آخر الأخبار
The news is by your side.

تأملات قرآنية: في الآيات 123 – 125 من سورة النساء

 تأملات قرآنية: في الآيات 123 – 125 من سورة النساء

بقلم: د. هاشم غرايبه

قال تعالى في الآيات 123 – 125 من سورة النساء: “لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً . وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً . وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ “.

الخطاب هنا موجه الى المسلمين وأتباع الرسالات السابقة على السواء، وهو رد على المفاخرة بين الطرفين، فكل يدّعي أنهم أحباب الله وأولياؤه، فقد زعم أهل الكتاب أن أنبياءهم منهم من كلمه الله ومنهم من خلقه متميزا عن سائر البشر، لذا فهم المقربون الى الله وأنه “لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى” [البقرة:111]، وقد رد عليهم المسلمون أنهم أتباع الرسالة الخاتمة، وأن رسول الله إليهم هو سيد المرسلين.

وحسما لهذا الجدل جاءت هذه الآيات، لذا يحسن بنا التوقف مليا عندها، ففيها الجواب، وفي فهم مراداتها نيل الأرب:-

1 – تنقض هذه الآيات المفهوم الذي روّجه اليهود عن أنفسهم أنهم شعب الله المختار، وأنه خلق البشر الآخرين لخدمتهم، وذلك لكي يبرروا لأنفسهم ظلم الأغيار واستلاب حقوقهم، بحجة أنهم السادة الأشراف.

ما كان لذلك أن يصدر عن الإله العادل، ولا يُعقل أن يقوله رسله، بل إن البشر عند الله كلهم سواء، ومنحهم نعمهُ وأغدق عليهم أرزاقه جميعهم على السواء، حتى الكافرين منهم: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” [الإسراء:70]، وإنما حمّل من أنزل عليهم كتبه، وأراهم معجزاته، مسؤولية أكبر، وجعل عاقبة كفرهم أعظم: ” فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ” [المائدة:115].

2 – يجدر بالمؤمن أن يستمع الى بيان استحقاقات نيل رضا الله وثوابه، بكل اهتمام، فالامر ليس بالتمني، وليس الفوز بالجنة بمجرد الإيمان بما جاء به المرسلون، فأعمال المرء في الدنيا من خير وشر هي التي تحدد مصيره، وهذا يدحض ما جاء به بعض المحرّفين لعقيدة التوحيد التي جاء بها المسيح عليه السلام، من أن الجنة هي استحقاق مقصور على من آمن بألوهية المسيح فتعمد بإسمه، بغض النظر عن أعماله إن كانت صالحة أم طالحة، لأن المسيح بزعمهم ما جاء إلا لتخليص المؤمنين به من ذنوبهم مهما عظمت.

إن المسيح عليه السلام نبي كريم كسائر أنبياء الله، جاء حقا لتخليص البشر من فسادهم، لكن بوسيلتين: الإيمان بالله إلهاً واحدا لا شريك له، وبالأعمال الصالحة.

3 – ينطبق الأمر على المسلمين أيضا، فمجرد النطق الشهادتين وتأدية العبادات المفروضة، لا تحقق للمسلم الجنة، فالدخول في الإسلام هو مثل دخول طالب الطب الجامعة، فالتزامه بالدوام وحضور المحاضرات وتأدية المتطلبات يمثل أداء الفرائض، لكن ذلك لن يكفي لنوال الشهادة، بل يلزم الإيفاء بشروط ثلاثة لازمة معا: الأول: الالتزام بقوانين الجامعة وتعليماتها (يقابلها الالتزام بالحلال والحرام)، والثاني: الدراسة والجد والإجتهاد (يقابله عمل الصالحات)، والثالث: النجاح في الامتحان بان تكون الإجابات الصحيحة أكثر من الخاطئة (يقابله اثقال الميزان بأن ترجح الحسنات على السيئات يوم الحساب).

نوال ثواب الله فوز عظيم، لا يمكن أن يناله المسلم المقل بجهده، والباذل قصاراه على السواء، ولا يمكن أن يتساوى في الجزاء يوم الحساب من كان ظالما في الدنيا لخلق الله أو آكلا لأموالهم بالباطل، وبين المستقيم في تصرفاته وسلوكه، المتعفف عن الحرام.

4 – إن العليم الخبيرالقائل: “..إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..” [الحجرات:13] جعل التقوى معيارإكرام الله لخلقه، وليس النسب والحسب، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: ” يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله أنقذا نفسيكما من النار أنا لا أغني عنكما من الله شيئا لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه”.

جوهر الدين هو الإتصال بالحق، وأقرب وسيلة لذلك الإحسان إلى الخلق.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.