آخر الأخبار
The news is by your side.

الموسيقار يوسف السماني: تجارب إبداعية مثيرة للجدل

الموسيقار يوسف السماني: تجارب إبداعية مثيرة للجدل

بقلم: صلاح شعيب

الموسيقار يوسف السماني مثير للجدل سواء في علاقته بالغناء، أو التلحين، أو الإعلام. فهو من ناحية أخرى مارس كرة القدم أيضاً. وكان ضمن كوكبة أشبال الهلال. ولكن انغماسه في المجالات الإبداعية أبعده عن الرياضة، والتي عاد إليها ليؤسس أول إذاعة رياضية، تلك التي فتحت مجالا للآخرين لخوض غمار الاستثمار في العمل الإذاعي الخاص. بل إن السماني يعد من أوائل الذين جمعوا بين العمل الإعلامي والإعلاني حيث وظف علاقته بالتلفزيون، وارتبط بالتعاون معه عبر وكالة أماسة الإعلانية التي قدمت أعمالاً رائدة في هذا المجال. ولكن يوسف السماني لقلقله الإبداعي لم يكن ليستقر في مجال واحد. فتجده يهجر الأعمال التي أسسها لفترة ثم يعود إليها. ولو أنه اعتزل الغناء بعد وفاة زميله في الثنائي الوطني محمد حميده فإنه عاد بعد جولات في مجال الاهتمام الإعلامي والإعلاني والرياضي لينقض الغبار عن عوده ليبدأ من جديد في التعاون مع الفنانين الشباب. ولعله وجد في الفنانة أسرار بابكر صوتاً متفرداً جعله يقتنع بأن يقدم لها عملاً ضن عليه أن يمنحه للفنانين طوال عشرين عاما. وهكذا استطاعت أسرار بصوتها الآسر أن تقدم “لو بتعرف” والتي أعاد الأمل إلى السمعية الجادين بأن الألحان المشبعة بمقدمات موسيقية شجية، وكوبليهات متعددة ما يزال من الممكن العثور عليها.

وألحان السماني جميلة، وشيقة، وتخلدت في المشهد الفني بفرادة أنغامها، وإيقاعاتها. فهو من ناحية فقد قدم واحدة من أجمل الأعمال للفنان حمد الريح برغم أن الذي قدمها أولاً كان الاستاذ مصطفى سيد أحمد. ويحكي يوسف أن الشاعر عبد الرحمن مكاوي منحه نص “شقى الأيام” فعكف على تلحينه ثم أجرى مع الفنان حمد الريح البروفات لتقديمه. ولكن العازف محمدية رأى أن هذا العمل سيدخل الفنان في متاهات دون أن يستطرد كثيراً عن كنهها. وهكذا قرر حمد الريح ألا يقدم شقى الأيام، غير أن ملحنها رأى منح الأغنية لمصطفى سيد أحمد الذي اجاد حفظها فقدمها في برنامج “نفحات الصباح” الذي تقدمه ليلى المغربي، ثم تم إنتاج الأغنية لاحقاً بالأوركسترا ضمن ألبوم وزعته شركة منصفون. ولكن بعد انتشار العمل، والذي كان يبث في الإذاعة بالعود أيضاً عاد حمد الريح ليسترد ملكية النص، واللحن. وكان له ما أراد. ولكن هذا التصرف وجد عدم الرضا عند مصطفى فاختصم مع الملحن زمناً طويلاً، ولكنهما تصالحا عند زيارة يوسف السماني له في الدوحة، وقال إنه وقتذاك منحه أعمالاً جديدة كمبادرة لاستئناف العلاقة، والتي كان لتوترها سببا لتوقف مصطفى عن أداء أغنية الملام للشاعر عبد الوهاب هلاوي التي قدمها له قبلاً الموسيقار يوسف السماني:

لو مني مستني الملام

ياسلام عليك يا سلام

ياحلو دا السكوت مرات كلام

وعدم الكلام هو كمان ملام

يا سلام عليك يا سلام

انا يا غرامي جججوصلت بيك

في الدنيا لي حد الغرام

ولقيت ملامي في عينيك

يا سيدي زي الما ملام

يا سلام عليك يا سلام

-٢-

في حاضرة كردفان كان مولد يوسف السماني عام 1952. فالأبيض مدينة لكل السودانيين، تمازجت فيها السحنات، والأعراق، من كل بقاع السودان، خصوصا أنها كانت محط أنظار موظفي الخدمة المدنية. فمجتمعها المتحضر، وتوسطها لجغرافيا البلاد، ووجود نشاط فني ورياضي زاخر فيها يجعل كل موظف منقول للمدينة يمني النفس بالبقاء فيها سنوات، وسنوات. وهكذا رأى الطفل النور لأول مرة في المدينة الوادعة، وشب حتى درس الابتدائية في مدرسة القبة، وطرفاً من الوسطى. ولكن نقلية والده دلفت به إلى الخرطوم التي مارس فيها هواياته الفنية، والرياضية، بالكلية القبطية. واستمرت مثابرته الإبداعية حتى تأهله لوظيفة معلم بمدرسة بيت الأمانة. وواظب يوسف في التلحين أيضاً اثناء التحاقه المسائي بجامعة القاهرة فرع الخرطوم. والحقيقة أن موهبة تلحين الأناشيد والأغاني بدأت مع الموسيقار في فترة مبكرة من حياته حين وجد في الصفارة، وآلات موسيقية أخرى، ضالته لتلمس حلاوة الأنغام التي يقترحها. ففي المرحلة الثانوية لحن لفنانين كبار دون أن يحترف الغناء. ورويداً، رويداً، عمق التجربة اللحنية حين تعاون مع الإذاعة ملحناً للأطفال في جنة الأطفال بالتلفزيون.

وطوال هذه الفترة كان يوسف السماني يمني النفس بأن يصبح لاعباً لفريق الهلال. ولكن نظراً لميله للإبداع الذهني اكتفى بأن يترك الأشبال ليجد متسعاً من الوقت للفتح الإبداعي. ورغم ترغيب، وترهيب، رئيس نادي الهلال السابق، ووكيل وزارة التربية والتعليم محمد توم التيجاني بالاستمرار في الرياضة إلا أن السماني المعلم عصى أوامر التيجاني الذي غضب منه ثم أعاده إلى كردفان. فربما في مدينة أبو زبد يمارس نشاطه الكروي ليعود يوما إلى فريق الهلال لا محالة. ولكن المفاجأة أن السماني لم يلبث في البقاء في المدينة أسبوعا حتى امتطى ظهر قطار الغرب عائداً إلى أمدرمان. ومن توه قرر تحقيق رغبته القديمة بالالتحاق بمعهد الموسيقى والمسرح دون أن ينشغل بأمر فقدان وظيفة التدريس. ولحسن حظه تلقف الأستاذ علي شمو رغبته فخيره بين الانتداب للإذاعة، أو الوزارة التي كان وكيلها، وفقاً لما حكاه في حوار شيق بقناة الزرقاء مع د. خالد لقمان. فاختار السماني الإذاعة ليهرب من رغبات المسؤول الكبير عنه في مجال التعليم، والرياضة، والذي رفض انتدابه للمعهد العالي للموسيقى والمسرح ضمن زملاء معلمين كثر لم ير السماني أنهم يفوقونه في ابتكار الألحان. وهو كان وقتها قد وطد أركان علاقته بمرحلة مايو، وامتدت علاقته بالرئيس نميري الذي حفه بالاهتمام والرعاية. والسبب لتنامي هذه العلاقة مع رأس النظام أن السماني كان قد وجد نفسه فجأة مع صديقه محمد حميدة يرددان أمة الأمجاد التي كانا يحفظناها للأطفال في الإذاعة. ونظراً لاتساع الماعون الموسيقى للعمل قررا تسجيل النشيد بصوتيها بعد أن أحسا بتناغم كبير في نبراتهما. وما إن سجلا النشيد للشاعر المصري حتى صار أهزوجة وطنية تردد ليلاً ونهاراً في الإذاعة والتلفزيون رغم أن لجنة رفضت اعتماد العمل في باديء الأمر.

-٣-

يقول يوسف السماني إن الأستاذ محمد خوجلي صالحين زاره مرة، وطلب منه تسجيل نشيد أمة الأمجاد، ولكن رد عليه بأنه لم يجز. فأصدر صالحين أمراً بتسجيل العمل، غير أن السماني ساومه بأن يسجل له أربعة اناشيد أخرى دفعة واحدة وقد أجازها صالحين جميعاً دون الرجوع للجنة النصوص والألحان بالإذاعة، ومن ضمن هذه الأناشيد “يا بلدي يا حبي” و”داير أشوفك يا بلادي” و”هنا صوت يناديني”.

نجاح هذه الأناشيد في الانتشار في تلك المرحلة فتح شهية الملحن القدير يوسف السماني لمواصلة اجتهاداته في مراكمة الألحان، والأناشيد الوطنية. وبهذه الكيفية نال مديح النميري لهذه الأعمال، وأخرى تمجد نظامه.

كذلك زاد هذا المناخ من النجاحات من حماس السماني للانفتاح على فرص التطور العلمي أمامه كذلك. فقرر إكمال دراسته بمعهد الموسيقى والمسرح، مع مواصلة الغناء الوطني الذي رأى أنه قد مزجه بالعاطفة أيضاً. وفي ذلك الوقت قدم عدداً من الألحان لزملائه الفنانين حينما أصبح مقرر لجنة الألحان بالإذاعة. وقد تواصل صعوده في المجال فأصبح مدير إدارة الموسيقى. ولاحقاً تقلد إدارة إذاعة صوت الموسيقى، والتي حققت نجاحاً كبيراً. ولكن تزامنها مع تطبيق قوانين سبتمبر أدى إلى إيقافها، ومن ثم انتهت علاقة الموسيقار بالإذاعة ليعود لانتاج الإعلان الإعلامي.

العبرة التي يمكن الخروج بها من هذا التاريخ الفني الحافل للاستاذ يوسف السماني هي أن المبدع ينبغي أن يتجاوز المتاريس بصبر، ويعزز نفسه بالثقة مهما وجد من حكم ظالم لما يقدم. فحكم لجنة النصوص الرافض لإجازة نشيد “أمة الأمجاد” للشاعر المصري مصطفى عبد الرحيم، وكذلك لحن الموسيقار له كان أمراً مثيراً للدهشة، خصوصا أن اللجنة ضمت الشاعر محمد المهدي المجذوب، وعمر البنا، وبرعي محمد دفع الله، ومحمد سليمان، ومحمدية. لقد سقط هذا الحكم الجماعي، وبقي النشيد، واللحن، خالدين. وما يزال هذا العمل الجميل صالحاً للبث لمضامينه الوطنية العامة رغم أنه ارتبط ظهوره بفترة نظام مايو.

عموماً يقدر المرء الإسهامات المميزة للمبدع يوسف السماني في الإبداع الفني والإعلامي، ومؤكد أنه ضمن قلة جمعوا بين الفن والإعلام، حيث قدم في المجالين ما يرقى إلى الإشادة، والثناء. والحقيقة لو أن يوسف السماني اكتفى فقط بتقديم ألحانه الجميلة لشريحة الأطفال، والكبار، لجعله ذلك ضمن المميزين للغاية في تجديد الغناء السوداني، وربط المستمعين بمضامين رفيعة في حب الوطن، والعاطفة النبيلة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.