آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات قرآنية: في الآيات (10 -12) من سورة الصف

 تأملات قرآنية: في الآيات (10 -12) من سورة الصف

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الآيات (10 -12) من سورة الصف: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.

هذه الآيات تمثل خارطة طريق مضمونة للمؤمن الذي يبحث عن الوسيلة المثلى للفلاح، والذي يعني المعيشة الطيبة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة.

لقد جاءت هذه الآيات الثلاث مكملة لسياق آيتين سبقتها، لذلك من المهم الربط بينها.

تقول الآية الثامنة: “يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”.

فيما تقول الآية التاسعة: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”

والآيتان تتحدثان عن الكارهين لمنهج الله، الذين يناصبونه العداء، وهم فئتان: الكافرون والمشركون.

الكافرون تصدوا لمنهج الله تاريخيا، لأنه ينتقص من امتيازاتهم ويحد من أطماعهم، لذلك سعوا الى قطع دابر الدعوة إليه، بمحاربة دعاته، ولم يتمكنوا من ذلك، لكنهم استطاعوا أن يحدوا من انتشاره وأن يحرفوا فيه وفق أهوائهم، لذلك وعندما نزلت الرسالة المحمدية التي ستكمل الدين، تصدوا لها بشراسة، لأنها أفشلت تزويرهم وأعادت نشر الهدى وبصورة أسطع وأكمل.

أما المشركون وهم محرفوا العقيدتين السماويتين السابقتين، من التوحيد الى الشرك، فكان تصديهم للدعوة الإسلامية أكثر شراسة، لأن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبطلا لتحويرهم، وبديلا لكل ما سبق، وان الكتاب الذي أنزل إليه جاء مهيمنا على الكتب السابقة.

لذلك رأينا تحالف اليhود مع كفار قريش قائما لتقاطع مصلحتيهما، مع أن الأصل أن يكون المسلمون هم الأقرب الى أهل الكتاب، فالكفار يرفضون كل الرسالات السماوية من أصلها، فيما المسلمون يؤمنون بها.

ولأن الله يعلم ما سيلقاه المسلمون من عنت وضيم جراء تحالف الطرفين عليهم (والذي ما زال قائما الى اليوم)، لذلك فقد أكرمهم بالجهاد، الذي إن كان في سبيل الله، يحقق لهم النصر المؤكد على القوى الباغية مهما بلغت قوتها، فيرتفع قدرهم في الدنيا بالعزة والسؤدد عندما يهزمون أعداءهم، كما ينالون أعلى المراتب في الفوز بالجنة في الحياة الآخرة.

الجهاد في سبيل الله هدفه الثبات على منهجه ونصرته، وهو أمر مكلف ماديا إن كان بالمال، وإن كان قتالا فهو تضحية بالأغلى وهو النفس، لكن المكسب من ورائه عظيم المردود، لأنه ليس له إلا نتيجتان نصر أو استشهاد، وفي كلتي الحالتين ينال المجاهد المكانة الرفيعة في الدارين.

لذلك سماها الله تعالى تجارة، فهي استثمار بالأقل للحصول على عائد أكبر، ولما كانت الخسارة في هذه التجارة معدومة، والربح مضمونا، فقد دعاها الله تجارة لن تبور.

من المهم ملاحظة أن الله تعالى جاء بالربح من هذه التجارة متدرجة على ثلاث مستويات:

ففي الآية العاشرة حدد الفوز الأولي بالنجاة من النار: (تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، لأن أهم ما يقلق المرء أن يأتي يوم القيامة ويجد سعيه في الحياة الدنيا هباء منثورا، فذلك هو المفلس، لذلك فالدرجة الأولى من الفوز هي طمأنة المجاهد على سلامته ونجاته من ذلك الإفلاس المهلك بسبب نقص رصيد أعماله الصالحة.

وفي الآية الثانية عشرة يبين الله تعالى الجائزة الثانية للمجاهد: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)، لأن الذنوب التي يقترفها المرء في حياته قد تكون عظيمة، فتعجز حسناته التي كسبها عن إثقال الميزان يوم الحساب، لأن نتيجة ذلك مرعبة: “وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَه . نَارٌ حَامِيَةٌ”.

ومن المفيد التنبه الى أن المغفرة هنا شاملة لكل الذنوب، وليست لجزء منها التي تكون جزاء الإيمان والطاعة، كما في قوله تعالى: “يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ” [نوح:5]، لذلك فجزاء المجاهد الجنة بلا ريب مهما قلت حسناته وكثرت سيئاته… فهل بعد هذا الربح ربح!.

لا شك أنه من هذا الفهم كان أبوعبـ_يده يردد دائما: إنه لجهاد، نصر أو استشهاد.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.