آخر الأخبار
The news is by your side.

النزعة القومية و سرديات التهميش (3_3)… بقلم أمجد هاشم

النزعة القومية و سرديات التهميش (3_3)… بقلم أمجد هاشم

#الأفخاخ_الثلاثة_الكبرى أياً كان رأيك حول إتفاقية جوبا و مدى شموليتها و بغض النظر عن محتوى الإتفاق الذي سيوقعه القائد عبدالعزيز الحلو أو الأستاذ عبدالواحد نور عاجلاً أم اجلاً علينا إدراك أنه بالنوايا الطيبة وحدها لا تنفذ الإتفاقيات و أن لا مناص من تأسيس جبهة شعبية واسعة لدعم السلام والتعايش السلمي و مناهضة العنصرية و ليكن لنا في الحرب الاهلية الأمريكية (1861-1865) عظة و عبرة.

فبالرغم من إنتصار المعسكر المعادي للتمييز و تجارة الرقيق و لكن هذا الإنتصار لم ينهي سياسات التمييز الراسخة في المنظومة السياسية الأمريكية و هو ما إستدعى الامريكيين من أصول أفريقية إلى النضال من أجل حقوقهم المدنية عبر حراك سياسي منظم تصاعد و وصل ذروته في الستينات من القرن الماضي و حقق العديد من المكاسب و ما زال زخم الستينات المفعم بخطابات مالكوم اكس و مارتن لوثر كنغ عندما هتف قائلاً (لدي حلم) حاضراً في المشهد السياسي الأمريكي.

فقد كان حلمه حلماً لجميع المضطهدين في العالم يستمدون منه صمودهم و عنفوانهم، و دوننا كذلك إتفاقية نيفاشا المحكمة والمسنودة دولياً والتي فشلت في تحقيق هدفها الأساسي المعلن و هو جعل الوحدة خياراً جاذباً بسبب حالة اللامبالاة الشعبية و السلبية تجاه عملية السلام التي منحت حصرياً حق الإستفراد بإتخاذ القرارات المصيرية التي تمس مستقبل السودان لكل من الإسلاميين في الشمال والإنفصاليين في الجنوب و الإنتهازيين في قطاع الشمال الذين تصدروا المشهد و قزموا رؤية دكتور جون قرنق للسودان الجديد و حدوا من تمددها شمالاً و تواطئوا على انفصال الجنوب بموافقتهم على الصفقة الأمريكية التي طرحها باراك أوباما على الحكومة السودانية.

و طلب من الروس التوسط لتمريرها بحسب ما أعلنه وزير الخارجية الروسي سرجي لابروف شخصياً فيما بعد و هي الصفقة التي تضمنت إنسحاب مرشح الحركة الشعبية من السباق الانتخابي الرئاسي مقابل تسهيل الإنفصال و تضييع آخر أمل في وحدة السودان والذي كان يمكن أن يحييه توافق السودانيين على مرشح الحركة الشعبية للرئاسة إن هذه التجربة المريرة توضح لنا أن أي اتفاق نخبوي غير مصحوب برقابة شعبية سيكون عرضة للإختطاف و الإنحراف عن أهدافه الأساسية.

إن الضمانة الوحيدة لإستدامة السلام والتعايش بين شعوب السودان هو في تدشين حراك مدني حقوقي داعم لدولة المواطنة والحقوق المتساوية يضم في تكويناته جميع المؤمنين بمشروع السودان الجديد بإختلاف إنتماءاتهم مستندين على الوعي التراكمي المتنامي بالمظلومية التاريخية التي لازمت الدولة السودانية الحديثة و هو ما يمكن تأطيره من خلال منصة شعبية تسترشد بأليات النضال المدني المجربة في دول مثل أمريكا وجنوب أفريقيا وغيرها و قد يشكل هذا النوع من النضال المدني بنهاية الفترة الانتقالية في 2023 منصة أخرى لتأسيس تحالف إنتخابي أشمل ممتد بمساحة السودان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب الجديد و من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، تحالف قوس قزح يقطع الطريق على الحروبات الأهلية والنزاعات المسلحة و يؤسس لنظام إنتخابي عادل يراعي خصوصية الحالة السودانية و نظام سياسي منصف يعالج المظلومية التاريخية لشعوب الهامش العريض (الكتلة الإنتخابية الأكبر) في إطار قومي يمهد عمليا لدولة المواطنة والحقوق المتساوية و يخاطب قضايا الهوية بالكيفية التي تجعلها تنعكس عملياً على هياكل الحكم والقوانين والسياسات و المؤسسات بعيداً عن مظاهر الاحتفاء الفلكولوري والترميز التضليلي والمحاصصات الشكلية، تحالف الأمل الواعي بأهدافه المرحلية والإستراتيجية و المدرك للتحديات والصعوبات الآنية و المستقبلية أو ما أسميها بالأفخاخ الثلاثة الكبرى و أولها هو فخ الإنغماس في الجهوية السياسية والمكاسب المناطقية الضيقة التي تشوش على الصورة الأكبر المتمثلة في تفكيك الدولة المركزية القابضة لصالح الدولة الفيدرالية اللامركزية المتحررة من الإمتيازات الإرثية.

أما الفخ الثاني فهو فخ الإنحراف بالصراع إلى معاداة الكيانات الإثنية بدلاً عن السياسات التمييزية أو ما يمكن تسميته بصراع الكل ضد الكل، و لتكن لنا في حادثة جورج فلويد نموذجاً و قدوة فعندما قتل الشرطي الأبيض مواطناً من أصل أفريقي لم نرى الامريكان ينحدرون إلى حرب شوارع أهلية بين البيض والسود ولكننا وجدناهم يتظاهرون سوياً في الشوارع تحت شعار موحد (Black Lives matter) و رأيناهم معا كتفاً بكتف يوجهون سهام نقدهم و مطالباتهم بالتغيير الى السياسات التي سمحت لهذا الشرطي بإرتكاب هذا النوع من الإنتهاكات ذات الدوافع العنصرية، أما الفخ الثالث فهو يتمثل في الإنشغال بقضايا النادي السياسي القديم الذي يضم طيف واسع من الأحزاب السياسية صاحبة الخبرة التراكمية في ألاعيب السياسة ودهاليزها وهي التي تتمدد من أقصى اليمين الرجعي إلى أقصى اليسار الراديكالي ويجمعها بإختلاف إيديولوجياتها الرغبة في المحافظة على بنية الدولة السودانية وإمتيازاتها الموروثة تاريخياً وفي سبيل ذلك لا يألوا أعضاء هذا النادي جهداً في دق الأسافين بين القادمين الجدد فنراهم تارة يطلقون التصريحات الإقصائية والعنصرية تجاه بعض قوى الكفاح المسلح ويتهمونها بالسعي وراء السلطة والثروة و تارة أخرى نجدهم يغازلون و يتقربون من بعض الحركات المسلحة لإستمالتها إلى تحالفات عبثية علها تزيد شقة الخلاف بين الرفاق و بالتالي تجهض التغيير المنشود.

و أوضح النماذج على هذا السلوك هو ما يمارسه هذه الأيام الحزب الشيوعي السوداني وهو كنموذج لأحزاب المركز ذات التوجه اليساري يعد من أسوأ انواع اليسار لأنه يتبع في يساريته نهج عروبي راديكالي سلفي مؤمن بحتمية الصراع الطبقي و هي الحتمية التي تستوجب بحسب توجهاتهم الأيديولوجية المتطرفة الوصول بالأوضاع إلى حافة الهاوية عبر التربص والتشويش و الإفشال المتعمد والكيدي لأي رؤية للصراع لا تلتزم بمنهج التحليل الماركسي الذي يرتكز على التفسير الطبقي و بالتالي فهم يتعاملون مع قضايا القوميات والتنوع بإنتهازية لأنهم يعتبرونها محض تزييف للصراع أو ليست ذات أولوية (إذا أحسنا بهم الظن) الأمر الذي يفسر السجل السئ للشيوعيين عالمياً فيما يلي التعامل مع قضايا القوميات والشاهد على ذلك هو محاولات الدمج والإستلاب التي مارسها الشيوعيون لصالح الهوية المركزية في جميع الدول التي حكموها ما قبل إنهيار جدار برلين و التي سميت بالكتلة الشيوعية بدءاً بالإتحاد السوفييتي الذي مارس أشد انواع البطش و التهجير القسري للقوميات المسلمة في إقليم القوقاز و غيرها من القوميات المكونة للإتحاد السوفييتي قبل إنهياره و تفككه الى 15 دولة إبان سياسة (البروسترويكا و الغلاسنوست) التي خففت من القبضة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي.

و ليس إستثناءاً من ذلك نظام جوزيف تيتو الذي إنتهى بيوغسلافيا إلى دولة مقسمة و متورطة في حرب البلقان الأبشع في القرن العشرين والتي دارت بين الصرب والكروات والبوسنيين في التسعينات بسبب فشل النظام الشيوعي في التعامل مع مسألة التعدد وإصراره على النهج القمعي الإقصائي و نفس الأمر ينطبق على تشيكوسلوفاكيا التي حكمها الشيوعيون بالحديد والنار و إنقسمت في النهاية الى دولتين (التشيك و سلوفاكيا) إبان الثورة المخملية في 1989و أخيراً و ليس آخراً يمكننا الإستشهاد أيضاً بالنظام الشيوعي في الصين الذي ما زال يمارس أبشع الانتهاكات ضد قوميات الايغور المسلمة و التبت البوذيين، إن أصحاب الايدولوجيات المستوردة (الاسلاميين و الشيوعيين على السواء) نجدهم في سبيل سعيهم الحثيث الى الأممية العابرة للحدود يتجاهلون النزعة القومية و يحاربونها في كثير من الأحيان و هو ما يحفز أصحابها للتمسك بها بل والتعصب لها كسلوك تعويضي يؤدي في نهاية المطاف إلى تشرذم و إنقسام الدول التي يحكمونها و انتشار الكراهية بين مواطنيها خصوصاً عندما تكون هذه الدول متعددة القوميات مثل السودان و تجربة الاسلاميين التي أدت لإنفصال الجنوب ليست بعيدة عن الأذهان.

في إعتقادي إذا نجحنا في عبور هذه الافخاخ الثلاثة الكبرى فإن الجيل الحالي في السودان حسب ظني هو الأكثر استعداداً لتحقيق التسوية التاريخية بين القوميات السودانية وهي التسوية التي ستعيد الدولة السودانية إلى منصة التكوين الأولى و ستؤسس لعهد جديد قائم على مبدأ الوحدة الطوعية بين السودانيين، عهد ترتكز فيه العلاقة بين شعوب السودان على تحقيق المصالح المشتركة و تعزيزها و البناء عليها من موقع الإستقلالية و الحرية و ليس من موقع التبعية و الإستلاب. و دمتم

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.