آخر الأخبار
The news is by your side.

بانت ما بين تكريم وتهجير القامة هاشم صديق

بانت ما بين تكريم وتهجير القامة هاشم صديق

بقلم / محمد ميرغني الشيخ

 

في العام 1968 وأبان إحتفالات البلاد بالذكرى الرابعة لثورة أكتوبر المجيدة إمتلأ المسرح القومي بالحضور وتسيدت أناشيد الأكتوبريات ملقاة ومغنى وتعالى التصفيق المستمر من الجمهور مستحسناً لما توالى تقديمه من أعمال بينما جلس الشاعر هاشم صديق الذي كان يحمل لتوه تسعة عشر ربيعا في المقاعد الخلفية ، يصعد كابلي حاملاً الفكرة والوعد مدوزنة بالحان عبد الله حامد عربي مشبعة بقوافي هادرة خطها يراع عبد المجيد حاج الأمين
هبت الخرطوم في جنح الدجى
ضمدت بالعزم هاتيك الجراح
مشرق الجبهة مخضوب الجناح
يحمل الفكرة والوعد معاً
والأماني في تباشير الصباح
فإلتقينا في طريق الجامعة
مشهداً يا موطني ما أروعة
فتراى المشهد بروعته للحضور فعادوا للوراء لمراجعة ملفات من ذاكرة ومشاهد إكتوبر التي إنبسطت أمام أعينهم فهبوا وقوفاً وكأنما الكراسي مراجل غلت من تحتهم

ليعتلي المسرح عثمان حسين وهو يصطحب قوافي أبا زرعة في حب الوطن فيبتدي لأخوته بالنداء بحنجرة لطالما أحبوها وطربوا لها ليستمعوا وهم ما زالوا وقوف
فيا أخوتي
لنمشي إلى النور في ثورتي
نحطم قيد الليالي العتى
فنحن الفداء
جنود الرداء
ونحي لها ونحمي حماها
ومشعلها بلادي انا
الليلة ليلة عنوانها لا يرتاددها إلي القمم من الخطباء والفانين ورواد المسرح فالمحتفى به هو الوطن وعريسها بالبذة الخضراء هو أكتوبر المجد فلا بد للأرض أن تغني ولا بد للحقول أن تشتعل قمحاً ووعداً وتمني ولا بد أن يكون هنالك وردي ليهتف وتسلحنا باكتوبر لن نرجع شبرا وكما كان هنالك العطبراوي والتني فلا بد أن تتصدر كلمات محمد المكي إبراهيم المشهد
سندق الصخر
حتى يخرج الصخر لنا زرعاً وخضرة
ونرود المجد
حتى يحفظ الدهر لنا إسماً وذكرى
باسمك الأخضر يا أكتوبر ألأرض تغني
والحقول إشتعلت
قمحاً ووعداً وتمني
لا زال الشاعر الشاب هاشم صديق يجلس مع أسرته في الصفوف الخلفية وهو حينها لم يزل رقماً مجهولاً في عالم شعراء بلادي ، عرفه البعض في أواسط المسرحين ولا زال الكثيرون يجهلون عنه إلا أن تردد صدى الصوت عالياً عبر الماكرفون عندما ذكر المنادي اسمه طالباً منه أن يتقدم إلى الصف الأمامي موضحاً له وللجميع أن رئيس مجلس السيادة والسادة الوزراء يودون تهنئته على نجاح عمله ، فتقدم نحو المنصة الرئيسية فهبوا جميعاً لمصافحته تواضعاً بما فيهم المحجوب ووزير الثقافة عبد الماجد حسبو أبو، الذي كرمه لاحقاً من ضمن المكرمين في إحتفائية عطفاً على ما قدم في هذه الليلة وكان أصغر المكرمين سناً وأول طالب يقف أمام وزير على خشبة المسرح مكرماً هو والفنان محمد الأمين الذي قام بأداء وتلحين الملحمة والتي قام بتوزيعها الموسيقار موسى محمد إبراهيم
وفي ليلة وكنا حشود بنصارع
عهد الظلم الشب حواجز
شب موانع
جانا هتاف من عند الشارع
قسماً قسماً لن ننهار
طريق الثورة هدى الأحرار
والشارع ثار وهزما الليل
كانت أبيات القصيدة بمثابة عدسة عكست ما أختزن في مخيلته منذ أربعة سنوات لأحداث شهدها بأم عينه فإستحقت بما حوته من صدق أن تنال الفوز وأستحسان كآفة الحضور فعندما ضج المسرح بالتصفيق وتخللته مناداة المذيع كانت هنالك إحتفائية أسرية لها وقعها الخاص في نفسية الشاعر عندما أطلقت الحاجة آمنة زغرودة جاء منبعها من تلك المقاعد الخلفية حيث كان يجلس بقربها الشاعر هاشم صديق وشقيقاته فحملن معهن الفرح من المسرح لبانت فتوافد جميع أهل بانت وقامت الحاجة آمنة بتوزيع الحلوى لضيوفها مزهوةً بإبنها وأمتدت معالم الفرح في صبيحة اليوم التالي وتحت ظل شجرة النيم العتيقة التي ألف أن يجلس تحتها كلما دهمه مخاض الشعر ، جلس المحتفون به في نفس المكان فهي ذات الشجرة الذي كتبت فيه جل القصائد الثورية ونفس المكان الذي كتب فيها مواسياً صديقه على نهاية ما أراد لها أن تودع زهرات الأمان كي ترجع للألم ولكنه المشي نحو المصير، وهي نفس شوارع بانت التي وقفت مع الزمن لتستمع لهمس الشوق ومنها إنطلقت حاجة فيك فإختارها ذلك الذي لا يختار إلا خيار من خيار ، وعنه أيضاً كتب
بين الحوش ود سلفاب
قدم دوزن حرافة تسر
وتر ضمد هوان الأمة
بي حرف القصيد الحر
هو الذي نذر نفسه ، للثورة ، للوطن ، للحرية ، للحب ، للجمال ، للإنسانية ، للحيوان وحقوقه حتى ولو كان ضخماً يتوجس منه الأطفال لا يحرم من العيش في أمان
جات والشوق دموع حارة
تجدد في العيون الشوق
بين توتي وعلالي أبروف
قايلة الدنيا لسع سلام
وما خيم زمان الخوف
ومن الكلمات التي نسجت من الشوق والفرح الجميل شكل مطربي بلادي خلية من النحل مركزها حي بانت فإزدانت خارطة الغناء السوداني بروائع منها
شقشقت عصفورة من جنة عيونك
صحصت نجمة ، وزهت في ليل
جيتي من وين يا بنية
ومن سلامك طرقع الفرح الأصابع
وانتبه وتري النعس
في برد إيدي هش صوتك
سكسكت نحلة وسرت
من بين شفايف وردة
لحضن الخلية
وفي وسط هذا الجمال وهذه الفرايحيات كان يراوده ثمة توجس فيشر فراسةً
إنتبه !
لا تبرأ نجماً
تقرأ في وهمو الطريق
إنتبه لا تركب الموج
البناغم وجرسوا ناعم
بكرة يعتمدك غريق
،،، إنتبه
مرات بتنداس البشاير
بي حوافر خيل مغامر
وتلقى طائر في سما الحرية
إتحول رقيق
وها قد دهم بانت ليلاً بهيماً أسوداً وهدر الموج القاتل وأزكمت المدينة رائحة الباروت وجاء تتار العصر وإستباحوا المدينة على ظهر المحركات المميتة ولأجل أن الخيل كما قيل عنها على نواصيها الخير هي الوحيدة التي آلت على نفسها أن تحمله لمكان آمن على فرش مكشوف حتى لا يحرم من توديع أطلال بانت والخرطوم ليمضي فمنذ أن إندلعت في أوصاله دفقة حب للفقراء وطين الأرض أدمن الثورة والتكبير لحق الناس بصوت الفرض أسلم جواده لضميره ونزح ينقب في التاريخ وهو يردد في حضرة الوطن
كل عام وإنت طيبة وبت مسرة
وكل عام وانت أسمح جوة برة
وكل عام وانت صابرة جروحها حرة
كل عام وإنت عارفة الحالة مرة
إلا جرحك بزغرد ألف مرة

أسألك ،،، عن سر ملامحك
مالا مهمومة وغريب نبض الكلام
وتسأليني عن غمام
شجني الممدد في عيون الإبتسام
صدقيني نحن حاجتين من شبه
جرحين على الريح والزمن
إسمين على رمل الشوارع
همين على الغالي الوطن
في غيابك لا قريت نصاً موالف
لا قرتني عيون صديقة
ووصية للحصان هي آخر قصائده والتي كتبها بمدينة الحديد والنار التي وصلها وهو في طريقه لمدينة بورتسودان رحلة بدأت بالكارو ولم تنتهي بعد
يا حصان فرقع حوافرك في الظلت
أنا وإنت والكارو بقينا أحباب
في الزمن الغلط
يا كارو بلاهي اخطى الحفر
أنا مرتين ظهري إنكثر

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.