آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات قرآنية: في الآية 115 من سورة النساء

تأملات قرآنية: في الآية 115 من سورة النساء

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآية 115 من سورة النساء “وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا”.

هذه الآية تعالج حالة المنافق المرتد عن الدين، ولخطورة هذه الحالة فهنالك العديد من النقاط تستوجب من المؤمن التوقف عندها:

1 – هنالك دلالة عميقة من استعمال الله تعالى فعل المشاققة للتعبير عن الإبتعاد عن الدين، فاللفظة جاءت من الشق، أي ابتعاد جزء عن الآخر كان جزءا منه، وذلك ناتج عن شرخ في العلاقة بينهما، وبما أن الأصل يعني الرسوخ والثبات، فالجزء المنشق عنه يفقد منعته ويذهب ريحه، علاوة على أنه يضعف الأصل، وبذلك فإن مشاققته هذه ضارة، لذلك جاء الوعيد بأن مصيره في جهنم.

2 – لخطورة هذا الفعل (الردة عن الدين) فإن عقابه عند الله سيكون مرتين: في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلأنه قد اختار الضلال بعد أن اهتدى وعرف الحق، لذلك جازاه الله بأن يحسنها في صدره، ويزينها له استدراجاً، وفق سنة الله في المكذبين بالدين: “فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون” [القلم:44]، وقوله أيضاً: “فلما زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم” [الصف:5]، ثم جعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة.

3 – لقد اعتبر الله أن من أوجه الردة عن الدين، هو مخالفة ما أمر به رسوله والخروج عما جاء به، ثم استكمل ذلك بمخالفة الجماعة التي آمنت به واتبعت نهجه عن قناعة وإيمان، وهذا الإتباع ترسخ بشكل منهج ثابت، بحيث أصبح الإسلام هو ارتباط المرء بثلاث حلقات إيمانية متماسكة: أولها الإيمان بالله وبدينه، ثانيها الإيمان بما بيّنه وطبّقه رسوله، وثالثها اتباع منهج الجماعة المتصلة بدءا من الصحابة اتصالا بالتابعين ثم تابعي التابعين واستمرارا مع العلماء والفقهاء الصالحين الى آخر الزمان.

4 – من هنا نفهم أن من مرادات هذه الآية الكريمة أنها وضعت للمسلمين منهجا لو أنهم التزموا به ما ذهبت ريحهم وما هانوا على الله فتخلى عنهم وأسلمهم للفتن وسلط عليهم من لا يخافه ولا يرحمهم.

فالتشظي الى فرق وجماعات ما أنزل الله بها من سلطان هو سبب هذا الهوان، لأن من يتخلى عن التمسك بحبل الله المتمثل بالسلسلة ذات الحلقات الثلاث، هالك لا محالة، وسيتخطفه الأعداء المحيطين بهذه الأمة من كل جانب، وجزاء مخالفة هؤلاء لأمر الله وتخليهم عن التمسك بما أوصاهم به، فقد زين لهم موالاة الأعداء بدل موالاة أبناء عقيدتهم، وسدروا في غيهم، فعاونوهم على تنفيذ مأربهم بإضعاف الدين.

هكذا أوردوا أنفسهم موارد التهلكة وأنزلوها دار البوار، فالأعداء الذين والوْهم سيتخلوا عنهم سريعا في الدنيا، وأمتهم سترفضهم بعد إذ خرجوا عليها وظاهروا الأعداء، وسوف يلاقوا مصيرهم التعيس في عذاب الله الأزلي في الحياة الأخرى.

5 – إن مشاققة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست متوقفة على العداء الشخصي له والكيد له، بل على معاداة منهجه الذي تركه لأمته، فالمشاققين حتى في حياته لم يكن في يدهم حيلة لإيذائه، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، بعد إذ تكفل الله بعصمته منهم، لذلك فستبقى المشاقة هذه حال منافقي الأمة الى يوم الدين.

نستخلص أنه لا نجد فارقا منهجيا بين معادي الدين من أعداء الأمة الخارجيين الذين يسعون للقضاء عليه كونه الحصن المنيع للأمة من أطماعهم، وبين معادي الدين المنافقين، وهم أعداء الدين من داخل الأمة، الذين يتظاهرون بالإسلام تقية، فيما هم يوالون أعداءه، ويزينون لهم استئصاله والبطش بدعاته.

قد يتساءل البعض: لماذا يعطي الله الفرصة لأعداء منهجه ليسدروا في غيهم ويطغوا في الأرض، ولا يقصمهم وينصر دينه!؟.

الإجابة تكمن في قوله تعالى: “وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” [السجدة:13].

فوجود هؤلاء فيه فتنة لمن آمن، فيفرز الصادق من المنافق أولاً، ثم يتمايز المؤمنون درجات، ويتخذ الله منهم صديقين وشهداء.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.