آخر الأخبار
The news is by your side.

بعض الخصائص المشتركة للنصوص الشعرية الحديثة بالغة القصر

بعض الخصائص المشتركة للنصوص الشعرية الحديثة بالغة القصر

بقلم:صلاح محمد الحسن القويضي “4-4”

(الرؤى المتجددة):
قلت في ما سبق من هذا المقال (الاستكشافي) إن (القصر البالغ) هو استجابة لروح لعصر وايقاعه. وبمثل ما تجلت هذه الاستجابة لروح العصر في (الشكل) فقد تبدت بوضوح في المحتوى. فقد تناول رواد هذا التيار أسئلة الوجود الكبرى – وبعضها أزلي دائم – لكنهم طرحوا أيضاً في نصوصهم رؤى واسئلة جديدة. وحتى الأسئلة القديمة جاء تناولهم لها من زوايا مخالفة لما تكرر في القصيد العربي (مقفاه وشعر تفعيلة وقصيدة نثر).

هذه دعوة للنظر في نصوص خالد أبو شقة وأسامة تاج السر وعزاز حسان وسارة عبد الله الأمين وصاحب المترار (بدوي إبراهيم) وفتحي مهذبي ومحجوب محي الدين وغيرهم من رواد هذا (التيار) لننتقل عبر هذه النصوص لموضوع الإحالات الكاشفة التي تشكل – بجانب (التساؤل) و(الشك) و(الإضمار) – واحدا من مصادر غنى هذه النصوص.

الإحالات الكاشفة:
تعتبر (الإحالة) في نظري من أهم أدوات (تكثيف) (النص الشعري الحديث بالغ القصر)، إن لم تكن أهمها على الإطلاق. قد تكون هذه الإحالة صريحة أو مضمرة، زمانية أو مكانية لكنها في كل الأحوال (تشحن) النص بأفكار ورؤى (مضافة) كانت النصوص الشعرية سابقا تتوسل إليها (بالتطويل).

تتناثر (الإحالات) في خطاطات مبدعي النصوص بالغة القصر لكنها تتجلى في أوضح صورها عند زرقاء الكتابة. تقول عزاز حسان:
(يحاولُ الغيابُ
هَدْمَ ذاكِرتِي،
لكن- طيورُ شَوْقي
دومًا حاضِرةْ،
بحِجارةٍ من “حنين”
للحُبِّ قلبٌ يحْمِــيه…)
الإحالة لحادثة (الفيل) التي وردت في القرآن أعفت الشاعرة من قول الكثير واستثمرت كل (المخزون) الذهني و(العقدي) للقارئ في (دعم) ما تريد أن تقوله. وقد أسهب الصديق الناقد نادر السماني في الحديث عن الإحالة في هذا النص مما أوردته في مقال سابق عن (نصوص عزاز حسان متناهية القصر).

وفي نص آخر تحيل عزاز قارئها لذاكرة الأمثال العربية حين تقول:

(إلى شَجَرة..
مَـا حَــكَّ ” جَزَعَكِ” مثل
طَيركْ….)

مستدعية بذلك المقولة التي سارت مثلاً (ما حك جلدك مثل ظفرك) مضيفة كل ما فيها من معان ومدلولات ومقدرة على شحن الطاقات لنصها بالغ القصر (7 كلمات).
تقول عزاز حسان في نص آخر بعنوان رؤية:
(أعْمَى يُوَزعُ ضَمِيرَهُ على المَصَابِيحِ المُطْفَأة
ويَقْرَ صَمْتَهُ في بَصِيرَتِها….)

في هذه الإحالة (قفزة جمالية) إبداعية برمزية (مصباح ديوجين) تخرج (بالأعمى) من (سجن) (السلبية) إلى آفاق (الإيجابية) وتغادر بالمصباح (محطات) (الإضاءة) و(الرؤيا) لسماوات (التنوير)و(الرؤى). الإحالة إلى مصباح ديوجين في نص زرقاء الكتابة هذا ليست إحالة (سكونية) نقلية جامدة وإنما هي إحالة (خلاقة) (حركية) (مجددة) تبعث في (المحال إليه) روحاً بل أرواحاً جديدة. وتكسبه أبعاداً متجددة. وفيها (تسكت) عزاز حسان متعمدة عن (بعض) (المراد) حتى تتيح (كمنتِج / مبدع) – – فرصة (للمستهلِك/ المتلقي) ليذهب بالنص حيث يشاء. وهذه من خصائص النص الإبداعي الحديث الذي ينفتح – عبر مفردته وهندسته النصية على تأويلات قد تكون أحياناً بعدد (متلقيه).

تجديد الرمز وابتكاره وأسطره الواقع:
تتجاوز كثير من النصوص الشعرية الحديثة متناهية القصر (شفرات) الرموز القديمة المعهودة في الشعر العربي فتبتكر رموزاً جديدة أو (ترمز) معطيات من الحياة اليومية فتمنحها عبر (الهندسة النصية) مدلولات تتجاوز مدلولاتها المباشرة وتحملها (بشحنة) من الدلالات الرمزية المكثفة.
فمفردات مثل (الشجرة والعصفور والنافذة والسحابة والغيم والبحر والنهر والليل والغابة والدم والمطر والحبر والفراشة والمسمار والنهر والسفينة) تكتسب (بتموضعها في الجملة الشعرية للنصوص الحديثة) أبعاداً تتجاوز مدلولاتها المعهودة. يقول أسامة سليمان في مديح الدينكاويات:
(صبيحة القصف
تستعيد الغابة رونقها
تدندن النساء الحاناً حزينة
يحدق الرجال
في أفق ملوث بالرصاص
يتذكر النهر ان رحلته طويلة
يرقص الموتى مع أجدادهم
في الأعالي)
ويقول محجوب محي الدين:

(كتب في كراسه “شجرة”
واستظل تحتها.
وحين أحسا “بالعطش”
كتب “ماء”.
لم يمض وقت طويل
حتى أحبته “الشجرة”).

وتقول زرقاء الكتابة:

(أمامَ “البابِ” الخَطأ
مَجْرُوحٌ صَوت “المِفْتاح”..
ومَكسورٌ دائمًا خَاطِر “القِفْل”…)
هي إذاً كما قلت في المبتدا (نصوص قصيرة، مكثفة، في كل منها فكرة واحدة عميقة، تتوسل لفكرتها بفنون وتقنيات مختلفة – منها السرد والأسطرة والمجاز المستجد والاخيلة المستحدثة والإحالات والإضمار بالسكوت عن بعض المراد – والترميز غير المسبوق لعناصر عادية والمفردة المنتقاة – والهندسة المتفردة في النص. وهي بكل ذاك تنفتح على تأويلات متعددة، ربما بعدد قارئيها).

هو (جنس أدبي) يتخلق ويشترط أدوات نقد (مستحدثة) توافق مستجدات ميلاده. وها أنا أرمي في البركة بحجر صغير آملاً أن تتبعه أحجار أكبر من نقاد آخرين حتى تهتز مياه الإبداع لتبحر فيها سفن الألق والقلق الخلاق.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.