آخر الأخبار
The news is by your side.

 تأملات رمضانية…في الاية 105 من سورة البقرة

 تأملات رمضانية…في الاية 105 من سورة البقرة

بقلم: د. هاشم غرايبه

يقول تعالى في الاية 105 من سورة البقرة: “مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ”.

هذه الآية الكريمة تفسر سر العداوة التي التقى عليها طرفان من البشر، هما متناقضان أصلا في المعتقد لكنهما اجتمعا على بغض هذه الأمة، حسدا من عند أنفسهم على أن خصها الله بالرسالة الخاتمة، التي جاءت مهيمنة على الدين كله، ومتضمنة منهج الله القويم.

ان استعمال الفعل المضارع (يود) لوصف حالة الكره التي عمرت نفوسهم، جاء لبيان الدوام والاستمرارية، فهي لم تحدث حين حدوث تنزل الرسالة المحمدية وانتهت، بل هي مستمرة طالما أن المؤمنين متمسكين بها، لذلك قال تعالى: “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا” [البقرة:217].

هذا يعني أن الصراع مستمر وأزلي بين أهل الباطل الذين يبغونها عوجا، وأهل الحق الذين يسعون الى الالتزام بالصراط المستقيم (منهج الله)، فليست المسألة نزاعا على ملكية حتى تحل بالتراضي والتصالح، إنها مسألة تناقض مع منهج وفكر، ومبدأ يراد هدمه، لذلك ليست القضية أطماع في مقدرات العرب، فقد حققوا هزيمتهم عسكريا، وضربوا عليهم الذلة والتبعية، وتمكنوا من التحكم في مقدراتهم وتوجيهها بما يحفظ مصالحهم ويؤمن دوام انقياد قياداتهم لهم.

ومع ذلك ما يزال العداء مستحكما وحربهم علينا ضروسا.

إذا فحربهم علينا هي على المعتقد الي نتبعه والدين الذي ندين به.

وهذا ما اعترف به أشدهم علمانية وأبعدهم عن الإيمان بفكرة الدين.

لكن فينا من ما زالوا يعتقدون أنها مسألة صراعات مصالح، فهل ذلك عن جهل منهم لطبيعة هذا الصراع؟.

في حقيقة الأمر، ذلك مستبعد، فمن يمعن النظر في التاريخ ويعاين الحاضر، يلاحظ أن المصالح موجودة في كل أرجاء الأرض، لكن ميدان الصراع ما زال هو ذاته: الشرق الأوسط!.

إذا فهؤلاء متجاهلون قصدا، لاعتقادهم أن الاعتراف بالحقيقة ينبه شعوب الأمة الى ما يحسدهم الآخرون عليه، الذي يعني أنه مناط تفوقهم وبالتالي مصدر عزهم وقوتهم، ألا وهو منهج الله القويم، لذلك فهؤلاء الذين يحاولون إيهامنا أن الغرب لا يحقد علينا جراء تمسكنا بمنهجنا، بل لأن فكرنا ظلامي ومتخلف ويريدنا أن نتنور، هو سلاح يريد الفتك بنا من داخلنا، وأخطر علينا من طائراتهم وقذائفهم.

قد يسألك أحد هؤلاء ساخراً: على ماذا يحسدوننا؟ على تخلفنا عنهم علميا واقتصاديا وسياسيا!؟، أم على تفرقنا وتناحر أنظمة الحكم المستبدة الطاغية لدينا!؟.

الجواب في التاريخ القديم، فعندما أنزل الله التوراة (أول كتاب تشريعي أنزله الله للبشر)على ذرية يعقوب، اعتقد هؤلاء ان الله اختصهم بهذا الخير من دون باقي الأمم لأنهم خيرهم، ولذلك كتموها عن غيرهم، واحتكروا العلم الذي جاء فيها، فلم ينفعوا به غيرهم، ومنها ومن التوراة والانجيل عرفوا أن هنالك رسالة خاتمة ستكون المهيمنة على كل ما سبقها، وأوصوهم انبياؤهم باتباعها، فأحبوا ان تنزل عليهم، فقصد بعضهم أرض العرب التي قيل لهم أنها ستكون فيها واستوطنوا فيها، لكنهم لما وجدوا أنها نزلت على من هم من نسل اسماعيل، صعقوا لأنهم بذلك خسروا الفوقية التي كانوا يظنونها، ويدّعون بموجبها أنهم شعب الله المختار، لذلك حقدوا على العرب منذ ذلك وما زالوا الى اليوم، ولن يتوقف ذلك إلا أن تخلوا عن هذه العقيدة.

من هنا نفهم لماذا أن هذا الحلف (حلف أهل الكتاب والمشركين) لم ينفرط طوال التاريخ، ولماذا عاد الى الالتآم فورا وبكل عنفوانه عندما حدثت معركة الطوفان، فهذه أول معركة يشنها العرب ضد الكيان اللقيط بقيادة اسلامية، (فكل المعارك الأخرى كانت بقيادات علمانية)، وأحسوا أن الذين قاموا بها مجاهدين وليسوا مجرد عسكريين، لذلك انتابهم الفزع، فهرعوا جميعا الى كيانهم اللقيط يشدون من أزره رغم تفوقه العسكري الكاسح، ويدعمونه بالمال والسلاح رغم وفرتها لديه وندرتها لدى المجاهدين.

إنهم يعلمون يقينا أن باطلهم لن يقف أمام الحق من الله، ويعلمون أنه سر الصمود حتى النصر، لذلك رأيناهم يماطلون في وقف الحرب، لإطالة أمد التجويع والترويع، أملاً بأن ينفك هؤلاء عن عقيدتهم فينهارون قبل رمضان، لأنهم يعلمون أن هذا شهر تعزيز الإيمان للمؤمنين، وشهر نصرهم بإذن الله.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.