به المرسلون، رغم علمهم أن فيه الخير والصلاح، لكن هؤلاء المكذبين واستجابة لأطماعهم وشهواتهم، دأبوا على معاداة منهج الله والتآمر على الدعاة لانتهاجه، سواء الأنبياء والمرسلون، أو من استجابوا فاتبعوهم.

يبين الله تعالى في الآية الأولى أن تآمر هؤلاء سيكون عظيما، ولن يتوقف عند حد، فلو استطاعوا إزالة الجبال (التي يراها البشر أعظم المخلوقات) لأزالوها.. فكيف بالبشر!؟.

في زمن التنزيل لم يكن معقولا أن يكون بإمكان بشر إزالة جبل، لكن في زمننا هذا لم يعد الأمر مستحيلا، فقد طور شياطين الإنس أسلحة التدمير والإهلاك، فرأيناهم في عدوانهم على غzة، يحيلون أبراجا مبنية بعشرات الطوابق ركاما، ويهلكون الحرث والنسل.

لذلك أرادنا الله أن نصمد متمسكين بمنهجنا، برغم قدرات أعداء منهجه الهائلة، التي قدر في سابق علمه أن تبلغ شأوا بعيدا، لدرجة قدرتهم على إزالة الجبال الراسيات، فلا نعتقد بأن ما يدبرونه بهدف استئصال شأفة الإسلام هو أمر خارج تقدير الله، بل هو محيط بهم وبمكرهم إحاطة تامة، ولن يتركهم يصلون لمبتغاهم مطلقا، لذلك على المؤمنين أن لا يهنوا لعدوهم فيستسلموا لهم وينساقوا للتطبيع معه، ولا يحزنوا لما يصيبهم من لأواء قدرها الله عليهم، فيصيبهم نقص من الأموال والأنفس والثمرات، وليعلموا أن ذلك لم يكن ليحدث لو لم يأذن الله به، ولكنه أراده ليمحص الصادقين المرابطين، وليصطفي من بينهم شهداء، عنده مكرمون.

في الآية الثانية استكمال لسياق الآية الأولى، حيث جاءت لتأكيد سنة الله التي كتبها، بصورة وعده لرسله ومن اتبعهم بإحسان الى يوم الدين، بنصرهم على كل مكر يمكره بهم أعداء الله مهما عظم، وهذه السنة مؤكدة ولا مانع لها، وباقية الى أن يرث الله الأرض وما عليها، وهي: “كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي” [المجادلة:21].

ولأن الله يعلم أن تصاريفه للأحداث، وإبطاءه نصره لتحقيق حكمة أرادها، قد يقلق بعض المؤمنين، فيتساءلون: متى نصرالله؟، فقد جاء بتأكيد وعده، عن طريق تحكيم المنطق العقلي لجب الشك في أن الله يمكن أن يخلف وعده.

فالإنسان قد يخلف وعدا وعده إن تعارض مع مصالحه، وقد لا يفي بالوعد حتى لو كان صادق النية فيه بسبب ظروف قاهرة، لكن الله تعالى دائما صادق، ولا يعيقه معيق، لأنه موجد الظروف ذاتها ومصرف الأحداث ومن بيده إجراء السنن أو تعطيلها، لذلك فهو قاهر فوق عباده ومخلوقاته، فلا يمنعه من إنفاذ عهده مانع.

كما أنه على كل شيء قدير، وبيده مقاليد الأمور، وخزائن كل شيء، فلماذا لا يصدق وعده وينفذ أمره!؟.

ويختم الله الآية بتأكيد المؤكد، وهو أن الله عزيز لا يمكن أن ينال جانبه، ولا أن يتاح لمخلوق إبطال وعده، وعاقبة من يتجرأ على محاولة ذلك انتقام شديد في الدنيا، قبل الانتقام المخزي في الآخرة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.